بيروت ـ لبنان اليوم
وحدها فرنسا علّقت رسميّاً على إعلان الرئيس سعد الحريري تعليقه عمله السياسي كما تعليق العمل المُماثل لـ"تيّار المستقبل" الذي أسّسه والده قبل سنوات من استشهاده في شباط 2005، والذي تسلَّم هو قيادته لمتابعة مسيرة "إعادة البناء والإعمار"، ثمّ مسيرة تحرير لبنان من وصاية سوريا كما من وجود جيشها على أرضه ومن إدارة أجهزتها الأمنيّة العمل السياسي فيه والأعمال على كلّ أنواعها بطريقة عمَّمت الفساد وجعلته قاعدة للعمل السياسي في البلاد.
كان إعلانها أو تعليقها رزيناً لا انتقاد فيه لتعليقه عمله السياسي ولا تأييد الأمر الذي كوَّن انطباعاً بأنّ فرنسا التي رعت مؤسِّس "الحريريّة" دوليّاً بعدما كانت المملكة العربيّة السعوديّة سبقتها في رعايته عربيّاً، قد خسرها وريثه السياسي لأسباب كثيرة يعرفها القاصي والداني.
أمّا الولايات المتحدة، التي شاركت فرنسا جاك شيراك في حينه في رعاية الحريري ودعمه وفي إصدار قرار مجلس الأمن 1559 وفي إخراج الجيش السوري من لبنان، والتي فتحت أبوابها لوريثه نجله سعد وحاولت مساعدته خلال السنوات الـ17 التي مارس فيها العمل السياسي في لبنان، أمّا الولايات المتحدة هذه فلم يصدر عنها موقف رسمي حتّى الآن من قرار الحريري الابن الانكفاء الموقّت ربّما عن العمل السياسي مع "المستقبل" وعائلته، وربّما لن تُصدر قريباً أيّ موقف لأنّها مشغولة بقضايا أكثر أهميّة داخلها ومع روسيا وحلف شمال الأطلسي والصين والعالم. ويعود ذلك على الأرجح إلى يأسها من الحريري. وقد عبَّر عن ذلك في جلسات خاصّة وزير خارجيّتها مايك بومبيو في أواخر أيّام إدارة الرئيس السابق ترامب. سبب اليأس إسراف الحريري في الوعود وإخفاقه في الوفاء بها ربّما لعجز منه وربّما لعدم جديّته.
لكنّ ديفيد شنكر الذي شغل موقع مساعد وزير الخارجيّة لشؤون الشرق الأوسط في ولاية ترامب، والذي عاد بعد انتهائها إلى عمله باحثاً مرموقاً في الـ"واشنطن إنستتيوت" علّق على تعليق الحريري عمله السياسي في مقالة تحليليّة صدرت عنها في الخامس والعشرين من الشهر الجاري. ماذا قال فيها؟ طبعاً لن ينشُر "الموقف هذا النهار" المقالة بكاملها. لكنّه سيُلخّص القسم الثاني منها الذي أجاب كاتبها فيه عن سؤال طرحه هو في آخر القسم الأوّل وهو الآتي: "هل سيعود الحريري إلى العمل السياسي ثانية؟"، علماً بأنّ كلمة "تعليق نشاطه السياسي" ومعه "تيّار المستقبل" وعائلته توحي أنّه موقّت.
