سندات اليوروبوند

دخل لبنان رسميًا حقبة التعثّر، وباتت إصدارات "اليوروبوند" التي تبلغ قيمتها حوالى 31 مليار دولار مستحقة للدفع. وفيما تترقّب الاوساط المالية مواقف الدائنين الأجانب لمعرفة موقفهم من التفاوض أو المقاضاة، يعتبر البعض انّ الأزمة المالية العالمية التي تسبّب بها فيروس "كورونا" قد تشكّل حبل نجاة موقت للبنان، لأنّ المستثمرين الأجانب غارقون في همومهم بسبب الخسارات الفادحة التي تسبّب بها انهيار البورصات العالمية.

وفي السياق، حذّر الخبير في الأسواق المالية دان قزي من خطر دخول دائنين جدد لشراء "اليوروبوند"، بعد أن يطرحها مصدّرو الـCDS في المزاد العلني. إذ قد يشكّل هؤلاء الربع المعطّل في وجه المفاوض اللبناني خصوصًا انّ الظروف الراهنة تُعدّ الأمثل لشراء السندات مع تراجع أسعارها.

 وعمّا اذا أضحت ممتلكات الدولة مستباحة اعتبارًا من اليوم وعرضة لوضع اليد عليها من قِبل الدائنين، قال قزي "انّ القنصليات والمراكز العسكرية مستثناة مما يمكن وضع اليد عليه من قِبل حاملي السندات، انما سيحاول هؤلاء وضع اليد ربما على الذهب احتياطي مصرف لبنان وشركة طيران الشرق الأوسط. لذا اعتبارًا من اليوم بات هناك خطر من وضع اليد على هذه الممتلكات اذا تمّ رفع دعاوى في حقهم، لكن هذا لا يعني مطلقًا انّ الدائنين سيستولون عليها."

وفي السياق، كتب طوني عيسى في صحيفة "الجمهورية" تحت عنوان " النموذج الفرنسي: "قرضٌ جَبري" بدل الـ"هير كات": " في يوم واحد، دخَلَ لبنان مرحلةَ التعبئة ضد فيروس "كورونا" ومرحلةَ التعثُّر المالي، بمرور أسبوع على استحقاق 9 آذار. وهكذا، باتت الوطأة على حكومة الرئيس حسّان دياب أثقل ممّا كان متوقعًا. فهل ستثبت الحكومة قدرتها على الإنقاذ ضمن المِهلة الدولية الممنوحة لها، أي الـ100 يوم التي تنتهي أواخرَ أيار المقبل؟

من سوء الأقدار أن تعصف أزمة "كورونا" في هذه اللحظة من التحوُّل في لبنان. فهي ستساهم أولًا في زيادة الأعباء المالية والاقتصادية الملقاة على عاتق الدولة، وستؤدي إلى انشغال المسؤولين بالشأن الصحي وتأمين الحاجات الاستثنائية لمواجهة الوباء.

والأزمة الصحيّة ستفرض تحويل جزء من المساعدات التنموية التي تخصِّصها الجهات الدولية المانحة مساعدات إنسانية. كما أنّ دخول الاقتصاد العالمي في الركود، وسط تراجع أسواق المال والنفط وتباطؤ الاقتصادات، قد يخلق مناخًا عالميًا غير مؤاتٍ لتحريك أي مساعدة للبنان.

فالميل العالمي سيكون لتقديم المساعدات الإنسانية إلى الدول الأضعف، لا المساعدات المالية والتنموية. وهذا التحدّي ربما يستمرّ حتى عبور أزمة "الكورونا"، أي ضمن فترة قد تمتدُّ عامًا أو عامين.

لكن هذا لا ينفي وجود "إيجابيات" قليلة يراها الخبراء داخل هذه الأزمة المتشابكة. فتضافر الأزمتين الاقتصادية والصحية أدّى إلى تقشُّف المواطنين اضطراريًا وتراجعٍ كبير في الإنفاق. وفي ظلّ تراجع أسعار المشتقات النفطية التي تشكّل النزف الأكبر للعملات الصعبة وتثبيت أسعارها للمستهلك اللبناني، سيكون هناك وفرٌ بالدولار يخلق تحسنًا في ميزان المدفوعات.

ولكن، كل ذلك يبدو نقطة صغيرة في بحر الأزمات الآتية من بوابة الديون التي تمنَّع لبنان عن دفعها، والتي ستقوده إلى أماكن صعبة. ففيما تستعدُّ الحكومة لبدء مفاوضاتها مع الدائنين، وسط تراجع في التصنيف السيادي إلى أدنى المراتب على الإطلاق، يجهّز كثير من هؤلاء قراراتهم لمقاضاة لبنان في نيويورك.

وفي تقدير الخبراء، أنّ المقاضاة باتت أمرًا مفروغًا منه، لأنّ من غير الممكن أن تتمكّن الحكومة من إرضاء جميع الدائنين والتوافق معهم. ويعني التقاضي أنّ هناك مخاطر مؤكّدة على موجودات لبنان الخارجية، بما في ذلك ما يختزن من احتياطه من الذهب في نيويورك.

فهذه الموجودات قد تتعرَّض على الأقل للتجميد، بناءً على إشارات قضائية، إلى حين انتهاء الدعاوى والإفراج عنها، أي ربما لسنوات. وإذا حصل ذلك، سيتعرَّض لبنان لمأزق أكبر. وواقعيًا، سيجد نفسه مستفردًا وضعيفًا في مواجهةٍ ذات أبعاد عالمية متشابكة.

وثمة مَن يعتقد أن لا خروج من هذا المأزق إلّا في السياسة، أي من خلال التفاهم مع قوى دولية مؤثِّرة تقف إلى جانبه وتمتلك "الكلمة السرّ" في الإفراج عن المساعدات الحيوية. ولكن أيضًا، لا مجال للخروج منه إلّا بالاستجابة لمقتضيات الإصلاح المطلوبة. فحتى الآن، لم تبادر الحكومة إلى أي خطوة إصلاحية فعلًا.

وفي الأسابيع الأخيرة، تلقّت الحكومة رسائل جديدة من دول أوروبية عدّة، وفرنسا خصوصًا، لحضِّها على التزام شروط الإصلاح لتتمكن من تحريك المساعدات العالقة منذ مؤتمر "سيدر". لكن أي تجاوب لم يصدر عن الحكومة الجديدة، لا في استعادة الأموال المنهوبة ولا حتى في فتح تحقيقات حول الهدر والفساد وتعطيل مؤسسات الرقابة والمحاسبة والقضاء.

وفي اعتقاد بعض المتابعين، أنّ بعض القوى السياسية التي تمتلك النفوذ في الحكومة الحالية، يريدها أن تكون صمامًا واقيًا لها ضدّ الصدمات. فعندما تنتهي مهمة هذه الحكومة بإدارة عملية السقوط، سيتمّ تحميل الشعب أكلاف الإفلاس. وبعد ذلك، يغسل السياسيون أيديهم من الجريمة ويعودون إلى السلطة بنحو فاقع، ومعهم أموال المساعدات الآتية ليتصرّفوا بها ويبدأوا الشوط الجديد".

قد يهمك ايضا:الغموض يسيطر على المشهد اللبناني بعد تعليق دفع سندات "اليوروبوند" 

 قرار رئيس الحكومة حسان دياب حول تعليق دفع سندات "اليوروبوندز" مُقرَّر مُسبَقاً