بيروت ـ العرب اليوم
أثارت بنود الموازنة العامة في لبنان، جدلًا في الأوساط الاقتصادية، وسط مخاوف من عدم إقرارها نتيجة التداخلات المتشابكة والأوضاع المالية الحالية في بيروت. وتصل نسبة العجز في الموازنة العامة نحو 8.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وتراجع النمو الاقتصادي في لبنان من 8 في المائة عام 2010 إلى أقل من 1 في المائة حاليًا، بدعم من الركود في قطاع السياحة اللبناني، نتيجة الأضرار التي خلفتها الأزمة السورية.
وتعد الموازنة الحالية المعروضة على البرلمان اللبناني، الأولى بعد 11 عامًا على إقرار آخر موازنة للبلاد في المجلس النيابي، إبان حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في عام 2005، والانقسامات والخلافات السياسية منذ ذاك الوقت وحتى اليوم تعيق إقرارها. ويبلغ الدين العام في لبنان 78 مليار دولار، والعجز السنوي يصل إلى 5 مليارات دولار، علمًا بأن الإيرادات تقل عن 10 مليارات دولار، وتقترب النفقات من 15 مليار دولار.
النائب اللبناني فادي الهبر، مقرر لجنة المال والموازنة، عضو كتلة "الكتائب"، يؤكد لـ"الشرق الأوسط"، أن استمرار لبنان بلا رئيس للجمهورية سيزيد من حدة الكارثة التي يعيشها اللبنانيون.
ويستبعد الهبر أن يكون لبنان عرضة لأي وصاية مالية دولية، مثلما أشيع، لافتًا إلى أن "الواقع اللبناني يتمتع بالملاءة المالية بوجود ملاءة لمصرف لبنان والودائع المصرفية الضخمة"، معتبرا أن "لبنان لا يزال عبارة عن جنة استثمار مالي وحديقة آمنة على المستوى النقدي".ويلفت الهبر إلى أن تصنيف لبنان الائتماني "أصبح بدرجة B2 - وهو ما يدل على حدوث تراجع كبير في الواقعين الاقتصادي والمالي".ورغم التآكل الاقتصادي وشلل مجتمع الأعمال العام، فإن مقرر لجنة المال والموازنة بمجلس النواب فادي الهبر، متفائل بإمكان معالجة الأوضاع اللبنانية بدءًا من مواجهة الفساد والهدر في كل المؤسسات في شتى القطاعات.
مشددًا على ضرورة زيادة المداخيل، لكن دون فرض رسوم وضرائب إضافية.وأشار إلى أن "كل مسعى من قبل الحكومة يهدف إلى إرساء خطة ضريبية، سيكون غير ذي جدوى، لكن الإسراع لإقرار خطة اقتصادية متكاملة بالإمكانات المتوافرة برؤية واعدة وإرادة شجاعة، سيكون أول ما تنجزه هو تجفيف الهدر".ويدعو الهبر إلى إقرار الموازنة، سواء في مجلس النواب أم في مجلس الوزراء، إذا تعذر على النواب القيام بهذه المهمة كيلا يستمر منطق الإنفاق وفق قاعدة (الإنفاق من غير موازنة)، ويضطر مجلس النواب إلى إقرار قوانين خاصة بالإنفاق سنويا تحت بند "إنفاق الضرورة في ظل تشريع الضرورة".
كما يرى الهبر أن الاقتصاد في حالة تراجع مستمر في السنوات الأخيرة، وأنه لن ينمو مجددا إلا بعد انتخاب رئيس للجمهورية وإطلاق خطة وطنية تقوم على تنفيذ ما اتفق عليه اللبنانيون في الطائف أو الدوحة، أو ما قد يتفاهمون عليه لاحقا على الملفات الحيوية، بينها النفط والغاز والخطة الاقتصادية المستدامة، سواء استهلاكيا وإنتاجيا، مشددا على أن ذلك "سيشكل أساسا متينا للنهوض الاقتصادي". ويلفت الهبر إلى أن إقرار الموازنة مع ضبط الحدود بموجب القرار الدولي 1701، ووضع السلاح غير الشرعي في كنف الدولة: "يندرج كله في خانة الركائز السيادية للدولة التي وحدها تؤمّن الانطلاقة الراسخة والحقيقية للاقتصاد واستعادة النمو لمعدلاته الطبيعية والحيوية للبنان واللبنانيين في ظل الظروف الراهنة". ويرى الهبر أن لبنان في حاجة ليقدم مشهدا مقنعا للجميع في الداخل والخارج ينطلق من الأساسات السيادية ومن دولة المؤسسات الضامنة، الأمر الذي يؤمن مجددًا الانطلاقة الحقيقية للاقتصاد الوطني.
وعن توقعاته بإقرار الموازنة أو عدمه، يقول الهبر: "لا أرى موازنة لجملة اعتبارات سياسية، ولا سيما على خط تكتل التغيير والإصلاح الذي لديه أجندته السياسية محليا وإقليميا واعتبارات استحقاقية"، موضحا أن التيار الذي يتزعمه النائب ميشال عون "يريد أثمانا تتعلق برئاسة الجمهورية وسواها من الملفات الأخرى".
