الحكومة اللبنانية

 

كتب عبد الكافي الصمد في "سفير الشمال":  في حين حكومات تستنفر أغلب دول العالم وأحزابها السياسية ومجتمعاتها كلّ جهودهم من أجل مواجهة وباء فيروس "كورونا"، ومنع تفشّيه أو المنع دون استفحاله أكثر، تغرق الحكومة اللبنانية والطبقة الحاكمة والأحزاب والتيّارات السياسية وأغلب فئات المجتمع في جدل بيزنطي عقيم، بالرغم من المخاطر المحدقة بالبلد على كل الصعد جرّاء تداعيات هذا الفيروس.

هذه المواجهة بدأت عندما خصّصت هذه الحكومات مبالغ مالية لدعم العائلات المحجورة في منازلها، ماليًا وغذائيًا بسبب توقف أعمالها، ودعم القطاعات الإقتصادية كافّة ماليًا لمساعدتها على تحمّل إنعكاسات فيروس ““كورونا” عليها، واستنفار كل طاقات وأجهزة هذه الدول لهذه الغاية، بعد أن أعلنت في البداية إعطاء دعم مطلق للمستشفيات والأطقم الطبّية كي يتسنى لهم إحتواء المرض ومعالجة المصابين بالفيروس، ومن ثم البحث عن علاج له وإيجاده بأقصى سرعة ممكنة.

لكنّ المشهد في لبنان يبدو مختلفًا كليًّا عن غيره من دول العالم، ويمكن التوقّف في هذا السياق عند أبرز النقاط التالية:

أولًا: إقتصر دعم الحكومة على دفع مبلغ مالي هو 400 ألف ليرة إلى العائلات المحتاجة التي تضرّرت سواء بسبب توقف أشغالها أو بسبب الحجر المنزلي، وهو دعم يفترض أن يبدأ تنفيذه يوم غد، وهو دعم زهيد ولن يحلّ مشكلات معيشية بدأت تظهر وتهدد بانفجار إجتماعي سوف تكون معالجته لاحقًا صعبة ومكلفة للغاية، فضلًا عن بروز إعتراضات على توزيع المساعدات شكلًا ومضمونًا، من سياسيين ورؤساء بلديات ومخاتير وفاعليات، وعلى أي أساس ستوزع، وما الموازين والمعايير التي اعتمدت لتوزيعها، ومن سيستفيد ومن سيُحرم منها؟

ثانيًا: في بعض دول العالم حيث يشبه وضعها وضع لبنان إقتصاديًا، أو أقل، عملت على تقديم مساعدات واسعة للمواطنين، من مساعدات نقدية وأخرى غذائية، إلى إعفائهم من فواتير المياه والكهرباء والهاتف الثابت وغيرها، فضلًا عن توزيع الكمّامات ومواد التعقيم والتنظيف مجانًا على المواطنين، وغير ذلك من المساعدات التي لا يوجد أي أثر لها في لبنان.

ثالثًا: يقترب لبنان من أزمة معيشية خانقة تتمثل في بدء اختفاء سلع أساسية من السوق، وإذا توافرت فإنّ أسعارها مرتفعة اضعافًا عن أسعارها السابقة، وكلّ ذلك بسبب توقف إستيرادها من الخارج لأسباب عدّة، منها توقف عمليات التحويل المالي عبر المصارف إلى الخارج من أجل هذه الغاية، وتوقف المرافىء في أغلب دول العالم عن العمل هذه الأيّام، فضلًا عن عدم وجود إنتاج محلي لهذه السلع، على اختلافها، ما زاد الأزمة تعقيدًا ويتوقع لها أن تتعقد أكثر خلال الأيّام المقبلة.

رابعًا: قبل ظهور فيروس كورونا، وتزامنًا مع اندلاع شرارة الحراك الشعبي في 17 تشرين الاول الماضي، وقع لبنان أسير أزمة مالية ونقدية خانقة، أثرت سلبًا على مختلف القطاعات والفئات الإجتماعية وأسفرت عن انهيار في سعر الليرة اللبنانية بمعدل الضعف تقريبًا، ما جعل لبنان بأمسّ الحاجة إلى مساعدات خارجية لإنقاذه، لكن تداعيات فيروس كورونا على الإقتصاد العالمي ككل، جعل أغلب الدول تعاني في هذا المجال، وهي لم تعد تفكر إلا في إنقاذ نفسها، وبالتالي فإنّ مساعدة لبنان او غيره من الدول لم يعد واردًا هذه الأيّام، ما يعني أن لبنان لن يجد من يمدّ له يد العون لأنّ الكل مشغول بأزماته، ومن يراقب تصريحات مسؤولين في هذه الدول يصل إلى هذه الخلاصة، كما أنّ لبنان غير قادر بقدراته الذاتية على مساعدة نفسه، ما ينذر بأيام صعبة جدًا تنتظر لبنان واللبنانيين.

خامسًا: في حين دفع فيروس كورونا إلى ظهور وحدة وطنية في أغلب الدول المتضرّرة، ودفع قواها السّياسية إلى وضع خلافاتها جانبًا خلال هذه الفترة، فإنّ الأحزاب والشخصيات والتيارات السّياسية في لبنان تبدو وكأنّها ما تزال تعيش خارج الزمن، وما السجالات السّياسية الفارغة والتافهة بينها سوى مؤشرًا على الخواء الذي تعانيه، وعدم حسّ المسؤولية الذي من المفترض أن تتمتع به.

قد يهمك أيضا:

لبنانيون يقفون في طوابير طويلة أمام السفارات مُطالبين بالعودة إلى بلادهم

حكومة "الفوتوشوب" اللبنانية في مواجهة شعب يواجه شتى أنواع الأزمات