حاكم مصرف لبنان رياض سلامة

منذ بداية الأزمة الاقتصادية والمالية، ارتأى المعنيون عن سابق تصور وتصميم عدم ايجاد الحلول الجذرية لها، فاكتفوا بطرح افكار ومبادرات وتعاميم لم تبصر النور بفعل تذييلها بعبارات ومصطلحات تجعل اقرارها امرا معقدا، وتعمد كل فريق من القوى المعنية تبرئة نفسه من جريمة الانهيار المالي والذل الذي أصاب المواطنين من جراء تدهور الأوضاع المعيشية رمي مسؤولية تنفيذ ما يتخذ من قرارات غير صائبة على الفريق الاخر.

الضياع سيد الموقف عند الطبقة السياسية حيال الدعم لجهة رفعه أو ترشيده، علما ان الدعم العشوائي كما هو راهنا استفاد منه المهربون واصحاب الكارتيلات على حساب المواطن بسبب تلكؤ الوزارات المعنية عن مراقبة الاسعار وضبط السوق ومحاسبة محتكري الدواء والسلع الأساسية والبنزين.

كثيرة هي التساؤلات ولا تزال حول مبادرة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لا سيما ان توقيتها يأتي بالتزامن مع الحديث عن رفع الدعم واقرار البطاقة التمويلية والمنصة الالكترونية، هل فعلا سيتم تسديد الودائع بالعملات التي وضعت بها ام أن هذه المبادرة ستبقى في سياق ضخ اللبنانيين بجرعات اوكسجين تخفف من حدة غضبهم خاصة وان تجّربة اللبنانيين مع المبادرات والوعود باءت معظمها بالفشل؟

    تابع موقع كل يوم على الفيسبوك

يهدف سلامة الى اعتماد آلية تبدأ بموجبها المصارف بتسديد تدريجي للودائع التي كانت قائمة قبل 17 تشرين الأول 2019 وكما أصبحت في 31 آذار 2021، وذلك بالعملات كافة فهو طلب من المصارف تزويده بالمعطيات ليبني عليها خطة يتم بموجبها دفع مبالغ تصل إلى 25 ألف دولار أميركي، وبالدولار الأميركي أو أي عملة أجنبية، وأنه سيتم تقسيط هذه المبالغ على فترة زمنية يحدّدها مصرف لبنان.

ان بيان مصرف لبنان الذي صدر الأحد الماضي يحوي على ثلاث نقاط جوهرية : الأولى تطال أموال المودعين التي من المتوقع أن يبدأ دفعها إبتداء من اخر حزيران مع سقف 25 ألف دولار أميركي، والثانية إطلاق المنصّة الإلكترونية، والثالثة رفع دعم جزئي كما طرحه البيان الذي تحدّث عن ترشيد من قبل الوزارات.

الباحث الاقتصادي جاسم عجاقة وفي حديث لموقع لبنان 24، قال إن 'الإستراتيجية الظاهرة من البيان، تُشير إلى إن المركزي يسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف: الهدف الأول يطال إستعادة الثقة بالقطاع المصرفي من خلال بدء دفع مُستحقات المودعين بعمّلة الودائع، والثاني يطال إستعادة الليرة من براثن المضاربين من خلال نقل الطلب من السوق السوداء إلى منصّة تكون تحت رقابة رسمية – أي لجنة الرقابة على المصارف، والثالث الإستمرار بالدعم من خلال إجراءات تحوي على الإستمرار في دعم بعض السلع مع الترشيد وبطاقة تموينية في آنٍ واحد'.

وعن التغطية القانونية التي تحدّث عنها البيان يقول عجاقة 'الإحتياطي الإلزامي تمّ تكوينه من خلال عقود خاصة بين المركزي والمصارف التجارية وهو يدخل ضمن السياسات الإحترازية. والمعروف أن أمالا كثيرة تُعلّقها السلطة التنفيذية على هذا الإحتياط من خلال رغبتها بالإستمرار بالدعم وتمويل الدوّلة من هذا الإحتياط، كما صرّح رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب. هذا الأمر مرفوض من قبل المركزي ومن قبل المجلس النيابي كما صرّح بذلك نائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي. لذا المخاوف تأتي من أن غياب الحلّ السياسي – أي تشكيل حكومة – قد يدفع في ظل الصراع القائم إلى إتهام المركزي بأنه حرم الدوّلة من الأموال، في وقت تعود فيه هذه الأموال إلى المودعين وهذا من حقّهم ولا سُلطة للحكومة على هذه الأموال. لذا يأتي طلب التغطية القانونية من خلال قانون 'الكابيتال كونترول' والذي هو مطلب صندوق النقد الدولي'.

