بيروت - لبنان اليوم
لم تهدأ الأسئلة والمخاوف منذ إعلان وزارة التربية والتعليم العالي عن خطة استئناف العام الدراسي ومصير الامتحانات الرسمية. ولعلّ الهواجس تصبح مبرّرة أكثر مع ارتفاع عدد الإصابات بين المقيمين، اليوم، إلى 11 حالة، متزامنةً مع التفلت الكبير الذي نشهده في الشارع، وعدم الالتزام بضرورات الوقاية. كورونا لم ينتهِ في لبنان. حقيقةٌ يجب أن يدركها كل مواطن ومقيم، والأهم أن تدركها الدولة من خلال إتقان خطة رفع الإغلاق والخروج التدريجي من التعبئة. فمَن صادف بالأمس مشهد الجلوس في المقاهي والمطاعم وعدم الالتزام بالتباعد الاجتماعي، ومن رأى الناس يسيرون من دون كمامات في الشارع، لا بدّ له أن يفهم أكثر مخاوف الأهل التي تركتها خطة استئناف العام الدراسي في بعض بنودها. ولعلّ تصريح وزير الصحة حمد حسن عن اتجاهه إلى طلب إقفال البلد 48 ساعة في حال استمرار تسجيل إصابات، أصدق إنباءً عن الحال المتردّية التي لا نزال فيها، وهي إذا ما استمرت، تنحو صوب نسف ما أُنجز على صعيد مكافحة لبنان كورونا.
استثناء صفوف الروضة حتى الثالث إبتدائي من العودة إلى المدرسة، ومتابعة الدروس من بُعد، وما يقابله من فتح دور الحضانات في بداية شهر حزيران، بدا غير مبرر على الإطلاق، وكشف ازدواجيةً رسميةً غير مفهومة في اتخاذ القرار. فكيف نخاف على تلاميذ المدارس الصغار ونعتبر أنهم غير مؤهلين لتطبيق الشروط الصحية وإجراءات التباعد وتحمّل وضع الكمامات، في حين نتيح للأطفال الذهاب إلى الحضانات؟!
سؤال آخر يُطرح حول تلامذة صفوف ما فوق الثالث إبتدائي الذين سيعودون إلى المدارس، فكيف يعودون إلى المنزل ويعرّضون أشقاءهم وأهلهم للخطر في حال لم تُضبط الشروط الصحية في المدارس كما يجب؟ وهل ستمتلك الوزارة القدرة اللوجستية اللازمة لمراقبة تطبيق الإجراءات وتأمين التباعد المطلوب بين الطلاب في الصفوف والملاعب ووضع الطلاب المستمر للكمامات؟ وهل أجريت الدراسات النفسية اللازمة للتأكد من أثر وضع التلميذ الكمامة وقتاً طويلاً صيفاً، ومدى الاستعداد للأمر؟
ويخشى أهالٍ من عدم تطبيق الإجراءات الصحية بطريقة وافية، ومن انعدام جهوزية القاعات لاستقبال التلاميذ في الصيف في المدارس الرسمية كما في الخاصة، "كيف يضع الولد الكمامة في جوّ خانق مدة أربع ساعات متتالية؟ وكيف سيُقسِّم الإداريّون الصفوف لضمان التباعد المنصوص عنه ضمن القاعات الضيّقة؟". المشكلة الأهم هي الذعر من تفشٍّ جديد لوباء الكورونا، "ما زربنا ولادنا بالبيت، تيلقطوا الفيروس هلّق...". تعتبر ماودونا كرم سمعان، وابنتها في الصفّ النهائي، أنّ على الحكومة إنهاء العام الدراسي وإلغاء شهادة البكالوريا اللبنانية لهذه السنة تيمّناً بالقرارات المتخذة بشأن البكالوريا الدولية والبكالوريا الفرنسية. تُكمل سمعان: "تمّ قبول تلاميذ في جامعات في الخارج وعليهم السفر، لا يمكن المماطلة لإجراء الامتحانات الرسميّة؛ كلّ مدرسة تتمّمُ المناهج على طريقتها". وتضيف: "نرى يومياً أطفالاً مصابين بالكورونا في أوروبا تَظهر عليهم عوارض مرعبة. الدولة متخوّفة من المرحلة الثانية، فهل تساهم بافتعالها؟".
