بيروت - لبنان اليوم
على انّ هذه الاجواء المشجعة على التأليف السريع للحكومة، لا يبدو حتى الآن أنّ هناك إشارات للتجاوب على حلبة التأليف، بالنظر الى ثبات رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري على مواقفهما، وتعذر بلوغهما نقطة مشتركة تعجّل في تشكيل الحكومة.
واذا كان مؤيّدو الطرفين يبرران للرئيسين مواقفهما وشروطهما المتبادلة التي تعيق تأليف الحكومة، الّا انّ قراءات خصومهما تستبعد توافقهما بالتراضي، بل انّ هذا الامر يتطلب معجزة، ودافعاً قوياً لهما في اتجاه هذا التوافق، خصوصاً انّ كلّاً منهما يخوض معركة وجودية على حلبة الحكومة. والمعلوم في هذا السياق انّ الرئيس الحريري ستكون له كلمة مُتلفزة في 14 شباط الجاري في ذكرى اغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بعدما صرف النظر عن إقامة احتفال مركزي للاسباب الصحية المرتبطة بفيروس كورونا وتفّشيه المتمادي في الارجاء اللبنانية. وبحسب المعلومات، فإنّ الحريري سيستعرض في كلمته، التي وصفت بالمفصلية والحاسمة، التطورات الاخيرة وكل ما أحاط الملف الحكومي، وتحديد اسباب التعطيل التي أدت الى تأخير ولادة الحكومة حتى الآن.
وربطاً بالمعركة الوجودية التي تُخاض على حلبة التأليف، تقول مصادر معارضة للرئيس المكلف، الموجود حالياً في باريس، انه من الاساس يعوّل على تشكيل حكومة يريدها بالصورة التي تخدمه، لتُبقيه رقماً فاعلاً وأساسياً في المعادلة الداخلية، ويعوّض من خلالها سلسلة الخسارات والسقطات التي مُني بها في المراحل السابقة، ويستعيد فيها وَهجه وكذلك حضور تياره السياسي. وبالتالي، فإنه ألزَم نفسه بسقف مرتفع جداً من الشروط، وصار من الصعب، لا بل من المستحيل عليه، ان يتراجع عنه، لأنه لا يستطيع ان يحتمل إصابة جمهوره بالاحباط.
فضلاً عن انّ هناك سببين اضافيين يحملانه على عدم التراجع: الأول، شعوره بأنّ مساحة الاحتضان الدولي له صارت اوسع وانّ المجتمع الدولي لا يرى بديلاً عنه لرئاسة الحكومة وفق المبادرة الفرنسية ومندرجاتها. والثاني، هو انّ غالبية القوى السياسية تُماشي موقفه وشروطه نكاية برئيس الجمهورية وبرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل.
في المقابل، يلتقي خصوم العهد وتياره السياسي على التأكيد انّ رئيس الجمهورية لن يتراجع عن سقف مطالبه التي طرحها في وجه الحريري. وقالت مصادر معارضة لرئيس الجمهورية وفريقه ان لا أولوية لدى عون وفريقه تعلو في هذه المرحلة على أولوية تحصين ما تبقّى من ولاية رئيس الجمهورية، ليُبنى عليها لمرحلة ما بعد انتهاء هذه الولاية.
ومن هنا، في رأي المصادر، يأتي إصرار رئيس الجمهورية وفريقه السياسي على حكومة بمعايير تُلائمه، بما يؤدي الى حكومة يحظى فيها بثلث معطّل، بات يسمّى اليوم «التمثيل الصحيح»، إضافة الى وزارات نوعية، بما يمكّنه، عبر عامِلَي القوة هذين، من تحقيق إنجازات تعوّض فشل السنوات الاربع الماضية من الولاية الرئاسية، وكذلك من بناء الركائز التي تمكّنه بدورها من الاستعداد للاستحقاقات المقبلة، سواء البلدية و/او النيابية او الرئاسية.
وعلى هذا الاساس، تؤكد المصادر انّ رئيس الجمهورية ليس في وارد التراجع، وتُدرِج التوترات السياسية بين «التيار الوطني الحر» وسائر القوى السياسية في سياق معركة شد عصب سياسي وجماهيري لتحصين قرار عدم التراجع. وتقول: انّ في خلفية هذا الموقف الحاسم تكمن الخشية الكبرى مِن انّ تَرك الحريري يشكل حكومته على شاكلة المسودة التي قدمها الى رئيس الجمهورية ومن دون ثلث معطّل لفريق ووزارات دسِمة لرئيس الجمهورية وتياره السياسي، معناه بالنسبة الى هذا الفريق فقدانه قدرة الحضور والقرار، في مقابل أنّ الحريري، الذي اتخذ قراره بأنه لن يكرّر شهر العسل بينه وبين «رئيس التيار الوطني الحر» جبران باسيل، سيكون وحده صاحب الكلمة والقرار في المرحلة المقبلة، ورئيس الجمهورية مَحكوم بصلاحيّات مقيّدة، وباسيل سيكون على الهامش، وخارج المَدار الحكومي، عاجزاً عن مواجهة وتعطيل اي قرار او خطوة يُقدم عليها الحريري ولا يراها مؤاتية او تضرّ بمصلحة التيار، ما يعني في خلاصة الامر انّ ما يراهن عليه العهد وفريقه السياسي لإنعاش ما تبقّى من ولاية عون، قد حُكم عليه بالفشل والسقوط.
قد يهمك أيضا :