قرية بيت صوالح في محافظة اللاذقية حولها الصراع إلى قرية أشباح
لندن ـ سليم كرم
كان السكان السوريون يعيشون في قرية بيت صوالح التي تتميز بوجودها على أحد التلال وسط الغابات والشلالات، في محافظة اللاذقية في سورية، في وئام وتناغم تام. فقد كان يقوم أبو محمد شكري، وهو رجل سني من سكان القرية، ليعمل مع جاره العلوي، وحينما يأتي الليل، كانا يدخنان الشيشة معًا، ويجلسان تحت السماء
المرصعة بالنجوم والاستماع إلى صوت الصراصير، فيما تم تدمير القرية بالكامل، بعد 21 شهرًا منذ بداية الصراع، وسط مخاوف من أن تحترق البلاد بنار الطائفية المقيتة، حيث كان السكان ضحية الحقد الطائفي الذي أشعل الحرب بين الغالبية السنية والأقلية العلوية، التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد.
واكتشفت صحيفة "صنداي تلغراف" البريطانية أن الجماعات الدينية التي كانت تعيش في سلام مع بعضها بعضًا منذ عقود في عمق محافظة اللاذقية، بدأت في الانزلاق إلى صراعات وحشية.
وقال شكري، الذي يبلغ من العمر 40 عامًا "قبل الحرب كانت لي
علاقات رائعة مع جيراني العلويين، وكنا نتعامل بحب وود، وقضيت الكثير من الوقت في منازل بعضهم".
الآن، وبعد 21 شهرًا منذ بدء الصراع في سورية، تم تدمير القرية بالكامل، وكان السكان ضحية الحقد الطائفي الذي أشعل الحرب بين الغالبية السنية والأقلية العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد.
أصبح الشارع الذي يقف فيه السيد شكري الآن عبارة عن مجموعة من المنازل المتفحمة، وتم تدمير مجموعة المحال التجارية الصغيرة، وأصبحت المصانع والمخابز في أسفل التل خاوية بلا عمال.
ثم تحول السيد شكري نفسه من عامل بناء إلى قائد للمتمردين، الذين يقاتلون الناس الذين نشأ معهم.
وأضاف "إننا نقوم بمعارك كثيرة هنا، أنا أعلم أنني قتلت بعض الرجال من المعسكر الآخر، وأعتقد أن بعضهم كانوا من أصدقائي".توضح القصة الحزينة لخلق الحرب توترًا في العلاقات بين العلويينوالسنة في هذه القرية، الضرر الذي سببه هذا الصراع في سورية ككل، بل التهديد الطائفي الذي تشكله على المنطقة أيضًا فر معظم سكان القرية العلويين الآن إلى محافظة اللاذقية التي تبعد 20 ميلاً على الطريق، والتي يوجد فيها الميناء المطل على البحرالمتوسط،والذي يمكن أن يكون في نهاية المطاف السبيل الوحيد لهرب الرئيس بشار الأسد إذا ما تم خلعه وقواته من دمشق. ولاتزال هذه المليشيات السنية تحرق منازل الجيران، وتستهدفهم القناصة من بعيد
واجتاحت القرى المجاورة معارك مماثلة، وسقطت بالفعل في أيدي السنة، لتعلن عن نهاية الحكم العلوي في هذا الجزء من محافظة اللاذقية.
وكانت صحيفة "صنداي تلغراف" واحدة من أوائل الصحف الغربيةالتي قامت بزيارة المنطقة، والتي كان من الصعب الوصول إليها حتى وقت قريب، عندما كانت لا تزال في يد الحكومة.
وأثناء جولة في ما تبقى من قرية بيت صوالح، قال السيد شكري "إن التوترات التي نشبت خلال احتجاجات العام الماضي المناهضة للحكومة، والتي قادها السكان من أهل السنة، كانت فرصة للشكوى من التمييز الطائفي".
وقال: "لقد كان دائمًا يتم التعامل معنا كمواطنين من الدرجة الثانية، بينما منحت الحكومة امتيازات خاصة كثيرة لبعض الأسر العلوية، لذلك بدأنا كتابة رسائل ضد الحكومة على جدران القرية، وتشويه وحرق صور للرئيس".
وقال السيد شكري مرددًا شكوى شائعة بين المجتمعات السنية في سورية، بأنه يتم السماح للعلويين بتملك الأراضي بسهولة أكثر من السنة، وأنه كان من الصعب النجاح في الأعمال التجارية دون وجود شريك بارز من العلويين.
ومع ذلك، ضربت الاحتجاجات على وتر حساس بالنسبة إلى السكان العلويين، الذين يمثلون الأقلية في سورية، حيث نرى أنهم مرتبطون جوهريًا من ناحية الحقوق والامتيازات بالرئيس العلوي.
وقال السيد شكري، "عندما بدأت الاضطرابات شعر الكثير من القرويين العلويين بالتهديد"، مشيرا إلى أن التليفزيون الحكومي السوري لم يفعل شيئًا يذكر لطمأنتهم.
وأضاف "لقد استمع جميع العلويين إلى التليفزيون الحكومي الذي قال لهم إن أهل السنة هم قتلة متعطشون للدماء، وسوف يقتلون كل واحد منهم، وبدأ بعضهم في الاعتقاد أنه إذا رحل الأسد، فسوف يتم القضاء عليهم أيضًا".
