بيروت ـ غيث حمّور
تعد المناسبات الثقافية العالمية الأدبية منها والفنية في مختلف أنحاء العالم كـ(يوم المسرح، يوم الرقص، يوم الموسيقا، يوم الشعر، يوم القصة القصيرة، ويوم الكتاب) حلقة وصل هامة بين المبدع والمكان الإبداعي من جهة وبين الجمهور المتابع من جهة أخرى، كما تأتي لتكلل وتتوج عمل المبدع بعد سنة كاملة من الجهد والتعب، ولتقدم حراكًا ثقافيًا أدبيًا أو فنيًا يأتي كنتيجة تراكمية للسنوات الماضية وكتمهيد للسنوات المقبلة، وتعتبر هذه الأيام بمثابة أعياد احتفالية وكرنفالية للمبدع (كل حسب اختصاصه).
الأيام الأدبية
ثلاثة أيام عالمية تعني بالفنون الأدبية (يوم الشعر، يوم القصة القصيرة، ويوم الكتاب) وهي احتفالات أطلقتها منظمة اليونيكسو، واحد منها يقام في شباط/فبراير وهو يوم القصة القصيرة في 14 شباط، واثنان يقامان في آذار/ مارس، إذ يحتفل بيوم الشعر في 21 آذار من كل عام، وبيوم الكتاب في 10 آذار (بعد أن قررت اليونيسكو منذ العام 1995 الاحتفال بالكتاب)، وعلى الرغم من أن هذه الأيام تصادف في الشهر الحالي والشهر المقبل، لكن الشارع السوري بشكل عام، والمثقف السوري بشكل خاص، لم يسمع أو يتابع احتفاليات وكرنفالات أو حتى أمسيات خاصة بهذه
الأيام، وذلك ليس في هذا العام فقط، بل منذ سنوات طويلة مضت.
ديوان العرب خجول
على مستوى يوم الشعر العالمي يقام في مختلف أنحاء العالم أمسيات شعرية وتكريمات للشعراء المبدعين وتقدم المحفزات والدعم الكبير للشعراء الشباب للتطور والتقدم، وشهد عام 2010 حملة كبيرة من اليونيسكو للنهوض بالشعر عبر برنامجها الجديد (طاغور، وبابلو نيرودا، وايميه) من أجل منظور عالمي يسوده الوئام وتشجيع جميع الوسائل متعددة التخصصات لجعل الشعر أقرب إلى قلوب الناس وعقولهم وأكثر قدرة على التأثير في النفوس، إذ يجب أن يتبوأ المكانة التي تليق به في البرامج التعليمية والإعلامية وتمكين الشباب من محبته والشعور به، رغم أهمية طرح اليونيسكو ولكن في المقابل أين العرب من هذا السعي؟، وأين هو ديوان العرب من احتفاليته؟، للأسف الجواب يأتي في يوم الشعر العالمي في السنوات الأخيرة الماضية بأمسيات شعرية خجولة وحضور جماهيري أكثر خجلًا، ومتابعة إعلامية غائبة.
القصة القصيرة والاحتفاء بالنتاج الغربي
حال يوم القصة القصيرة العالمي لا يختلف كثيرًا عن حال يوم الشعر العالمي، فبالكاد يسمع المتابع أو حتى المثقف السوري بالاحتفالية، فلم تشهد سورية (على حد علمنا) في عامي 2009 و2010 أي احتفال بيوم القصة القصيرة، فيما أعوام 2011 و2012 و2013 بحكم الأحداث الجارية على الأرض زادت صعوبة وجود احتفالية في أيام السلم غائبة، ويعود آخر احتفال بهذا اليوم لعام 2008، والملفت بهذا الاحتفال هو الاحتفاء بالكاتب الروسي، أنطون تشيخوف، بدلًا من الاحتفاء بكتاب القصة القصيرة السوريين وهو ما قد يثير الدهشة لدى الكثيرين، ولكن هذه الدهشة ستزول عندما يعلم المتابع أن هذه الاحتفالية لم تقمها أي جهة رسمية أو حتى خاصة سورية، والتي دعا إليها وأقامها المركز الثقافي الروسي، مما يبدد غرابة احتفال الكتاب السوريين بكاتب قصة روسي بدلًا من كتابهم.
