مصرف لبنان المركزي

يستمرّ مصرف لبنان في شراء الوقت للسلطة، علّها تستفيق على واقع انّها مع كلّ تأخير في تشكيل حكومة واستئناف الإصلاحات والحصول على الدعم المالي الخارجي، تهدر آخر فلس من أموال المودعين بالعملات الاجنبية، وسط استنزاف حاد لاحتياطي البنك المركزي، محكوم بقرار سياسي برفض رفع الدعم عن المواد والسلع الغذائية والاستهلاكية الاساسية المستوردة.

بما انّ رفع الدعم قرار لن تتجرأ حكومة تصريف الاعمال او حتّى أي حكومة جديدة على اتّخاذه، فإنّ مصرف لبنان يعمد بشتّى الطرق الى إطالة مدّته قدر المستطاع، الى حين تدفّق أموال من الخارج، لتغذّي من جديد احتياطه من العملات الاجنبية. وبالتالي، يسعى البنك المركزي حالياً، بدل وقف الدعم، الى تقليص حجمه، من خلال لجم الاستهلاك وخفض فاتورة استيراد الادوية، القمح، المحروقات والمواد الغذائية والاستهلاكية الاخرى، المدعومة وفقاً لسعر صرف منصّة البنك المركزي.

تتمّ هذه العملية من خلال وضع سقوف على عمليات السحب بالليرة اللبنانية وخفضها تدريجياً، بالإضافة الى إلزام مستوردي السلع المدعومة على تأمين السيولة نقداً للمصارف، من اجل اتمام عمليات الاستيراد. وقد أدّى ذلك الى عرقلة وتأخير عمليات الاستيراد للادوية والمستلزمات الطبية والمحروقات وكافة السلع الاخرى المدعومة، بسبب صعوبة تأمين مليارات الليرات نقداً. كما ساهم هذا الإجراء في خفض الطلب على الدولار بنسبة ولو ضئيلة في السوق السوداء، نتيجة عدم تمكن المودعين من سحب السيولة الكافية بالليرة نقداً من اجل شراء الدولارات وتخزينها.

 الاهمّ من ذلك، انّ تداعيات خفض السحوبات النقدية بالليرة، أدّت الى ظهور سوق جديدة للتجارة في الشيكات المصرفية بالليرة وبيعها بنسبة تراوحت بين 7 الى 15 في المئة، أقلّ من قيمتها الفعلية، مقابل الحصول على الليرة نقداً، على غرار الشيكات المصرفية بالدولار التي يتمّ بيعها بسعر يقلّ بنسبة 60 في المئة عن قيمتها الفعلية، علماً انّ تجارة الشيكات بالليرة مزدهرة حالياً في صفوف مستوردي المواد الاساسية المدعومة، خصوصاً الادوية والمستلزمات الطبية والمحروقات، حيث كشفت نقيبة مستوردي المستلزمات الطبية لـ»الجمهورية»، انّ التجار يلجأون الى شراء السيولة النقدية بالليرة مقابل شيكات مصرفية بسعر يفوق قيمتها بنسبة 11 في المئة، لضرروة دفع مستحقات متأخّرة للشركات الموردة في الخارج.

 في موازاة ذلك، يستفيد القطاع المصرفي من حجز الودائع بالليرة، من خلال حث اصحاب تلك الودائع على تحويلها الى الدولار، شرط تجميدها لفترة لا تقلّ عن عام واحد وبفوائد منخفضة، بحجّة انّ المودع لن يستطيع الاستفادة من وديعته بالليرة حالياً، وانّ قيمتها قد تشهد مزيداً من التدهور، بانتظار رفع القيود عن السحوبات. مع الاشارة الى انّ عدداً من المصارف لم يتوقف منذ بدء أزمة الدولار، عن تحويل ودائع مصرفية من الليرة إلى الدولار، على الرغم من انّ هذا الاجراء يزيد من حجم الدولارات الوهمية في المصارف، ويفاقم حجم خسائرها، كما انّه لا يتماشى مع سياسة تجميل ميزانيات المصارف، عبر خفض حجم الودائع بالدولار دفترياً.

قد يكون هدف المصارف المستمرة في تحويل ودائع بالليرة الى الدولار وتجميدها، خفض مطلوباتها من الليرة اللبنانية، وتأمين السيولة المطلوبة بالليرة لدفع مستحقاتها، باعتبار انّها غير قادرة على سحبها من حسابها الجاري في مصرف لبنان، نتيجة السقوف التي وضعها الاخير لسحوبات المصارف النقدية بالليرة.

قد يهمك أيضا :  

 حسان دياب يحذّر من محاولة الإطاحة بالتدقيق الجنائي في مصرف لبنان

ماري نجم تدعو أعضاء المجلس المركزي في مصرف لبنان لتحكيم ضمائرهم