بغداد- العراق اليوم
اضطر آلاف العراقيين إلى اللجوء للعمل مجانًا في القطاعات الحكومية، أملًا في التعيين حسب تعهدات المسؤولين، بهدف مواجهة البطالة المتفاقمة التي تحاصرهم.
وقد تطول رحلة العمل المجاني في دوائر العراق لمدة خمس سنوات أو أكثر لمن يزاولها، في بلد لا يحصل فيه الخريج الجامعي على الوظيفة إلّا عبر المحسوبية أو "دفع مبالغ كبيرة" رشىً للمسؤولين.
وتنهض الكثير من دوائر البلاد الحكومية وفي مقدمتها المدارس والجامعات على أكتاف العاملين بالمجان، بينما لم يحصلوا حتى الآن إلّا على وعود بالتوظيف، رغم مطالب برلمانية بصرف أجور مؤقتة ولو رمزية لهم إلى حين تعيينهم رسميًا.
ووفقًا لتقديرات غير رسمية، يبلغ عدد الموظفين الذين يعملون بالمجان لدى جهات حكومية نحو 40 ألف موظف، يتحمّلون عناء العمل والأوامر الإدارية والتوجيهات القاسية، من دون الحصول على أي مردود مالي، ورغم ذلك فهم يتمسكون بعملهم أملًا في أن يكون مصدر رزق لهم في المستقبل بعد تعيينهم.
وأعداد العاملين بالمجان تتضاعف في كل عام، مع تخرج أجيال جديدة في الجامعات، مع عدم وجود أي حماية حكومية لهم أو ضمان اجتماعي أو تأمين صحي وغيره من الحقوق.
ويبلغ إجمالي نسبة البطالة بين الشباب في العراق 22.6%، وفقًا لوزارة التخطيط العراقية، في حين أكد نواب في البرلمان أنها تصل إلى نحو 40% في بعض المدن المحررة شمال البلاد وغربها. وكانت البطالة أحد الأسباب الرئيسية وراء اندلاع الاحتجاجات الساخطة في عدد من المدن العراقية خلال الفترات السابقة.
ووفقًا لمسؤول في وزارة التربية العراقية، فإنّ "أغلب المدارس العراقية تنهض بجهود المدرّسين المجانيين"، مبينًا أنّ "أعداد المدرسين المجانيين بشكل عام يصل إلى نصف عدد المعينين رسميًا".
وأضاف المسؤول، أنّ "المدرس المجاني ينافس نظيره المعين في أداء عمله على المستوى المهني، بل يتفوق عليه من حيث المجهود، إذ إنّ بعض إدارات المدارس تعطي محاضرات للمدرسين المجانيين أكثر من عدد محاضرات المدرّس الرسمي، وهي أحد أوجه الاستغلال لهم".
وتابع، "لم يتم منح المجانيين أي مبالغ على عملهم، واليوم وعود مسؤولي وزارة التربية العراقية هي بمنحهم مبلغًا مقطوعًا لكنّ وزارة المالية لم تصرفه لهم حتى اليوم"، مشيرًا إلى أنّ "معاناة المدرسين المجّانيين يجب أن يوضع لها حل، ولا يمكن التجاوز على خدماتهم المجّانية الكبيرة التي أدّوها لسنوات عدة".
ووافق مجلس الوزراء قبل عدّة أيام على تثبيت المحاضرين المجانيين، وفقًا لحركة الملاك، لكن القرار الذي صدر ينتظر التطبيق، كما ينتظر رأي وزارة المالية بحركة الملاك والتعيينات للعام الحالي، بينما يؤكد مسؤولون أنّ حركة الملاك لن تستوعب الأعداد الكبيرة للمحاضرين (المدرسين) المجانيين.
ومن جانبه، قال مسؤول في مجلس الوزراء لـ"العربي الجديد"، إنّ "القرار الذي صدر عن المجلس يتطلّب قرارًا موازًا له، ينصّ على تخصيصات مالية للعاملين بالمجان، الذين أصبحت مشكلتهم كبيرة ولم تتوفر لها حلول واضحة حتى الآن".
وأوضح المسؤول الذي رفض ذكر اسمه، أنّ "هذا الملف يحتاج إلى دراسة وجرد من قبل جميع الوزارات، وتقديم أعداد العاملين بالمجان، وأن تخصِص نسبًا لهم، حتى تكون هناك فرص بالتعيين لغير المجانيين أيضًا، لكن للأسف لا توجد أي جهة تعمل على دراسته، في وقت أصبح ملفًا معقدًا وخاصة أنّ المجانيين هم من يقومون بأعباء العمل في أغلب الوزارات، ولا يقل جهده عن عمل الموظفين، بينما لا يحصلون على أي مردود مالي".
ودعا المسؤول، رئيس الحكومة والبرلمان إلى "تشكيل لجان خاصة لدراسة الملف وإيجاد حلول مناسبة له".
ورحلة العمل المجاني مضنية تحمّلها كثير من العراقيين، الذين لم يجدوا حلًا سوى الانتظار وأمل الحصول على التعيين، وأصبحت سنوات خدمتهم المجانية عبئًا عليهم لكونهم لا يستطيعون التفريط بها، ويصعب عليهم مواصلة الطريق في نفس الوقت.
معد حميد، هو أحد المدرسين العاملين بالمجّان في مدرسة بالعاصمة بغداد، يؤكد أنّ "عمله المجاني دام فترة خمس سنوات"، قائلًا: "لم أجد حلًا سوى الانتظار والترقب، هذا تخصصي ولا أريد أن أتركه، ففي حال ترك العمل فستضيع كل سنوات خدمتي، وقد لا أحصل على أي فرصة تعيين في مكان آخر، إذا كانت هناك فرصة".
وأضاف حميد، "تحملت الكثير حتى أحصل على العمل المجاني، إذ إنّ الحصول على فرصة حتى لو مجانية يحتاج أيضًا إلى وساطة، بسبب كثرة العاطلين، كما تحملت الأكثر بعدما حصلت عليه، فأحيانًا أضطر إلى الذهاب للمدرسة مشيًا على القدمين لعدم امتلاكي أي مبلغ مالي"، مبينًا: "اضطر للعمل في المدرسة صباحًا، ومن ثم أعمل بمخبز مساءً لأحصل على ما يعينني على هذه الحياة ومعاناتها".
وعبّر عن أمله بالحصول على فرصة التعيين، قائلًا: "أترقب أن يأتي يوم وأكون موظفًا رسميًا وأتقاضى راتبًا شهريًا وأحصل على حقوقي كاملة. هذا حلم يراودني دائمًا"، داعيًا الحكومة إلى "رفع هذه المعاناة عن كاهل العراقيين، وتوفير فرص تعيينات لهم.
وفي كل عام يضاف آلاف إلى جيوش من العاطلين في البلاد من خريجي الجامعات، الذين لا يجدون فرصًا سوى العمل المجاني على أمل التعيين، في ظل فساد مستشر بدوائر الدولة وهيمنة أحزاب على الدرجات الوظيفية، حسب نواب في البرلمان العراقي.
قد يهمك ايضا:
"حنوصلك مجانًا لتكتب دستورك".. مبادرة لتوصيل الناخبين للجانهم بالإسكندرية
الحوثيّون يمسحون أدمغة طلاب المدارس اليمنية ويجبرونهم على "أنشطة طائفية"