بيروت ـ جورج شاهين أعلن رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي استقالة حكومته، ليلة الجمعة، رفضًا منه لعدم التمديد للواء أشرف ريفي في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، بعدما رفض وزراء "8 آذار" ذلك، وتعثر تشكيل الهيئة المكلفة بالإشراف على الانتخابات النيابية المقبلة، المقررة في 9 حزيران/يونيو المقبل. جاء ذلك عقب جلسة مجلس الوزراء التي انتهت إلى تعليق رئيس الجمهورية عقد جلسات الحكومة في قصر بعبدا، ما لم يكن أول بند على جدول الأعمال يتصل بتشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات.
وتعترف المراجع الحكومية والرسمية، عبر "العرب اليوم"، أن "البلاد دخلت مرحلة الفراغ الدستوري ليس على المستوى الحكومي، ذلك أنه يمكنها تصريف الأعمال إلى ما لا نهاية، لكن المسافة القصيرة عن الانتخابات النيابية المقبلة قد تؤدي إلى فتح الباب على المجهول، حال لم تجرى في مواعيدها، فيحل الفراغ في المجلس النيابي بعد الحكومي، وكل ذلك يجري على وقع الخلافات التي تعصف بالتعيينات على المواقع الأمنية، فاليوم دور اللواء ريفي، وفي الخامس من شهر نيسان/أبريل المقبل دور مدير المخابرات العميد أدمون فاضل، وفي أيلول/ سبتمبر المقبل دور قائد الجيش العماد جان قهوجي في إحالتهم إلى التقاعد.
وقال الرئيس ميقاتي في بيان الاستقالة الذي أذاعه مباشرة من القصر الحكومي، مقر حكومته، على الهواء، قرابة الساعة التاسعة من ليل الجمعة "أيها اللبنانيون، أيتها اللبنانيات، أتوجه اليكم اليوم كمسؤول وكأخ لكم جميعًا على مختلف مشاربكم وأهوائكم، متوسلاً من كلمتي هذه أن ترسم للبنان واقعًا أفضل في وحدته وأمنه واقتصاده ومحبة أبنائه لبعضهم البعض، أتوجه إليكم وقد انتهينا من إقرار إنجاز انتظره اللبنانيون طويلاً، هو سلسلة الرتب والرواتب، التي أحيلت إلى مجلس النواب منصفة الموظفين، الذين يشكلون العمود الفقري لإدارة الدولة، دون أن يتأثر اقتصادنا الوطني سلبًا، وقدمنا نموذجًا للإصلاح المرتجى، أتوجه إليكم ومدينتي التي أحب،  تنزف دمًا وتودّع الشهداء وتئن مع أنين الأمهات الثكالى، مدينتي التي أضحي من أجلها بروحي، فهي منطلقي ومثواي الأخير، والتي لا أرغب إلا أن أراها في طليعة المدن على امتداد وطني الصغير وباقي الأوطان، منذ اللحظة التي امتشقت فيها سيف العمل العام، قررت مبارزة الأفق المسدود، وحاولت اختراق كل الأزمات، ورصد كل الحلول، وتلمس النهايات الواعدة، لم أتردد لحظة في التضحية والتحّمل، حفاظًا على أركان الوطن ورموز الدولة، وسيادة الحق العام، خلال مسيرتي آليت على نفسي ألا أتوقف عند حملات التجني والتجريح التي طاولتني، وغلّبت الصبر والحكمة والتأني ورباطة الجاش، وبذلت كل جهد بغية الحفاظ على وطني الحر وشعبه الشجاع.    