وفيما تبدو هناك عثرات سياسية أمام إقرار الموازنة، يفنّد الخبير الاقتصادي الدكتور غازي وزني في حديثه لـ"الشرق الأوسط" كل ما يحيط بالموازنة؛ ويشرح أن وزير المال سيقدم إلى مجلس الوزراء مشروع الموازنة العامة لعام 2017 ضمن المهل الدستورية، أي قبل مطلع سبتمبر (أيلول) 2016 لمناقشته وإقراره، قبل أن يحيله وفق المادة 87 من الدستور إلى السلطة التشريعية قبل أول نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 للتصديق عليه قبل انتهاء العقد العادي.كما يواجه مسار الموازنة الموعودة تحديات تقنية ومالية تتعلق بغياب مشروع قطع الحساب، أي الحسابات النهائية، ثم تضمنها سلسلة الرتب والرواتب وإجراءاتها الضريبية، خصوصا على القطاعين العقاري والمصرفي، حيث توجد اعتراضات من قبل القوى السياسية لفرض ضرائب إضافية في الظروف الاقتصادية الحالية، كما تواجه تحديات سياسية تتعلق بالتشريع في غياب رئيس الجمهورية، وعدم تضمنها بند نفقات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.
وعن توقعاته بإقرار الموازنة أو عدمها، يشير وزني إلى وجود صعوبة في إقرار الموازنة العامة رغم أهميتها وضرورتها في الظروف الحالية اقتصاديا وماليا واجتماعيا؛ وذلك لأسباب عدة، موضحا أنه "على صعيد المجلس النيابي، فإن البرلمان معطل لأسباب سياسية، إضافة إلى وجود صعوبة في إقرارها من دون أن تكون مرفقة بمشروع قطع الحساب لعام 2015 وفق المادة 87 من الدستور بسبب عدم جهوزية الحسابات المالية النهائية لدى وزارة المال".
أما على صعيد مجلس الوزراء، فيشير وزني إلى "صعوبة إقرارها من قبل مجلس الوزراء بمرسوم يصدر عنه وفق المادة 86 من الدستور لأسباب سياسية تتعلق بعدم ترءوس رئيس الجمهورية مجلس الوزراء، ووجود اعتراضات من قبل بعض الأطراف السياسية، ولا سيما أن هذه المادة تنص على توافق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة لدعوة المجلس النيابي لعقد استثنائي لمتابعة درس الموازنة، وفي حال عدم بت المجلس النيابي بالمشروع يجيز لمجلس الوزراء إصداره بمرسوم"، علما بأن الفراغ الرئاسي بات قائما منذ أكثر من عامين. وعن قراءته للأرقام على مستوى النمو والعجز، يلفت وزني إلى أن الوضع الاقتصادي "مقلق بسبب الأزمة الدستورية والأمنية الداخلية والاضطرابات في المنطقة، ولا سيما في سوريا، إضافة إلى كلفة النزوح السوري، حيث نلحظ أن النمو الاقتصادي هبط بشكل قوي في فترة 2010 – 2015 من 8 في المائة إلى أقل من 1 في المائة نتيجة الأضرار التي أصابت القطاعات الأساسية المحركة للاقتصاد من السياحة، التـي تراجعت نحو 40 في المائة، ومنها السياحة العربية التي تراجعت 60 في المائة، إلى القطاع العقاري الذي تراجعت مبيعاته أكثر من 25 في المائة، وأيضا نتيجة انخفاض الصادرات أكثر من 30 في المائة بفعل إقفال الطرق والمعابر البرية إلى المنطقة العربية".
أما على صعيد المالية العامة، فقد "تدهورت واتسع عجزها من 5.9 في المائة من الناتج المحلي إلى نحو 8.5 في المائة من الناتج المحلي؛ نتيجة الضغوط على النفقات العامة التي ازدادت في فترة 2010 – 2015 نحو 35 في المائة بفعل زيادة الرواتب والأجور والنفقات الأمنية وكلفة النازحين السوريين، وأيضا نتيجة عدم زيادة حجم الإيرادات الضريبية بفعل تباطؤ النشاط الاقتصادي".ورغم ذلك، لا يرى وزني خوفا على لبنان ماليا واقتصاديا؛ لأنه يملك مقومات صمود تستند إلى "تحويلات اللبنانيين المرتفعة التي بلغت في عام 2015 نحو 7.2 مليار دولار (58 في المائة من دول الخليج) ممثلة نسبة 15 في المائة من الناتج المحلي، وتساهم في نمو الودائع المصرفية وتحسين مداخيل العائلات وتفعيل الاقتصاد عبر الاستهلاك والاستثمار، ولا سيما في القطاع العقاري. يخشى من تراجع التحويلات في العام الحالي بنتيجة تراجع مداخيل الدول النفطية".
ويُشدّد وزني على "متانة القطاع المصرفي الذي يملك سيولة قوية، ويساهم في تمويل القطاعين العام والخاص، إضافة إلى أن نموه السنوي مقبول؛ إذ يتجاوز 6 في المائة"، كما على "احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية المرتفعة والتي تقارب 37 مليار دولار، والتي تساهم في الاستقرار النقدي والمالي، واستقرار معدلات الفوائد". وترتفع مظلة الأمان إثر "إجراءات مصرف لبنان التحفيزية للنمو التي تنشّط الاقتصاد وتساهم في تحريك بعض القطاعات الاقتصادية (العقار، المعرفة)، كما أنها تدعم القطاعات المتضررة التي تواجه صعوبات مالية (السياحة، التجارة)". بحسب الخبير الاقتصادي غازي وزني.