يوم الكتاب... مرور الكرام؟!
يوم الكتاب العالمي أقامته اليونسكو لتدعو عبره العالم، ليتحول إلى سوق عملاقة للكتاب يعرض من خلاله نماذج من ثقافات الأمم والشعوب واللغات والحضارات، وتعوّل معظم دول العالم وخاصة الغربية منها على إقامة معارض كبيرة تحوي الكثير من المميزات والتسهيلات للمقتني للحصول على الكتب التي يرغبها، وفي المقابل على الرغم من أن الجهات الرسمية والخاصة في جميع البلدان العربية تشتكي من إحجام المواطن العربي عن القراءة، مما يبين أهمية هذا اليوم العالمي لدفع المواطن للقراءة، لكن هذا اليوم يمر في سورية ومعظم الدول العربية (باستثناءات قليلة) مرور الكرام من دون أن يقام أي معرض أو سوق للكتاب.
أيام الأداء
ثلاثة أيام عالمية تعني بالفنون (يوم المسرح، يوم الرقص، يوم الموسيقا)، فيقام يوم الموسيقا في 12 حزيران، فكرة هذا العيد فرنسية المولد في عام 1981 بدعم من الرئيس الفرنسي آنذاك (فرانسوا ميتران) ووزير ثقافته (جاك لانغ)، وانطلقت إلى أوروبا في العام 1982، وانتشرت عالميًا بعد العام 1985، أما يوم المسرح العالمي فهو أقدم الأعياد العالمية ويحتفل به في 27 آذار ابتداءً من عام 1961، من قبل المعهد الدولي للمسرح، فيما يحتفل بيوم الرقص العالمي في 29 نيسان/أبريل منذ العام 1982 من قبل مجلس الرقص العالمي (منظمة تعمل تحت مظلة اليونيسكو لكل أنواع الرقص)، وتحظى هذه الأعياد الثلاثة بالمتابعة والتنفيذ أكثر من سابقاتها على الصعيد المحلي.
يوم الموسيقا... حضور الشباب وغياب المخضرمين
في حين كانت مختلف دول العالم تحتفل بعيد الموسيقا في الأعوام القليلة الماضية وشارك في هذه الاحتفالات أهم وأكبر الموسيقيين والعازفين والمغنين الأجانب في الاحتفالية واستمر الاحتفال لأكثر من اثنتي عشرة ساعة، أقيم في دمشق مثلًا العام 2010 احتفال مقتضب نظمه المركز الثقافي الفرنسي في دمشق في غياب المؤسسة الرسمية الموسيقية، والتي اكتفت بالمشاركة في التنظيم، وبغياب الموسيقيين السوريين الكبار، ليقتصر الاحتفال على بعض الفرق الهاوية والموسيقيين الشباب، وبقدر أهمية وجود الشباب في ذلك العيد بقدر أهمية مشاركة الموسيقيين السوريين المخضرمين، الاحتفال السوري بعيد الموسيقا بدأ حديثًا بدعم من المركز الفرنسي منذ العام 2006، ورغم تطور هذه الاحتفالية من عام إلى آخر، ولكن تبقى من دون الطموح ولا ترتقي لأهمية الموسيقا كلغة عالمية، ولا يرقى أيضًا لسوية الاحتفالات الموسيقية بهذا اليوم في باقي بلدان العالم.
