بغداد - .أ.ف.ب.
يسير الباص الصغير في الشوارع المزدحمة ببطء، ويتجاوز الحواجز الامنية الكثيرة باكبر قدر ممكن من السرية، حاملا على متنه مجموعة استثنائية من الزوار: سياح اجانب في بغداد. في المدينة التي تعيش منذ عشر سنوات على وقع اعمال العنف اليومية العشوائية، يعمل هؤلاء على ان يبقوا بعيدين عن اعين الجميع، فيتجولون برفقة شرطي واحد وعدد محدود من المرشدين السياحيين. وتقول السائحة البريطانية ليندا كوني لوكالة فرانس برس بالقرب من محطة قطار قديمة في بغداد "كل مكان زرناه حتى الان كان مختلفا كل الاختلاف"، مضيفة "العرب، التاريخ، الاثار، كلها امور اثارت اهتمامي". وداخل الباص الذي لا يحمل اي علامة مميزة، يشرف على مسار الرحلة الاستثنائية جوف هان، مالك شركة "هينترلاند" في لندن التي تنظم الرحلات السياحية الى العراق منذ العام 1970. وفي سنة 2009، اطلقت الشركة عرضا خاصا جديدا حول العراق، هو عبارة عن رحلة لتسعة ايام، او لستة عشر يوما، باسعار تبدا بنحو ثلاثة الاف دولار، من دون ان تشمل تذاكر السفر وثمن التاشيرة. وتبدا رحلة هؤلاء من الشمال، حيث يقومون بزيارة اماكن اثرية عديدة بينها مدينتا نمرود والحضر، ثم يتوجهون الى بغداد، نزولا نحو بابل، والبصرة، قبل العودة الى العاصمة. ويبيت سياح "هينترلاند" وهي واحدة من شركات سياحية قليلة تحظى بدعم الحكومة العراقية لتنظيم رحلات الى البلاد، في فنادق غالبا ما تفتقد الى المعايير العالمية، ومع ذلك لم يشتك اي من السياح خلال حديثهم مع فرانس برس من ذلك. لكن هذا الدعم لا يمنع المجموعات السياحية من مواجهة مواقف صعبة في بلاد تصب جل اهتمامها على تحسين الوضع الامني المتدهور، حيث يقتل يوميا منذ بداية تموز/يوليو 27 شخصا على الاقل. وبينما كان الباص يتنقل بخفة في شوارع بغداد، توقف عند احد حواجز التفتيش المنتشرة في كل احياء العاصمة، قرب مقبرة، حيث طلب عناصر الشرطة اوراقا رسمية تسمح للسياح باستخدام كاميرات، وهو طلب عادة ما يفرض على الصحافيين تلبيته. ويقول هان انه ابان نظام صدام حسين قبل العام 2003 "كنا مجبرين خلال معظم رحلاتنا على اصطحاب حارس معنا. الحال صعبة هنا بسبب الوضع الامني، ولذا فعلينا اليوم ايضا ان نصطحب حراسا معنا". وتعتمد السياحة في العراق، الذي يرى فيه البعض "متحفا مفتوحا" نظرا لكثرة الاماكن الاثرية فيه، على العنصر الديني، حيث يشكل زوار المراقد المقدسة، وخصوصا في النجف وكربلاء، اكثر من 95 بالمئة من اعداد السياح سنويا والتي تبلغ نحو مليونين. ورغم الوضع الامني الصعب، يعمل العراق اليوم على اعادة احياء قطاعه السياحي غير الديني، انما بامكانات محدودة. ويقول الوكيل الاقدم لوزارة السياحة والاثار بهاء المياحي في مقابلة مع فرانس برس انه "لو توفرت عوامل اضافية وامكانات اخرى لتضاعف عدد السياح ثلاث مرات خلال اربع سنوات". ويضيف ان "الترويج السياحي للعراق كما هو معمول به في دول كثيرة غير موجود حاليا لاسباب كثيرة بينها الوضع الامني. عندما تذكر العراق في اوروبا ودولا اخر يتبادر الى الذهن العنف والارهاب، لذا يجب ان نركز على مسالة تغيير هذه الصورة". ويتابع "علينا ان نبرهن للناس ان العراق ليس فقط ارهابا وقتلا، هناك حضارة وتاريخ".وبعد توقف قصير خلال فصل الصيف، حيث تبلغ درجة الحرارة نحو 50 درجة مئوية، تخطط شركة "هينترلاند" لاستكمال برامجها السياحية الى العراق بعد شهر ايلول/سبتمبر المقبل. لكن هذه الرحلات تاتي في وقت يشهد العراق موجة عنف متصاعدة حيث قتل اكثر من 850 شخصا منذ بداية تموز/يوليو، في عامل سلبي قد يؤدي الى تراجع اعداد السياح، بحسب ما يرى المياحي. ورغم ذلك، لم يبد الا عدد قليل من السياح الاجانب قلقهم من الوضع الامني الذي يرافق رحلتهم. ويقول غريغ ليسينجر (32 عاما) الاتي من واشنطن "اردت المجيء الى هنا منذ وقت طويل. كان من المستحيل ان اسافر وحدي الى العراق، لكنني عرفت بامر هذه الرحلات وقررت ان اكون جزءا منها". ويضيف "اذا كانت تحب السفر والمغامرة، فعليك ان تزور هذا المكان".