بيروت - لبنان اليوم
تشكّل جلسة مجلس النواب التشريعية قبل ظهر الثلثاء “الموصولة” بجلسة مجلس الوزراء بعد الظهر نهاية مسلسل “مهزلة البلديات”Season 2 بعد التمديد الأوّل للمجالس البلدية والاختيارية في آذار 2022.الأفظع في المهزلة أنّ تسونامي الخراب الذي أدخل اللبنانيين منذ عام 2019 نفق الجحيم لم يدفع أهل القرار والحلّ والربط إلى أيّ تغيير في نمط تعاطيهم مع الملفّات والاستحقاقات. لا مكان للخجل. الذهنية نفسها والعقل “المؤامراتي” نفسه والدجل نفسه. تركيب طرابيش وتخطيط مشبوه يلمّ الخصوم تحت الطاولة، وتطويع للدستور والقانون بحسب “وِجهَة” الحسابات السياسية.
التواطؤ بين الحكومة ومجلس النواب لتطيير الانتخابات البلدية كان بالغ الفمق، وسيبقى العرض مستمرّاً حتى يوم الثلثاء مع إصرار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على الإيحاء بأنّه عازم حتى اللحظة الأخيرة على القيام بما يلزم لإجراء الانتخابات على قاعدة: “إذا لم يتمّ تأجيل الانتخابات البلدية صباحاً في الجلسة التشريعية يُبحث موضوع التمويل في مجلس الوزراء. أو إذا مُدّد للمجالس البلدية والاختيارية في مجلس النواب يُصبِح هذا البند بحكم الملغى”.
يتألّف جدول الأعمال المُوزّع على الوزراء لجلسة يوم الثلثاء من تسعة بنود آخرها بند طلب وزارة الداخلية تغطية نفقات الانتخابات البلدية والاختيارية في عام 2023.
ارتأى ميقاتي “دَحش” البند من ضمن حسابات “محلية” ضيّقة لـ “التَعليم” على خصومه وتحييد نفسه عن تهمة تعطيل الاستحقاق، وأخرى خارجية للإيحاء بأنّ حكومته لم تتخلَّ عن مسوؤليّاتها مع العلم، وفق المعلومات، أنّ عدداً كبيراً من الدبلوماسيين الأجانب والسفراء والزوّار الأوروبيين كانوا يتكلّمون أمام المرجعيات الرئاسية والوزارية بصيغة تشبه الأمر عن ضرورة إجراء الانتخابات البلدية في موعدها.
عمليّاً أتى إدراج بند تمويل “البلديات” على جدول أعمال مجلس الوزراء مترافقاً مع معطيَين اثنين:
– الأوّل إصرار ميقاتي طوال الأسابيع الماضية على رفض إقحام حكومته في مسألة التمويل باعتبار أنّ مجلس النواب هو المخوّل إقرار الاعتمادات، ورفض فكرة التمويل من حساب الـSDR، فيما درجت العادة أن تقرّ الحكومة تمويل الانتخابات النيابية والبلدية. الإحراج الأكبر الذي تعرّض له ميقاتي هو كشف وزير الداخلية بسام المولوي أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال وَعَده بتأمين التمويل من حقوق السحب الخاصةSDR ، موحياً بأنّ الأخير إمّا كان يناور أو عَدَلَ عن رأيه، فيما كان الفريق اللصيق برئيس الحكومة يردّد أنّ “التمويل شغل النواب ومش شغلتنا”.
– الثاني استواء “طبخة” التمديد للبلديات برشاقة كبيرة استدعت التئام هيئة مكتب المجلس بكبسة زرّ، ثمّ تحديد موعد الجلسة التشريعية مع اتفاق من دون عوائق تذكَر على بنود جدول الأعمال. تنسيق كامل بين الرئاستين الثانية والثالثة اكتمل مع ما كشف عنه موقع “أساس” قبل ثلاثة أسابيع عن توجّه التيار الوطني الحرّ إلى تغطية جلسة تطيير الانتخابات، لكن مع ذهاب العونيين أبعد من ذلك من خلال تبرّع النائب الياس بوصعب بتقديم اقتراح قانون بالتمديد للبلديات لأربعة أشهر، مُذكّراً بدور نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي في تأمين مخارج غبّ الطلب حين تدعو الحاجة إلى ذلك.