يوم المسرح.. فاقد الشيء
يعتبر يوم المسرح العالمي من أهم الأيام العالمية لفنون الأداء، ويحتفل به في مختلف بلدان العالم بطرق مختلفة ومتنوعة، ولعل الطريقة الأكثر رواجًا في أوروبا وأميركا هي الحالة الاحتفالية والكرنفالية التي ترافق هذا اليوم، ويتضمن في غالبية الأحيان تكريم المسرحيين والاحتفاء بهم، وقراءة كلمة يوم المسرح العالمي، في سورية تختلف طريقة الاحتفال حيث تعتمد صيغة العرض المسرحي أو الاستكشات المسرحية فيه، وعلى الرغم من أن يوم المسرح العالمي أكثر الأيام العالمية التي يحتفل بها في سورية، ولكنه في الوقت نفسه الأكثر جدلًا، ففي العام 2010 احتفل بهذا اليوم في دوما (الريف الدمشقي) وبقي مسرحا الحمرا والقباني (في قلب دمشق) فارغين (على طريقة الطبل في دوما والعرس في حرستا)، وفي العام الذي يليه أقيم احتفال في مسرح الحمرا فيما بقيت باقي المؤسسات المسرحية غائبة عن الاحتفال (كالمعهد العالي، ومسرح القباني وباقي المسارح في دمشق وباقي المحافظات)، وفي الأعوام اللاحقة جرت في 2012 احتفالية مقتضبة جدًا، ولم يجر أي احتفال في 2013.
أما على صعيد القيمة الفنية المقدمة في مختلف الاحتفالات المسرحية، فتتميز بغياب الدراسة المنهجية لتقديم هذا العيد بطريقة احترافية وفنية لائقة، فنجد دائمًا الأعمال المقدمة، إما ارتجالية أو أعمالًا لا ترتقي لتكون عرضًا مسرحيًا أو مشاهد احتفالية تتسم بـ(السلوقة) ويتم تحضيرها على عجل من دون الالتفات للقيمة الفنية المقدمة، وبطبيعة الحال ما يقدم في احتفال يوم المسرح العالمي في السنوات الأخيرة هو إفراز المسرح السوري ومرآة عاكسة لحاله، وحال المؤسسة المسرحية المختصة، فبين العيدين الأخيرين مثلًا لم تقدم المؤسسة الرسمية على مستوى الكم ما يفوق أصابع اليد الواحدة من العروض المسرحية، أما على مستوى النوع فمعظم الأعمال (القليلة) التي قدمت ذات سوية فنية واحترافية منخفضة ومتواضعة، وانطلاقًا من ذلك لا يجب علينا أن نطالب بعيد مسرحي على سوية عالية فـ(فاقد الشيء لا يعطيه)؟!، وربما الأفضل الاهتمام بالمسرح وتقييم واقعه قبل الاتجاه نحو الاحتفال به.
الوعي بأهمية الرقص
يوم الرقص العالمي والذي سيقام مع نهاية نيسان، الهدف الأساسي من إقامته وفقًا لمجلس الرقص العالمي زيادة الوعي بأهمية الرقص لدى الرأي العام، إضافة إلى إقناع الحكومات في شتى أنحاء العالم لتوفير أمكنة مناسبة للرقص ضمن كل مراحل التعليم، انطلاقًا من هذا تسعى دول العالم من وراء الاحتفال بهذا اليوم لتعزيز هذه الأهداف، الاحتفال في سورية بهذا اليوم مازال جديدًا فهو يعود لسنوات قليلة ماضية، وبدأ باكتساب أهمية في العامين الذين سبقا الأحداث، ولكن ما تزال صيغة الاحتفالية بهذا العيد قاصرة وغير ملبية.
أخيرًا
تفتقر معظم احتفالاتنا بالأيام العالمية (إن وجدت) للصيغة الاحتفالية الحقيقية، وتتشابه بطابعها المناسباتي الرسمي البعيد عن القيمة الفنية، كما ترتبط بالأحداث مباشرةً عوضًا عن ارتباطها الرئيسي بالمبدعين، وفي معظمها تفتقر للارتكاز على نوعية الحدث فنتابع التداخل فيما بينها، فنجد القصة القصيرة في احتفالية المسرح، والشعر في احتفالية الرقص وغيرها، وهذا ما يبرز أهمية إعادة النظر في طرق الاحتفال، ويعكس ضرورة إيجاد صيغة واضحة للتعامل مع كل حالة احتفالية على حدة.