القاهرة - لبنان اليوم
للموسيقى طاقة هائلة في حياة أي فنان، فمنهم من يجعلها محفزاً على الإبداع، وهو يستمع إليها، ومنهم من يعتبرها عنصراً من عناصر إبداعاته الفنية، ومن هؤلاء الفنان التشكيلي المصري أشرف إبراهيم، الذي استلهم من النوتة التي يضعها العازفون أمامهم في الحفلات أفكار أكثر من مائة وأربعين لوحة تشكيلية، جمعها في كتاب جديد عنوانه «خيال الموسيقى» صادر عن «دار سفنكس» المصرية، ويضم نصوصاً نثرية، قبل أن يتعاون مع الفنان علاء هارون، في تحويل هذه اللوحات إلى أفلام رسوم متحركة.
واستلهم إبراهيم فكرة لوحاته من حضوره المكثف للبروفات والحفلات الموسيقية، ويقول لـ«الشرق الأوسط»، «بينما كنت أتواجد في تلك الحفلات للاستماع والمتعة، فجأة وجدت نفسي أرسم أثناء البروفات، وعقب كل حفلة كنت أجمع النوت الموسيقية التي يستعين بها العازفون في تقديم مقطوعاتهم، وهي أوراق عادة ما يتم التخلص منها عقب كل حفل، قلت لهم إنها كنز بالنسبة لي، ورحت أرسم عليها، كان همي كله أن أضع الموسيقى التي سمعتها في لوحات تعبر عن روحي وكيف أرى ما سمعت».
وسعى إبراهيم للتعبير بصرياً عن الموسيقى، متأثراً بفكرة روح الموسيقى نفسها متسائلاً: من أين تأتي تلك الروح، هل تكمن في الموسيقيين أنفسهم؟ أم في اللحن؟ أم في الآلة التي تنتج الموسيقى؟ في ظني أنها ربما تكمن في كل هؤلاء. كما لو كانوا يخدمون فكرة جسد الموسيقى، فكان تركيزي على الآلة الموسيقية نفسها كمحفز لإنتاج هذا الكتاب.
قام إبراهيم بالعمل على النوتة الموسيقية كنص بصري يعادل النص السمعي الذي كان يسري في أذنيه، لم يسع إبراهيم لتفسير النص الموسيقي أو إعطاء صورة للعلامات الموسيقية التي تتشكل منها النوتة، وإنما ظل في المسافة بين النص السمعي الذي كتبه الملحنون والنص البصري الذي أنتجه كمحاولة للتحاور بين الموسيقى والرسم.
أما فكرة استخدام اللوحات في إنتاج عدد من الأفلام المتحركة لا يتجاوز مدة كل منها دقيقتين ونصف الدقيقة، فقد جاءت في مرحلة تالية، بحسب إبراهيم، الذي يشير إلى أن «أشكال ومنحنيات وخطوط الآلات الموسيقية مغرية جداً لأي فنان تشكيلي، كما أن الآلة الموسيقية تصنع شيئاً خاصاً للعمل الموسيقي ذاته؛ ولأن الموسيقى مرتبطة بالآلة الموسيقية، كالتصاق
الجسد بالروح، فقد جعلني هذا أنغمس بفكرة ظلال الأجسام التي لها أرواح، والجسد المادي الذي تنبع منه الظلال، كما دفعي هذا أيضاً للتساؤل كيف يمكن أن تبدو ظلال الموسيقى أو خيالها؟». وأضاف «عندما كنت أرسم تلك الصور كانت الخطوط المتتابعة بمثابة تكوين للحن أو ارتجال موسيقي لحظي مباشر ممتلئ بالمشاعر التي تكون الصورة بالطريقة نفسها التي يبني بها الموسيقي نوتته، فتتحول إلى تعبير شخصي أو رؤية شخصية للجمال، وهذا يعني أن التحدي الذي واجه إبراهيم وهو يعمل بألوانه فوق الأوراق، كان يكمن في التعبير عن
الظلال المتغيرة ظاهرياً بطريقة بصرية، وقد سعى لتجسيد الروح التي تعبر عما يشعر به عندما استمع للموسيقى. يقول إبراهيم «لعبت بالألوان، والكتلة والفراغ، والظل والنور، والنقطة والخط، والقيم البصرية الأخرى للفنون البصرية، ومع ذلك لن تجد حرفاً موسيقياً واحداً أو علامة موسيقية واحدة؛ لأنني لا أفهم اللغة المكتوبة للموسيقى التي ألهمتني، لكنني أشعر بكل تأثيرها على طول الوقت». ورغم خصوبة خيال الموسيقى وظلالها المركبة، أبرز إبراهيم في كل لوحاته قيمة الخط كمحرك بصري أساسي للعين في رحلتها على الصفحة البيضاء، وبنى به خيال الموسيقى وفق رؤيته، كحالة صوفية بين نقاء الأبيض وقوة الأسود، وحوارات الخط مع الخط ليبني عالمه الخاص.
قد يهمك ايضا:
الأساتذة المتعاقدون يطالبون بإصدار تعميم واضح وصريح بشأن احتساب ساعات التعاقد