وممّا قاله شنكر: "كثيرون في الغرب والبعض في لبنان أملوا أن يعود الحريري إلى رئاسة الحكومة مرّة أخرى بعد التخبُّط الذي عاشه وعاشه معه لبنان في السنتين الأخيرتين. لكنَّ مغادرته على هذا النحو قد تكون طويلة رغم أنّها تترك الطائفة السُنيّة في لبنان من دون قائد لها. ويبدو واضحاً أنّه لم يكن فعّالاً في حماية المصالح السنيّة حتّى عندما كان يحظى بدعم سياسي ومالي كبير من المملكة العربيّة السعوديّة، إذ استطاعت "كادرات" "#حزب الله" الحصول على نفوذٍ مكّنها من زيادة هيمنته على الدولة. كان الحريري أيضاً غير فعّال في نشر وترويج الرؤية الغربيّة للبنان رغم توجّهه الغربي. ولم يكن أبداً الإصلاحي الذي أمَلَ الكثيرون أن يكونه. وفي عهد حكومته تدهور الاقتصاد من جرّاء تطبيق الدولة اللبنانيّة سياسات Ponze Scheem. وكما السياسيّون اللبنانيّون الآتون من زوايا الأطياف الدينيّة المتنوّعة في لبنان، بالكاد كان الحريري محصّناً وصاحب مناعة في موضوع الفساد. من الاتهامات الموجّهة إليه انتشار اسمه وصلته بصفقات أعمال تتعلّق بالنفايات ومعالجتها. وقد راج ذلك بعد حملة "طلعت ريحتكم" الشعبيّة وتظاهرات الاحتجاج التي صارت في بيروت بين عامي 2015 و2016. وفي أكتوبر الماضي أدرجت إدارة الرئيس بايدن جهاد العرب، شريك الحريري كما يتردّد، على لائحة العقوبات".
أضاف شنكر: "ربّما كانت نيّة الحريري طيّبة في كلّ حكوماته لكنّه في النهاية لم يكُن زعيماً تغييريّاً للبنان. كانت سياساته وتحالفاته أيّام "ثورة الأرز" وبعدها تهدف إلى إدامة الأوضاع لا إلى التغيير، مع كلّ ما فيها من المشكلات المُنتظمة مثل الفساد وسوء الإدارة وهيمنة إيران على البلاد بواسطة وكيله الإقليمي. وهو ذكر في خطابه "الوداعي" القصير أنّ تلافي الحرب الأهليّة كان أحد أهدافه وأحد إنجازاته. لكنّ هذا الإنجاز الفعلي كان على حساب تدمير لبنان بوسائل أخرى. وهو في أيّ حال في موقع غير قابل للدفاع عنه. فهو فهم أنّه إذا عاد إلى العمل السياسي لإنقاذ لبنان فعليه تغيير مقاربته، إذ سيكون عاجزاً عن التوصُّل إلى "صفقة" أخرى مع "حزب الله"، وعن معارضة سيطرته وتحكّمه ومواجهتهما. وسيكون أيضاً في وضع لا يُدافع عنه".
أمّا عن شقيق الرئيس الحريري بهاء فكتب شنكر: "رحَّب بهاء من باريس بأخبار انسحاب سعد من العمل السياسي، ورغم محاولته ملء الفراغ بتمويل إصلاحيّين مُعادين لـ"حزب الله" يعتزمون ترشيح أنفسهم في الانتخابات النيابيّة المقبلة، فإنّه لا يبدو ميّالاً إلى الانتقال إلى بيروت ووراثة "عباءة" زعامة العائلة والطائفة. (أعلن بهاء الحريري مساء الجمعة الماضي على شاشة التلفزيون أنّه سيعود إلى لبنان لقيادة مسيرة التيّار والعائلة). في أيّ حال، إنّ حظوظ إحداث الانتخابات النيابيّة تغييراً جديّاً ومهمّاً في لبنان مشكوك فيها بسبب "حزب الله" وتوقّف عائلة الحريري عن العمل السياسي، وإن موقّتاً، ربّما يوفِّر فرصة لقيادات سنيّة أقلّ تكيّفاً مع الوصاية الإيرانيّة أو أقلّ تقبّلاً لها وأكثر ميلاً إلى الإصلاح. في النهاية وبعد سنوات من التدهور تركت لبنان على عتبة التحوُّل دولة فاشلة يبدو واضحاً أنّ النُخبة السياسيّة في بيروت ليست على قدر إحداث التغييرات المطلوبة لعكس المسار الانحداري الراهن. كان الحريري أفضل من زملاء كثيرين له لكنّه في النهاية أصبح جزءاً من زمرة "النخبة" أو النخب الفاشلة".
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
سعد الحريري وأبرز المحطات بمسيرته في الحياة السياسية اللبنانية
عزوف "تيار المستقبل" وابتعاد سعد الحريري عن الحياة السياسية يخلط الأوراق الانتخابيّة مناطقيّاً