رفع الدعم عن السلعة الاستهلاكية

كحال الكثيرين في لبنان، وجدت ساندرا الطويل نفسها مجبرة على بيع الثلاجة والغسالة لتأمين قوت عائلتها، لكن ما جنته لن يخدمها طويلا في ظل الأزمة المعيشية الخانقة التي يمر بها لبنان، لتزيد مخاوفها من رفع الدعم الحكومي عن سلع أساسية، مما قد يجعل تأمين قوت عائلتها مستحيلا.وشهدت الأسابيع الأخيرة في لبنان ارتفاعا جديدا في أسعار السلع والخدمات كافة، من الخبز والمواد الغذائية المستوردة بغالبيتها، مرورا بالبنزين و تعرفة سيارات الأجرة، وصولا إلى فاتورة المولد الكهربائي وسط تقنين قاس في التيار. علما أن جزءا كبيرا من هذه السلع مدعوم من الدولة.عام 2019، اختارت ساندرا وزوجها الانتقال من دبي إلى بيروت حيث افتتحا "صالون تزيين" خاصا بهما، لكن الحلم الذي عملا طويلا لتحقيقه اصطدم بانهيار اقتصادي غير مسبوق.وتقول ساندرا (40 عاما)، وهي أم لطفلين: "وصلت إلى درجة أنني بعت غسالتي وثلاجتي لنؤمن قوتنا اليومي وإيجار المنزل.. نعيش أساسا حالة تقشف، ماذا سنأكل إذا كنا غير قادرين على شراء الأرز والقمح والعدس؟"، وفق ما ذكرت وكالة فرانس برس.

وتعيش العائلة التي توقفت عن شراء اللحوم والدجاج، من مساعدات غذائية تقدمها جمعية "بيت البركة" غير الحكومية، التي تتولى كذلك دفع الأقساط المدرسية للطفلين.وكحال الطويل، تمر الأيام ثقيلة على ناصر جمعة (56 عاما)، الذي يحاول تأمين قوت عائلته، فيما لا يجد ابنه البالغ من العمر 25 عاما عملا.ويقول: "سيكون رفع الدعم كارثيا"، مشككا بقدرة الدولة على دعم الفقراء. ويعمل الرجل كسائق خاص براتب قيمته 1,6 مليون ليرة، أي 160 دولارا، بعدما كان يعادل أكثر من ألف دولار قبل الأزمة.ويضيف: "سنصل إلى يوم نعجز فيه عن شراء ما نأكل ونشرب".ووجد لبنانيون كثر أنفسهم تدريجيا خلال العام الماضي عاجزين عن تأمين احتياجاتهم الأساسية، على وقع ارتفاع جنوني في الأسعار، ارتبط أساسا بانهيار سعر الليرة التي خسرت أكثر من 80 في المئة من قيمتها مقابل الدولار.وأدت الأزمة التي تفاقمت بفعل تفشي فيروس كورونا ثم انفجار مرفأ بيروت المروع، إلى ارتفاع نسبة البطالة وإقفال مؤسسات وشح السيولة، في ظل قيود مصرفية مشددة قائمة منذ أكثر من سنة.

في هذه الأثناء، بدأ احتياطي المصرف المركزي بالدولار يتضاءل، مما ينعكس سلبا على قدرته في استمرار دعم السلع الأساسية كالطحين والوقود والأدوية.وتدرس السلطات، بدفع من المصرف المركزي، منذ أشهر ترشيد أو رفع الدعم عن استيرادها، في خطوة يحذر محللون من أثرها على الفقراء، وهم أكثر من نصف عدد السكان، وعلى معدل التضخم.صمام أمان وتتلقى جمعية "بيت البركة" مئات الرسائل يوميا طلبا للمساعدة. وتقول مؤسستها مايا إبراهيم شاه: "لاحظنا منذ 4 أشهر تقريبا ازدياد الطلبات بشكل كبير".وتساعد المنظمة حاليا نحو 226 ألف شخص شهريا، عبر دفع أقساط مدرسية ورعاية صحية، كما تدير محال "سوبرماركت" مجانية في بيروت.وتوضح إبراهيم شاه: "من نساعدهم حاليا كانوا كلهم من الطبقة المتوسطة"، التي يقول محللون إن الأزمة الراهنة قضت عليها.

وتشكل السلع المدعومة صمام أمان خصوصا للعائلات الأكثر فقرا، وتسمح صيغة الدعم المعمول بها التي تصل قيمتها إلى 437 مليون دولار شهريا وفق البنك الدولي، بكبح أسعار نحو 300 سلعة أساسية بدأت الدولة تدفع جزءا من كلفتها منذ الصيف.ويوفر المصرف المركزي الدولار للمستوردين وفق سعر الصرف الرسمي (1507 ليرات)، بما يغطي الجزء الأكبر من قيمة المواد التي يراد استيرادها، بينما يعود لهم تأمين 10 إلى 15 في المئة من المبلغ المتبقي من السوق السوداء، حيث لامس سعر الصرف عتبة الـ10 آلاف في معدل قياسي.خطة 5 سنواتوتنص خطة عمل وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال راوول نعمة، على رفع تدريجي للدعم، مقابل تأمين مساعدات مالية مدروسة على مدار عدة سنوات.وبحسب الخطة، يتم أولا رفع الدعم عن السلعة الاستهلاكية المكونة من 300 سلعة، إضافة إلى الخبز والوقود. وتجري بعد ذلك مراجعة لأسعار كهرباء لبنان.

في المقابل، يتلقى 80 في المئة من السكان خلال العام الأول دعما ماليا بقيمة 50 دولارا للشخص البالغ و25 دولارا للطفل، على أن يتراجع بعد مرور عام عدد المستفيدين، كما قيمة الدعم تدريجيا.ويحذر برنامج الأغذية العالمي من "آثار تضخمية كبيرة" إذا تم ترشيد الدعم، متوقعا أن يرتفع سعر الخبز بين مرة ونصف إلى ثلاث مرات، والوقود أكثر من أربع مرات.ويشدد البرنامج الذي قدم عام 2020 مساعدات غذائية ومالية لـ417 ألف لبناني، ويستعد لدعم 50 ألف عائلة شهريا في المرحلة المقبلة، على ضرورة "العمل فورا لزيادة المساعدات الاجتماعية للفئات الأكثر فقرا" لتخفيف تداعيات رفع الدعم.ووافق البنك الدولي مطلع العام على تقديم مساعدة طارئة بقيمة 246 مليون دولار على شكل تحويلات مالية وخدمات اجتماعية، لنحو 786 ألف لبناني من الأسر الأكثر فقرا.

قد يهمك أيضا

تعثُّر التدقيق المالي الجنائي بعد تمسّك المصرف المركزي اللبناني بالسرّية

بدن يقنعونا انو أموال المصرف المركزي ما بتخصّ الشعب!