إذا رحل الأسد، لن يكون المقام الأول للعلويين في الحياة السياسية، فقد قاموا في الأصل بوضع حزام جبلي يعزل اللاذقية عن سورية، حيث كان ينظر للعلويين على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية في العصر العثماني، يصلحون للوظائف الوضيعة.
ثم اختارهم الاستعمار الفرنسي لصلابتهم، وقاموا بالانضمام إليه كوحدة عسكرية في أوائل القرن العشرين، وعندما صعد والد بشار الأسد، حافظ الأسد إلى السلطة في العام 1970، شعروا بأن وقتهم قد حان أخيرًا للانضمام إلى معسكر السياسة.
وزادت تلك القوة الموحدة بعد تحالفهم مع آيات الله والشيعة في إيران بعد الثورة، الذين كانوا على استعداد للتغاضي عن تحرر العلويين"الاجتماعي حيث إنهم يشربون الكحول، ولا يطالبون بنقاب النساء، مقابل موطئ قدم إستراتيجي في المنطقة .
لم تتمكن صحيفة "صنداي تلغراف" من التحقق بشكل مستقل من أقوال السيد شكري عن تطور الأحداث، حيث قال زوجان ينتميان إلى الطائفة العلوية في قرية أخرى، إن بعض المتمردين المحليين تصرفوا بشكل لائق، والبعض الآخر قام بنهب بيوتهم وخطف أولادهم، كما قال أحد المتمردين من أهل السنة الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، إن بعض عمليات الإعدام تمت بدوافع طائفية ضد السكان العلويين.
وقال شكري: "أصبنا بالإحباط لأن أصدقاءنا العلويين فعلوا كل ما في وسعهم للسيطرة الكاملة على هذه القرية عندما اندلعت الثورة، حيث قاموا بدعوة قوات الامن التابعة للحكومة، وأحضروا عشر سيارات كاملة من رجال الأمن لحماية منازلهم"، مشيرًا إلى أنهم قاموا بإنشاء وحدة تفتيش عند مفترق الطرق في وسط القرية، والذي يؤدي إلى الطريق السريع إلى اللاذقية، وأضاف: "وهذا شعور سيئ عندما يفقد أصدقاؤك الثقة فيك، فقد أرسلوا الشرطة السرية إلى بيوتنا للبحث عن الأسلحة. ثم بعد فترة قصيرة أصبح القرويون المدنيون جواسيس للحكومة. واقتحموا منازلنا، وأخذوا كل من كان يتحدث ضد الحكومة".
وبعد انتشار شعور بعدم الأمان، قرر السيد شكري وزوجته وأولاده الأربعة أن الوقت قد حان للرحيل. وأضاف: "نحن لا يمكن أن نمر من خلال نقاط التفتيش الحكومية، لأننا كنا نخشى من الاعتقال، لذلك رحلنا عبر التلال. واختبأنا في الغابات، ثم في النهاية تمتهريبنا عبر الحدود إلى تركيا. في غضون عشرة أيام لم يكن هناك عائلات سنية في القرية".
ولكن بعد ذلك، قمنا بالتعاون مع شبان آخرين، وأقمنا معسكرًا في الجبال، حيث بدأت الاستعدادات للهجوم على القرية، وزيادة ترسانة التسليح من بنادق الصيد القديمة، مع بنادق كلاشينكوف قمنا بشرائها من السوق السوداء.
بعد ذلك شن المتمردون هجومًا استمر أيامًا عدة على القرية واضاف شكري :"لقد صعدنا على أسقف المنازل، وأطلقنا النار على ذلك البيت الذي يملكه شخص علوي، وفتحه للجنود لاستخدامه كقاعدة لمحاربتنا"، مشيرًا إلى أن المبنى كان على بعد أقل من 100 متر، وتمت تغطية الجدار بثقوب الرصاص.
يذكر أن الصراع في سورية يقترب من عامه الثاني، ووصل عدد القتلى بالفعل إلى 45 ألف شخص. لذلك هناك مخاوف من أن تصبح قصة هذه القرية قريبًا قصة سورية كلها.
ومن ناحية أخرى، وصل مبعوث السلام السوري لدى الأمم المتحدة، الأخضر الإبراهيمي، إلى موسكو، السبت، بعد محادثات مطولة مع الرئيس الأسد في دمشق، كجزء من حملة لتوجيه البلاد نحو حل تفاوضي. ورفضت المعارضة السورية بشكل قاطع مايعتقد أن يكون الاقتراح الوسطي الذي يعمل عليه الإبراهيمي، والذي من شأنه أن يسمح للرئيس بالبقاء في السلطة حتى نهاية فترةولايته الطبيعية في العام 2014.
وفي الوقت نفسه، وضع الكثير من العلويين في سورية علامات "للبيع" خارج منازلهم في دمشق وغيرها من المراكز الحضرية الكبرى، وقاموا ببناء ملاجئ فوق الجبال إلى جانب محافظة اللاذقية، خشية من أن يأتي يوم لتكون تلك الملاجئ هي حمايتهم فقط ضد غضب التمرد السني.