وتخبر كرستيان الصدّيق، أمّ لفتاتين توأمين في البريفيه وصبّي في الصف الثالث، وهي عضو في لجنة أهل مدرسة أولادها: "تلقّفنا أراء أكثرية أولياء التلامذة؛ أفادنا كثيرون أنهم لا يستطيعون إدخال أبنائهم المدارس لسببين: "الكورونا ما زال متفشّياً في لبنان ونحن عاطلون عن العمل". الخوف مفهوم، إلّا أنّ بعض الأهالي لديه رأي مغاير ويتحدث بالمثاليات المرتبطة بالتعليم. القاضي عصام الأسعد رئيس المحكمة الروحية الآشورية، أب لشاب في الثانوي الأول، يرى أنّ الفيروس عابر والمدارس عليها فتح أبوابها للصفوف الثانوية التي تؤسس للمستقبل المهني للأولاد، مع حصر التعليم بالمواد الأساسيّة وبساعات محدودة... "فإبقاؤهم في المنزل يعوّدهم على الخمول وعدم تحمّل المسؤولية"
آراء تربوية في الخطة
ويشير رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي نزيه جباوي إلى "صعوبة إعادة الطلاب الآن الى المقاعد الدراسية، مع أنهم سيقسَّمون إلى مجموعات، إلّا أن منظمة الصحة العالمية وكل الهيئات الصحية تشدّد على أهمية التباعد الاجتماعي الذي قد لا يؤمَّن بشكل صحيح". ويرى جباوي في حديث لـ"النهار" أن "متابعة التعليم من بُعد لثلاثة أيام إلى جانب الأيام الثلاثة الأخرى التي يتلقى فيها التلميذ تعليماً مباشراً، تسبب إرهاقا شديداً، في أصعب ظرف يمر به اللبنانيون اقتصادياً ونفسياً". في المقابل، يرى رئيس رابطة التعليم الأساسي حسين جواد أن "العام الدراسي استثنائي، بدأ بثورة واحتجاجات، ثم أصابته كورونا، واليوم ينتهي مع وضع اقتصادي رديء".
ومع تسجيل لبنان مزيداً من الإصابات بفيروس كورونا، ينبئ بأن الجائحة لم تنته بعد. ويزداد التخوف من عدم احترام أسس التباعد الاجتماعي في المدارس، وبالأخص في المهنيات حيث يتعرض التلميذ لاحتكاك مباشر مع الآلة ومع زملائه ومعلميه في الحصص التطبيقية. المعضلة كبيرة جداً، والأزمة ما زالت غريبة على المجتمع اللبناني نسبياً.
"الوضع مرعب"، يقول رئيس رابطة أساتذة التعليم المهني والتقني الرسمي عبد القادر الدهيبي، "التجمّع الذي تفرضه المدرسة هو الأخطر". مع بداية التباحث بحلول لاستكمال العام الدراسي، طلب وزير التربية من الرابطة تحديد مسارات يمكن أن تتّبع متى توقف انتشار الوباء. "كانت الخطة تقتضي العودة في مطلع حزيران إذا تأكدنا في الأول من أيار من عدم تسجيل أية حالات جديدة". يشارك الدهيبي، وهو مدير معهد دير عمار الفني، اعتبار الوزير "صحة التلامذة والمعلمين فوق كل شيء"، مشيراً إلى أن "كل القرارات التي ستتخذ تتعلق بكورونا، ولا يمكننا استباق الأمور، كما أنني مثلاً مدير مسؤول عن 900 تلميذ، وبالتالي لا يمكنني تعريضهم والمعلمين للخطر".
كل المؤشرات تبيّن أن القرارات المعلنة في شأن العام الدراسي لا يمكنها أن تكون نهائية بمعزل عن عدّاد إصابات كورونا اليومي وما يسجله من أرقام. كما أن استبياناً عشوائياً قامت به "النهار" لعشر عائلات لديها أولاد في المدارس، أظهر التخوف من إرسالهم إلى الصفوف في ظل الظروف الراهنة. ولا شك أن ترك بعض الاجتهادات لمدراء المدارس على صعيد التقسيم والدوامات تركَ غموضاً في الخطة التربوية وولّد المزيد من الأسئلة لدى الأهل الذين يكتوون بنار الخوف على صحة أولادهم، وعدم إكمالهم العام الدراسي، والأقساط المترتبة في آن
قد يهمك ايضا:اتحاد هيئات لجان الأهل يُلمح إلى الاستغناء عن الشهادة المتوسّطة
اتحاد هيئات لجان الأهل في المدارس الخاصة يُلمح إلى الاستغناء عن الشهادة المتوسّطة