يجدر هنا التذكير بالعصيّ التي وُضعت في دواليب انعقاد الجلسة التشريعية نهاية نيسان الفائت. في تلك الجلسة التي طارت بفضل “جهود” بري-ميقاتي-باسيل، والتي تقدّم بنودها بند التمديد للّواء عبّاس إبراهيم، كان يُمكن أن تتضمّن اقتراح قانون فتح اعتماد في الموازنة العامّة لعام 2022 بقيمة 1,500 مليار ليرة لتغطية نفقات إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية الذي تقدّم به قبل أيّام قليلة النائب علي حسن خليل.
هذا البند تحديداً كان يمكن أن يُحرِج النائب جبران باسيل ويدفعه إلى المشاركة في جلسة تأمين التمويل للانتخابات، لكنّ الأخير كَسر قرار مقاطعة “تيّاره” للجلسات التشريعية عبر التوجّه إلى المشاركة يوم الثلاثاء المقبل في جلسة “تشريع الضرورة”… لتطيير الانتخابات وليس لإجرائها. هي نقطة إضافية سيسجّلها رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع على غريمه باسيل بسب إصراره على رفض المشاركة في أيّ جلسة لا يكون بندها الوحيد انتخاب رئيس للجمهورية.
المفارقة الكبرى أنّ برّي أوعز إلى مساعده النائب خليل تقديم اقتراح فتح الاعتماد المالي بعدما كان “يللي ضَرب ضَرب ويللي هَرب هَرب”، وبعدما صار التمديد أمراً واقعاً.
بالمحصّلة، التقى الجميع على الهدف نفسه: رَكل الانتخابات إلى موعد لن يتقرّر، للمفارقة، قبل أن تتّضح مؤشّرات التسوية في المنطقة وتترجَم لاحقاً بانتخاب رئيس للجمهورية ثمّ تشكيل حكومة والاتفاق على بيانها الوزاري وإجراء تعيينات ملحّة ثمّ الانصراف إلى “البلديات”. أمّا التخريجة المتوقّعة في جلسة يوم الثلاثاء فهي إقرار قانون يمدِّد للمجالس البلدية والاختيارية لعام كامل مع ربط نزاع مع الحكومة “بإجرائها الانتخابات فور جهوزها (أي في أيّ وقت)، على ألّا يتعدّى الأمر تاريخ 31 نيسان 2024 كحدّ أقصى”.
باستثناء بعض نواب قوى المعارضة والتغييريّين لم يكن هناك مصلحة لجميع الكتل السياسية الكبيرة والصغيرة في خوض الانتخابات البلديّة في ظلّ أزمة ثقة مع قواعدها وأزمة FRESH، مع رغبة جامحة لدى بعض السياسيين بالحفاظ على بعض مفاتيحهم البلدية “الدَسمة” والاستفادة من حلّ بعض البلديات، على الرغم من حساسية هذا الأمر وتأثيره على مصالح الناس، والأهمّ تجاوز حكومة ميقاتي مطبّ انتخابات بلدية بيروت الكفيلة وحدها بإعادة عقارب ساعة الحرب الأهلية إلى الوراء.
بالتأكيد قدّم وزير الداخلية لحسابات سياسية عرض Solo قافزاً فوق كلّ المعوّقات اللوجستية والبشرية والإدارية. المولوي الذي كان يؤكّد في مجالسه الخاصة أنّ هناك قراراً سياسياً بعدم إجراء الانتخابات لم يجرؤ على تسمية معرقلي عمل وزارته. تجاهل واقع أنّ إنجاز القوائم الانتخابية ودعوة الهيئات الناخبة لا يصنعان وحدهما انتخابات بلدية، كما تجاهل التنسيق مع المحافظين والإدارات المعنيّة من أجل إثبات قدرة وزارته على إجراء الانتخابات في الوقت الذي كان فيه القضاة والأساتذة والموظّفون يلوّحون بالعصيان، والمحافظون يعبّرون عن استيائهم من تجاهل الوزير لهم ولمتطلّباتهم، والقطاع العامّ في حالة شلل شبه تامّ، والمرشّحون عاجزين عن الاستحصال على الوثائق المطلوبة من دوائر النفوس ومراكز الدولة، والأهمّ عدم جهوزية الجيش وقوى الأمن للاستنفار على مدى شهر كامل.
قد يهمك ايضاً