بيروت _ لبنان اليوم
الأضرار الفادحة التي أصابت العاصمة اللبنانية بُعيد انفجار 4 أغسطس (آب) الفائت طالت معالم ومواقع تراثية كثيرة تتوزع على أحيائها. ويعد متحف «سرسق» في منطقة الأشرفية واحداً من رموز بيروت المعروفة، والذي نال نصيبه من قوة الانفجار. فإلى جانب طوابقه الستة (4 منها سفلية) وواجهاته الزجاجية الملونة، أتى الانفجار على بعض ديكوراته الخشبية وجدرانه وأسقفه من الجص المشغول وعلى عدد من مقتنياته. يومها أُعلن عن تضرر نحو 50 عملاً فنياً من أعمال زيتية وورقية ومنحوتات. وأهمها واحد بريشة الفنان الهولندي الشهير كيس فان دانغن لصاحب القصر نقولا «سرسق».اليوم تمد فرنسا يد المساعدة للمتحف وتعلن عن توقيع اتفاقية بين وزارة الثقافة الفرنسية وبينه، من أجل إعادة تأهيل الطابق الأول التاريخي للمتحف واللوحات المتضررة فيه.
وبذلك بلغت قيمة المساعدة المالية التي قدمتها فرنسا نحو 500 ألف يورو. ويرافق هذا الدعم مساهمات من كثير من الجهات الثقافية الفرنسية، كمعهد التراث الوطني الفرنسي ومركز جورج بومبيدو. كما التزمت شركة «سان غوبان» الفرنسية أيضاً بتوفير كل الزجاج اللازم لإصلاح النوافذ والواجهات الزجاجية الملونة بالإضافة إلى مواد إعادة إعمار.وفي مؤتمر صحافي دعا إليه المتحف جرى إطلاق هذه المبادرة بحضور السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو، ووزير الثقافة الأسبق طارق متري، رئيس لجنة المتحف حالياً. كما شارك في المؤتمر زينة عريضة، مديرة متحف «سرسق».
وأشارت السفيرة الفرنسية في كلمتها خلال المؤتمر إلى أن فرنسا أسهمت بُعيد انفجار أغسطس في إعادة إعمار مستشفيات ومدارس ومعالم ثقافية عدة. وأن فرنسا وتكريماً منها لتاريخ لبنان الثقافي قررت القيام بهذه المبادرة. وأكدت أن هذا المشروع بمثابة تعبير عن تضامن الفرنسيين مع لبنان، شعباً ودولة. ومما جاء في كلمتها: «هذه المساعدة تشهد على إرادة الفرنسيين العمل بشكل حسي لإعادة إحياء القطاع الثقافي من خلال تحرك جهات رسمية وشركات ومؤسسات خاصة فرنسية. كما أن المواطنين الفرنسيين أظهروا اندفاعاً في هذا الموضوع من خلال مساهمتهم السخية في كثير من صناديق التضامن مع الثقافة، والتي هي جزء من عمل شامل يجري تنفيذه منذ ستة أشهر». وأشارت السفيرة الفرنسية إلى أن زيارة الرئيس ماكرون للبنان إثر الانفجار واطّلاعه على الأضرار الكبيرة التي طالت العاصمة أسهمت في تسريع هذه المبادرات وتفعيلها على الأرض. وأعلنت خلال المؤتمر عن مبادرة أخرى يجري العمل عليها وتحمل عنوان «نفس» والتي من شأنها أن تساعد 100 فنان لبناني، تأذوا بشكل مباشر من الانفجار وتوقفت إنتاجاتهم منذ عدة أشهر. وتعد هذه المبادرة الأولى من نوعها، التي تقْدم عليها فرنسا في إطار المساعدات الطارئة بالتعاون مع نحو 40 مؤسسة فرنسية مضيفة.
وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكّد الوزير السابق طارق متري أن مبادرة الفرنسيين لإعادة إعمار متحف «سرسق» هي عربون صداقة كبيرة بين لبنان وفرنسا. ويضيف: «عدة جهات رسمية وخاصة تحركت من أجل التضامن مع لبنان الثقافة. فبعد انفجار 4 أغسطس، شبكة من صداقات فردية ورسمية ومؤسسات مدّت لنا يد العون». ويوضح في سياق حديثه: «جميع المشاركين من يد عاملة هم أشخاص لبنانيون من مهندسين ومشرفين على الورش الإعمارية. ونتأمل أن تعود المشهدية العامة لمتحف (سرسق) تماماً كما كانت عليه قبل الانفجار، ونحتفل بإنهاء لمساتها الترميمية في الخريف المقبل».وعما إذا كانت هناك من فكرة لإقامة نصب تذكاري يرتبط بحادثة الانفجار يقول: «في الحقيقة لم نفكر بعد في هذا الموضوع، ولكني شخصياً ارتأيت أن نضغط الحديد المكسور والمكدس على مدخل المتحف ونحوّله إلى نصب تذكاري يرمز إلى تمسكنا بالحياة مهما بلغت بنا المصاعب».
ورأت مديرة متحف «سرسق» زينة عريضة، أن «تكلفة إعادة إعمار المتحف تبلغ نحو 3 ملايين دولار تم حتى الآن جمع نصفها أسهمت بها فرنسا ومؤسسة (أليف Aliph) السويسرية لإنقاذ التراث، إضافةً إلى مساعدات تلقيناها من أفراد بلغت نحو 300 ألف دولار». وعن الخطوات المستقبلية التي ستُتّبع من أجل ترميم باقي طوابق المتحف، توضح عريضة في سياق حديثها: «هناك، إضافة إلى فرنسا التي تكفلت بترميم الطابق الأول من المتحف، إيطاليا و(يونيسكو)، هاتان الجهتان ستسهمان أيضاً، مما سيغطي كامل التكلفة المرتقبة». وعمّا إذا كان متحف «سرسق» سيبقى غائباً عن أي نشاط ثقافي طيلة مدة ترميمه تقول لـ«الشرق الأوسط»: «لن يتوقف قلب متحف (سرسق) عن النبض. ولذلك نعمل على مجموعة نشاطات ثقافية نبدأها في أبريل (نيسان) المقبل. ومن بين هذه النشاطات إعادة فتح المطعم الخاص بالمتحف، وكذلك عرض أفلام سينمائية في الباحة الخارجية للمتحف، كما نرغب في إقامة نشاطات أخرى في الأوديتوريوم وأخرى خاصة بالأطفال، في حال أسهم وضع الوباء والحد من انتشاره في ذلك».وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا عملت على مساعدة عدة مؤسسات ثقافية في لبنان بُعيد الانفجار، ومن بينها تبرعها بمبلغ 300 ألف يورو لمشاريع سينمائية، و70 ألف يورو للمكتبة الوطنية.
قد يهمك أيضا
تعرف على أفضل مواقع تراثية عالمية في فرنسا لعُطلة لا مثيل لها