بيروت-لبنان اليوم
بنحو طن من الزجاج والإسمنت والحديد صنعت الفنانة التشكيلية حياة ناظر تمثالا لبيروت ليكون بمثابة ذكرى لانفجار المرفأ في 4 أغسطس (آب) الفائت. رفع التمثال في وسط بيروت مقابل المرفأ قرب نصب المغتربين في منطقة الصيفي ليكون شاهدا حيا لما عانته المدينة من جراء الحادثة.يجسد التمثال امرأة صلبة مشبعة بالعنفوان تحمل شعلة وهي تتقدم نحو الأمام ضمن فكرة مجازية تؤكد فيها أن «ست الدنيا» لا تموت. وتقول حياة ناظر في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «بالفعل، بيروت لا تموت. لأنها بمثابة روح تبقى تنبض بالحياة مهما بلغت بها المعاصي». وتضيف: «لقد جلت الكرة الأرضية وزرت أميركا وكوستاريكا وفرنسا والصين وغيرها ولم تر عيني مثل مدينتي. فبإمكانك أن تجد فيها كل ما يمكن أن يميز أي عاصمة أخرى لأنها متعددة الوجوه، وهذه هي الروح التي أتحدث عنها».
كانت حياة ابنة مدينة طرابلس الفيحاء قد بدأت في صناعة هذا التمثال من قبل لتزين به منزلها. ولكن عندما حصل انفجار المرفأ في 4 أغسطس الفائت وشاهدت الحطام والركام في بيروت وشوارعها قررت أن تحوله إلى تحية فنية. وتقول في معرض حديثها: «لقد ترجمت فيه أحاسيسي ومشاعري التي دفنتها في أعماقي بادئ ذي بدء رافضة تقبل واقع هزني في الصميم. وقررت أن أنفذ هذا النصب لينقل حقيقة عاصمتي.فلا يكون مجرد امرأة جميلة وأغض النظر عن الجراح التي أصابتها، أو أن يكون ذكرى هزيمة تلقتها بيروت فشلتها. ركزت على قدميها التي تتقدم واحدتها الأخرى وكأنها تمشي. كما لم أصورها تعبة أو محبطة ولا حتى ترفع وجهها نحو الأعلى غير مبالية بما جرى لها. قدمتها منحنية الظهر قليلا لأن حملها ثقيل صاحبة وجه مستقيم تنظر بعينيها الثاقبتين إلى الأمام من أجل غد أفضل».
لم تنس حياة ناظر أي تفصيل أنثوي يمكنه أن يحيي الأمل عند مشاهد تمثال بيروت المرأة. فصنعت من أسلاك حديدية شعر رأسها المتطاير وكأنها تنطلق بثبات. وألبستها زيا نسائيا خفيفا تقف فيه على أرضية حمراء ترمز إلى دماء الشهداء وضحايا الانفجار. وتعلق: «معظم المواد التي استخدمتها في صناعة هذا التمثال لملمتها من أحياء وشوارع بيروت المحطمة. فأمضيت أياما في شوارع الكرنتينا ومار مخايل والجميزة أبحث بين بقايا بيوت مهدمة. وحملت كل ما استطعت إيجاده من حطام زجاج وحديد وإسمنت وأسلاك كهربائية وغيرها لتؤلف نسيج المادة المنحوتة. حتى ساعة الحائط المرفقة مع التمثال من الناحية السفلى له وجدتها مرمية في أحد شوارع مار مخايل المنكوبة وقد توقفت عقاربها عند لحظة الانفجار أي في السادسة وثماني دقائق».استغرقت صناعة التمثال نحو شهرين، ونفذته ناظر بتأنٍ ودقة وهي تفكر في تكبير حجمه ليصبح شبيها بتمثال الحرية في أميركا.
«هم أيضا صنعوا تمثال الحرية بحجم صغير بداية. وبعد جمعهم مبلغا من المال من خلال تبرعات قدمها كل من أعجب بالتمثال استطاعوا تحويله إلى نصب تذكاري يرمز إلى أميركا. وأنا شخصيا أطمح لتطوير الفكرة في لبنان وأجمع التبرعات في هذا الصدد. برأيي من الضروري أن نرفع تمثالا لبيروت كتحية لها إثر الانفجار الذي تعرضت له».مع كل الحماس الذي تبديه حياة للتمثال إلا أنها تشعر بالخوف عليه ومن امتداد يد التخريب إليه. وتقول: «بالفعل أخاف كثيرا على هذا التمثال من أيادي المخربين كما فعلوا تماما بنصب «طائر الفينيق» وسط بيروت الذي صنعته إبان اندلاع الثورة. فلقد جرى تحطيمه وهو أمر أحزنني كثيرا، ولا أرغب في أن ينكسر قلبي مرة جديدة مع التمثال الزجاجي. وهنا أريد أن أوجه نداء لكل من يستطيع الإسهام في حماية تمثال المرأة بيروت من المسؤولين السياسيين والأمنيين بأن لا يتلكأ عن ذلك».
حتى اليوم لم تطلق ناظر اسما على التمثال. فهي ترغب في أن تتشارك بذلك مع جميع اللبنانيين. فتركت مساحة افتراضية لذلك عبر حسابها على موقع إنستغرام (hayat_nazer_v). «أتمنى على اللبنانيين من مختلف المناطق أن يشاركوني في اختيار اسم لهذا التمثال. فهناك اقتراحات كثيرة تلقيتها بهذا الشأن وتدور بين أسماء «بيروت» و«من الدمار» و«تمثال الحرية اللبنانية» وغيرها.وأنتظر بعد أن تطول هذه اللائحة وتحتوي على أسماء ترضي شريحة كبيرة من اللبنانيين، كي أتخذ قرارا بذلك».
قد يهمك ايضا
مارتن آميس يكشف عن الشيء الذي يخطفه الزمن من الكُتّاب في "القصة الداخلية"
مُؤسّسة "سيدة الأرض" تُعلن عن تحضيراتها المُكثّفة لتكريم شخصية العام