الجزائر - كمال السليمي
قلّصت "وكالة ضمان تأمين الصادرات" الفرنسية "كوفاس"، التصنيف الائتماني للجزائر من "أيه 4+" إلى "أيه 4-"، وتوقعت أن يرتفع العجز التجاري إلى أكثر من 36 مليار دولار بحلول نهاية العام الجاري، ما يمثل نحو 16 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وتوقعت ارتفاع عجز الموازنة الحكومية إلى 12.5 في المائة، بسبب تراجع إيرادات الغاز وارتفاع فاتورة الواردات خصوصًا الغذائية منها، والتي قدّرت مجتمعةً بنحو 60 مليار دولار.
وأفادت الوكالة في تقرير، بأن الجزائر هي ضمن ست دول نامية قلّصت تصنيفها الائتماني، وبينها البحرين وتنزانيا ومدغشقر وجنوب أفريقيا والغابون، وجاء في تقرير "كوفاس" أن "اعتماد الجزائر في شكل مفرط على عائدات الطاقة بنحو 97 في المائة من إجمالي الصادرات، أضرّ بالاقتصاد المحلي الذي سيتراجع نموّه إلى 2.6 في المائة العام الجاري، وتزيد المديونية الخارجية إلى نحو 13.6 في المائة من الناتج الإجمالي، في بلد كان يسجّل فائضًا في الموارد يقدّر بنحو 114 في المائة قبل عامين".
وتساهم عائدات الطاقة بنحو 70 في المائة من موارد الموازنة العامة، و34 في المائة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي، ما قد يُولد ضغطاً على قيمة صرف العملة المحلية أمام العملات الدولية، ويدفع التضخم نحو الارتفاع من معدله الحالي البالغ أربعة في المائة، وانتقدت "كوفاس" ثقل البيروقراطية الإدارية، وضعف النظام المصرفي، وتضخّم القطاع العام، وبطء الإصلاحات الاقتصادية والسياسية، ما يقلّص فرص جلب الاستثمارات الخارجية، ويرفع معدلات البطالة لدى الشباب التي تطاول نسبة مهمة من القوى الناشطة، والتي يقدرها صندوق النقد الدولي بنحو 40 في المائة.
ولفتت "كوفاس" إلى أن الاقتصاد الجزائري سيعاني في المرحلة المقبلة، من تراجع في العائدات النفطية، وانخفاض في حجم صادرات الغاز بسبب ضعف الإنتاج وتقادم التجهيزات، في وقت زادت فيه المشتريات، خصوصاً الصناعي والزراعي منها، من الخارج ما أدى إلى استخدام مفرط للاحتياط النقدي الذي كان يغطي ثلاث سنوات من الواردات قبل عام، وتساهم الصناعة بنحو خمسة في المائة، والزراعة بسبعة في المائة من الناتج، وهو أضعف معدل إلى جانب ليبيا في شمال أفريقيا.
وخفّضت وكالة "يولير هيرمس" الدولية، تصنيفها للجزائر إلى درجة "سي" على سلم من سبع درجات ينتهي بالفئة "دي"، معلّلة قرارها بـ"ضعف الإصلاحات الاقتصادية، واستمرار تأثير الجيش في الحياة السياسية، وقلة تنويع مصادر الدخل والإنتاج، وضعف دور القطاع الخاص، وامتصاص القطاع العام لمعظم الموارد المتأتية من النفط والغاز، وسيطرة الشركات الحكومية على المصارف المحلية، وتخلّف مناخ الأعمال" الذي يجعل الجزائر في المرتبة 154 عالمياً في سلّم إدارة الأعمال للعام الحالي الصادر عن البنك الدولي.
وتوقع صندوق النقد الدولي أن يرتفع عجز ميزان المدفوعات في الجزائر إلى 19.2 في المائة خلال الأعوام الأربعة المقبلة، بسبب توقع استمرار تراجع إيرادات الغاز التي ستنخفض من نحو 71 مليار دولار عام 2012 إلى 51 مليار في 2019، ما قد يعجّل بامتصاص الاحتياط النقدي الخارجي، الذي سيكون عليه تمويل عجز في المشتريات بقيمة تفوق مئة مليار دولار في أربعة أعوام، على أساس سعر نفط كانت حددته الحكومة بنحو 90 دولارًا للبرميل، وفي حال بقاء أسعار النفط من 60 إلى 70 دولاراً، فإن الاحتياط النقدي قد ينفد تمامًا عام 2020، بعدما سبق لصندوق النقد أن توقّع حدوث ذلك بحلول 2025.
ونقل عن مديرة صندوق النقد كريستين لاغارد، قولها أن "الجزائر قد تتحوّل إلى دولة مدينة بأسرع من التوقعات"، بسبب ما تعتبره المؤسسة "النموذج الاقتصادي القائم على تمويل الاستهلاك من عائدات النفط من دون تنويع في المصادر، في وقت سيبلغ تعداد سكان الجزائر 50 مليوناً خلال العقد المقبل".
وأنفقت الحكومة على السلم الاجتماعي العام الماضي، نحو 50 مليار دولار لدعم معظم السلع الاستهلاكية، إضافة إلى تمويل المساكن ومنح معاشات لقدماء المحاربين، وتعويضات عن العمل للشباب العاطلين، ويصل الدعم الاجتماعي إلى 28 في المائة من الناتج الإجمالي، وهو الأكبر في المنطقة، التي يتراوح معدل دعم الأسعار فيها ما بين 5 إلى 10 في المائة من الناتج الإجمالي.
وبسبب سوء توزيع الدعم، واعتماد المحسوبيات في تفضيل المستفيدين، فإن فئات من المجتمع تعتقد أنها لا تستفيد من ثروات النفط والغاز التي بلغت 800 بليون دولار في 15 عامًا، وهي من الأسباب المباشرة للقلاقل الاجتماعية التي تشهدها بعض الولايات الجزائرية، وتنتج منها أعمال عنف وقتل وتخريب، ويضغط "صندوق النقد" على الحكومة لتقليص حجم دعم الأسعار كما في بقية دول شمال أفريقيا، وتحويله إلى مشاريع استثمارية لتوفير فرص عمل للشباب العاطلين من العمل تجنباً لمزيد من القلاقل الاجتماعية.