أيها اللبنانيون، أيتها اللبنانيات،
اليوم أيقنت، ونحن نبحث في مجلس الوزراء موضوع إجراء الانتخابات النيابية، أن التجديد لضخ الدم في الحياة السياسية والبرلمانية اللبنانية واجب وطني، وأن وقف الضخ هذا يؤدي إلى شلل في البلاد، وتعطيل للمؤسسة الأم، من هنا فأنا مع إقرار قانون للانتخابات بالصورة التي يتوافق عليها اللبنانيون، ومع إجراء الانتخابات في موعدها، مهما كانت الظروف، لكنني كنت ولا أزال ضد قانون للانتخابات يلغي رسالة لبنان، ومفهوم العيش الواحد بين جميع أبنائه، أما وأن قانونًا جديدًا للانتخابات لن يقر، على ما يبدو، ضمن المهل التي تسمح بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وأن هيئة الإشراف على الانتخابات تم الحؤول دون تشكيلها في مجلس الوزراء، على الأقل كإعلان حسن نوايا، لضمان إجراء الانتخابات،
كما أنه خلال أيام قليلة ستدخل مؤسسة أمنية كبرى في الفراغ، نتيجة إحالة مديرها العام على التقاعد، فقد وجدت أن من الضروري في هذه المرحلة الدقيقة استمراره في مهامه، لأن في ذلك واجبًا وطنيًا تفرضه ضرورة حماية المؤسسة، التي شكلت ملاذًا آمنًا للبنانيين، ولمست اليوم أيضًا أن ثمة توجهًا في مجلس الوزراء لعدم التجاوب مع هذا الأمر، ونتيجة لكل ما سبق فأني أجد نفسي مضطرًا لاتخاذ الموقف الذي يحكمني ضميري باتخاذه، إفساحًا للمجال أمام العودة إلى الحوار، الذي يرعاه فخامة رئيس الجمهورية، والذي لا بديل عنه ولا مفر منه، إذ لا سبيل لخلاص لبنان وحمايته إلا من خلال هذا الحوار، وإفساحًا في المجال لتشكيل حكومة إنقاذية، تتمثل فيها كل القوى السياسية اللبنانية، لتتحمل مسؤولية إنقاذ الوطن، بما يكفل إطفاء الحرائق، ومواكبة الأحداث الإقليمية بروح عالية من المسؤولية الجماعية.
أحبائي،
لقد كانت المعاناة كبيرة، وكانت مقاربة المسائل الدقيقة في مجلس الوزراء وخارجه موضع تشكيك حينًا، ومكابرة أحيانًا، وتجاهلاً للواقع اللبناني، الذي يدعو إلى التوافق في كل النقاط الحساسة أكثر الأحيان، وقد سعيت قدر استطاعتي إلى حفظ لبنان، والنأي به عن الأعاصير العاتية والبراكين الثائرة، حفظًا لتوازن آمنت به، توازن يحفظ المعارض قبل الموالي، وقد طبقته قولاً وفعلاً، ما أتاح للبنان الحفاظ على الاحترام الدولي، والتفاعل الإيجابي في المحافل العربية والدولية، وأبقيت قنوات التواصل مفتوحة مع  كل المكونات السياسية اللبنانية، متجاوزًا حملات التجني، لأن الوطن هو الأهم، هو الأغلى، هو الأحب، وهو الذي استحق تضحيات الآباء والأجداد ويستحق منا كل التضحية.
أيها اللبنانيون، أيتها اللبنانيات،
لقد راودتني الاستقالة مرتين، مرة حين عقدت العزم على تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ومرة لحظة استشهاد اللواء وسام الحسن، وفي المرتين اقتضت مصلحة لبنان علينا الاستمرار في تحّمل المسؤولية، التي تنوء عن حملها الجبال، فالمنطقة تنحدر نحو المجهول، والحرائق الإقليمية تصيبنا بحممها، والانقسامات الداخلية تترك جراحًا عميقة، والضغوط الاقتصادية والحياتية تتزايد من كل حدب وصوب.
أما اليوم فإني أعلن استقالة الحكومة، علها تشكل مدخلاً وحيدًا لتتحمل الكتل السياسية الأساسية في لبنان مسؤوليتها، وتعود إلى التلاقي من أجل إخراج لبنان من نفق المجهول.
إنني، إذ أتقدم بالشكر من فخامة رئيس الجمهورية، ومن دولة رئيس مجلس النواب، ومن النائب وليد جنبلاط، ومن كل القوى السياسية التي تعاضدت معي في هذه المسيرة، وفي مقدمها المكونات الأساسية الفاعلة في هذه الحكومة، والتي تشرفت بالتعاون معها، وكانت لي خير داعم ومساند، ومن كل النواب الذين منحوني ثقتهم، وأتوجه إلى اللبنانيين جميعًا بالعرفان، لأن عقلهم الباطني كان يدرك أن كل ما قمت به إنما كان من أجل مصلحة وطننا جميعًا لبنان.
أيها اللبنانيون، أيتها اللبنانيات،
رغم أجواء القلق والخشية على المصير، والألم الذي يعتصر قلبي، فإن بريق الأمل يلوح في عقلي وقلبي ووجداني، لأننا بتكافلنا وتضامننا نستطيع انتشال وطننا من على ضفاف الفتنة.  
إن شعبًا كشعبي هو أقوى وأقدر،
إن أرضًا كأرضي أعصى من أن تتحول ركامًا،
إن سماء كسمائي ستصفى وتزهو بأرزة ترفرف في وسط علم لن ينكسر،
أنا هنا باق إلى جانبكم أيا كانت المواقع، ومهما بعدت المناصب
ويبقى الوطن رغم كل الأنواء.
حفظ الله لبنان وحما اللبنانيين جميعًا.