بيروت ـ لبنان اليوم
يحنّ رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، إلى الرفاق في الحركة الوطنية، أو الإتحاد السوفياتي "الراحل"، حيث ما زال له في صقيع موسكو، العديد من الرفاق والأصدقاء القدامى، وهو الذي كرّمهم في المختارة، ولا سيّما من بينهم، السفير السابق في لبنان فاسيلي كولوتوشا، في حين أن الزعيم الجنبلاطي لم ينقطع عن زيارة السفير الراحل ألكسندر سولداتوف، الذي كان له بمثابة "المرشد" في بداية قيادته للحركة الوطنية وللحزب الإشتراكي بعد استشهاد والده المعلّم كمال جنبلاط.
وعليه، بعد انهيار الإتحاد السوفياتي والمعسكر الإشتراكي، بقيت هذه العلاقات الجنبلاطية ـ الروسية قائمة من خلال مهندس هذه العلاقة الدكتور حليم بوفخر الدين، ومن الطبيعي أن تفقد زخمها بعد تبدّل القيادات وخروج "الرفاق القدامى"، إلاّ أن صلة الوصل، أي نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، بقيت من الثوابت، وهو الصديق القديم للمختارة، وسبق أن زارها وأُعجب بطعم "اللبنة البلدية والصعتر".
مرّت في السنوات الماضية علاقة جنبلاط بروسيا بمطبّات وفتور، لكنها لم تنقطع، وهذه الخلافات كانت على خلفية الحرب السورية، والبعض يتذكّر لقاء سيد المختارة بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، حيث كان الخلاف جليّاً باعتبار لافروف من المتشدّدين لدعم سوريا ويومها كانت لجنبلاط مواقف نارية تجاه سوريا، مع بعض "التنقيرات" لاحقاً على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى أن انجلت هذه التباينات، وبقيت أواصر الصداقة التي تجمع بين المختارة وموسكو أعمق من هذه التباينات. وعلى هذه الخلفية، وخلال الفترة الماضية جرت اتصالات عديدة بين رئيس الحزب التقدمي وبوغدانوف، وكذلك مع وزير الخارجية الروسي لافروف، بعدما حالت الظروف دون زيارته موسكو، في ظل تفشّي جائحة كورونا التي طاولت الكثير من المسؤولين الروس ومنهم وزير الخارجية ونائبه لشؤون الشرق الأوسط.
ماذا عن هذه الزيارة؟ تشير مصادر ديبلوماسية مواكبة للدور الروسي في لبنان، إلى أن موسكو، وفي هذه المرحلة، مُستنفرة في ظل الحرب النفسية والسياسية والإستعدادات الميدانية في حال حصل أي تطور ميداني مع أوكرانيا وخصوصاً بعد زيارة وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن إلى كييف.
وهنا، تكشف المصادر، أنه، وخلال لقاءٍ لأحد المقرّبين من نائب وزير الدفاع الروسي فومين إسكندر، كان الحديث يتمحور حول الإستعدادات العسكرية لروسيا في حال اندلعت الحرب مع أوكرانيا، وخصوصاً بعد دخول واشنطن على الخطّ ودعمها للدولة الأوكرانية، وبالتالي، فإن اسكندر أكد في ما خصّ الملف اللبناني، على دعم روسيا لأمن واستقرار هذا البلد، والذي ينسحب على سوريا، بحيث تُعتبر ملعب موسكو، وترى أن الأمن المستتب في لبنان، وكذلك الوضع الإقتصادي، هو مسألة استراتيجية بالنسبة لروسيا.
واستشفّ صديق نائب وزير الدفاع الروسي، أن موسكو، وفي هذه المرحلة تحديداً، متفرّغة كلياً للأزمة الأوكرانية، وحيث الصواريخ الأميركية على حدودها، ولن تسمح بأي خرق لأراضيها، ولهذه الغاية، فإن المسائل الأخرى في الشرق الأوسط في إجازة روسية، بما في ذلك لبنان.
وبالعودة إلى زيارة جنبلاط إلى موسكو، فاللافت لقاؤه المثمر والصريح مع لافروف، وهذه العبارة عن "الصراحة" التي وردت في تغريدة جنبلاط، وبحسب المصادر المتابعة، حملت أكثر من معطى ودلالة، إذ كان هناك بحث مستفيض للوضع اللبناني برمّته، والأمر عينه للشأن السوري، وحيث يُلاحظ منذ فترة بأن رئيس التقدمي، لا يهاجم النظام السوري خلافاً لما كانت عليه مواقفه، لا بل أنه، وفي إحدى المرات قال إنه وفي أيام هذا النظام كانت الحكومات في لبنان تُشكّل سريعاً، وهنا لا يترحّم جنبلاط على الوجود السوري، إنما أبدى استياءه من التعطيل الذي بات ممنهجاً في لبنان على صعيد تشكيل الحكومات. وينقل في هذا الإطار، بأن المسؤولين الروس أعربوا لجنبلاط عن اعتزازهم باستمرار هذه العلاقة التي تجمعهم به، ومن الطبيعي أن لديهم ثوابت ومسلّمات، وتحديداً حول الملف السوري، وفي لبنان باتت صداقاتهم مغايرة عن الحقبة السوفياتية من خلال الإنفتاح على معظم المكوّنات اللبنانية، وبالتالي، فإن جنبلاط تحدّث بإسهاب عما يجري في الداخل اللبناني من تعطيلٍ للحياة السياسية والدستورية، وتقويض الإستقرار وضرب العلاقات التاريخية بين لبنان ودول الخليج عبر فائض القوة لدى البعض.
ويبقى أخيراً، أن موسكو لطالما شكّلت ضمانةً للمختارة في كل المفاصل التاريخية التي حصلت في لبنان والمنطقة، وفي هذه المرحلة، من الطبيعي أن تستمر هذه المظلة، ولكن لا يعني ذلك أن هناك دوراً سورياً لإصلاح ذات البَين بين جنبلاط ودمشق، وإن كان في السياسة كل شيء مُباح ومُتاح، على الرغم من أن سيد المختارة أحرق كل المراكب، وأكد أنه لا عودة لهذه العلاقات لا معه أو مع نجله. وبالمحصلة أن الزيارة والحفاوة التي حظي بها جنبلاط على إيقاع ثلوج وصقيع موسكو، تؤكد على متانة هذه العلاقة، على الرغم من التباينات التي تعتبر طبيعية في السياسة.
قد يهمك ايضا:
رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط أبرق إلى الرئيس الصيني مهنئًا
رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يدعو لعدم نبش الماضي