بيروت - لبنان اليوم
لم يترك النائب حسن فضل الله ملفًا واحدًا تفوح منه رائحة فساد إلا وفندّه بالتفصيل والأرقام والدلائل والقرائن، وكان ينقصه أن يرفق مستنداته المحوّلة إلى إخبارات وضعها في تصرّف القضاء والنيابات العامة ببعض الأسماء، التي يعرف "حزب الله" بفعل مروحة معلوماته الواسعة إسمًا إسمًا، مع العناوين وطبيعة الإرتكابات. إلا أنه لم يفصح عن إسم واحد من هذه الأسماء "لأن هذه ليست شغلتنا بل شغلت القضاء، الذي عليه أن يحاسب هذه المرّة وإلا يكون كل هذا الجهد قد ذهب هبًاء".
سبق للأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله أن فتح ملف الفساد على مصراعيه، وهو قال في إحدى إطلالاته أن الحزب ليس في وارد كشف الأسماء، لأن ذلك يُعتبر تشهيرًا، وهذا يعود أمره إلى القضاء.
ومنذ ذلك الحين لم يُفتح ملف فساد واحد ووصل إلى نهايته، لأن وراء كل فاسد فاسدًا أكبر منه، وبالتالي ليس المطلوب "التضحية" بـ"الفاسد الصغير"، الذي يمكن أن يتبدّل بواحد آخر طالما أن الرأس المخطّط والمدبرّ لا يزال حرًا وطليق اليدين، من دون أن يستطيع أحد ملاحقته ومحاسبته، لأن مثل هؤلاء موجودون أينما كان، وفي كل مجلس ومقام.
لذلك فإن ما اقدم عليه النائب فضل الله يبقى صرخة في وادٍ لن تقدّم ولن تؤخّر في شيء، وسيبقى الفاسد فاسدًا طالما أنه لا يزال مجهولًا، وهو يتمخطر ذهابًا ومجيئًا من دون أن يستطيع أحد أن يقول له "ما أحلى الكحل بعيونك".
فإذا لم تقترن أقوال فضل الله وغيره من السادة النواب بإفعال ويُزج بـ"الرؤوس الكبيرة" في السجون يبقى مجرد كلام لا يعدو كونه نوعًا من التهرّب من المسؤولية على طريقة "اللهم أني قد بلغت".
فإذا لم يستطع "حزب الله" تسمية الأشياء بإسمائها، وهو القابض على الريح، فمن من الأحزاب الأخرى تستطيع أن تقدم حيث لم يجروء الحزب على الإقدام عليه، وهكذا سنبقى ندور في حلقة مفرغة من دون أن نصل إلى أي نتيجة تذكر، وسيبقى الفاسد فاسدًا وسيبقى يعيث في الأرض فسادًا.
فمافيا الفساد هي حتى إشعار آخر متحكمة بجسم الدولة السقيم، وهي تعرف مكامن ضعفها، وتحاول أن تستغل التشابك السياسي بين مكونات الوطن لتظهر أكثر فتكًا وأكثر شراسة في تفخيخ أي إمكانية لإصلاح ذات البين، وهي لا تزال حتى إشعار آخر أقوى من أن تُهزم لأنها غير مرئية وتعمل في الخفاء ووراء الستارة وفي جنح الظلام، وموجودة في كل مكان.
كان المطلوب من "حزب الله" أو أي حزب أو تيار آخر لديه المعلومات الكافية والوافيه عن مكامن الهدر والفساد عدم الإكتفاء بالعناوين، التي يعرفها المواطن جيدًا، وهو الذي إعتاد على سماعها منذ عقود، بل يجب تسمية الأشياء بأسمائها ليستطيع القضاء أن يضع يده على ما هو ملموس، إن إستطاع، أو بالأحرى إن تركوه يعمل، وهو حتى هذه الساعة لا يزال خاضعًا للتأثيرات السياسية، وهو يسعى إلى التحرر ورفع يد السياسة عنه، من خلال ما أقدم عليه مجلس القضاء الأعلى، كخطوة أولى، حين أصرّ على تشكيلات قضائية غير مسيسة.
الفساد لا يكافح إلاّ إذا أصبح لدينا قضاء مستقل ومتحرر من الوصايات. إنه الأمل المنشود.
قد يهمك ايضا:حسن فضل الله يحقق في التحويلات المالية منذ بداية