وعن المنصة الإلكترونية، يقول عجاقة 'نجاح المنصّة أساس لسحب الليرة من قبضة المضاربين الذي عبثوا بها منذ إعلان إفلاس الدولة وفشل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. ومع رقابة لجنة الرقابة على المصارف، من المتوقّع ألا يكون هناك مضاربة على السعر على هذه المنصّة وبالتالي يتوجب أن يكون السعر على هذه المنصّة أقلّ من سعر السوق. في المقابل لا يوجد أي سبب لبقاء ما يُسمّى بالسوق السوداء التي لن يبقى عليها إلا المضاربين والمخالفين للقوانين (مثل التهرب الضريبي وغيره)، لذا يجب مكافحة هذه السوق السوداء من قبل السلطات التنفيذية'.

وعن تأثير هذه الإجراءات على رفع الدعم يقول عجاقة 'البيان الصادر عن المركزي ينص على أنه راسل الوزارات المعنية طالبًا منها ترشيد الدعم. وهذا يعني أن لا نية في رفع كامل للدعم وهذا أمر جيد. إلا أن هذا الأمر مُستحيل مع تفشّي الفساد وإستمرار المهرّبين والتجار بتهريب السلع المدعومة. لذا نرى أنه من الضروري رفع الدعم عن المواد التي يتمّ تهريبها وإعطاء بطاقة تموينية مكانها، والإستمرار بدعم السلع الأساسية التي لا تُهرّب'.

وعن مصادر تمويل كل هذه المبادرات يقول عجاقة 'الدفع للمودعين سيكون من أموالهم أي من الإحتياطي الإلزامي. أما للمنصّة والدعم فالمصادر عديدة منها تدفقات التحويلات إلى لبنان، ومنها ما كان يؤمّن على السوق السوداء كعرض، ومنها ما ستؤمّنه المصارف، ومنها ما سيؤمّنه مصرف لبنان. وعلى الرغم من إنخفاض حجم الإحتياط القابل للإستخدام إلا أنه بإعتقادنا سيكون هناك قدرة على إستمرار التمويل خصوصًا إذا ما عمدت السلطة التنفيذية إلى التشدّد في محاربة التهريب والسوق السوداء'.

ويختم عجاقة بالقول 'هذه المبادرات هي جسر لعبور أزمة مُتعدّدة الأبعاد، وبالتالي ليست بحّل للأزمة. هناك ضرورة كبيرة لمواكبة هذه المبادرات بسياسة مالية وإصلاحات تقوم بها حكومة أصيلة قادرة على التفاوض مع صندوق النقد وتنفيذ الإصلاحات'.

الأكيد وفق المعلومات ان المشهد المعيشي والاجتماعي كارثي وينذر بالفوضى على المستويات كافة، والمسؤولية تكمن على عاتق الجميع، علما ان من زار حاكم مصر لبنان في الايام الماضية من موفدين سياسيين سمع من كلاما مفاده ان الحاكم لم يتلق اي رد من الوزارات التي راسلها حيال ترشيد الدعم، هذا عطفا على الحكومة التي تواجه لجنتها المعنية خلافات بين وزرائها حيال الدعم . يأتي ذلك في ظل الصراع الدائر بين المراجع الرسمية حيال مسألة الترشيد من عدمه ،ومن يدير ملف البطاقة التمويلية ،وهل ستكون بالدولار ام بالعملة الوطنية. وهنا يقول احد السياسيين ان ترشيد الدعم لو طبق بشفافية سيكون الخرطوشة الاخيرة للعهد الذي يبدو أنه يتجه إلى حرق نفسه بنيران رفع الدعم طالما أنه لا يجترح الحلول الجذرية التي تحمي المواطن واموال المودعين ويتلهي بقشور الحصص الوزارية والنكايات السياسية.علما ان مصادر بعبدا تشدد على 'ان الوقائع معاكسة لما يشاع، فالصرافون يحظون بحماية سياسية والحاكم المركزي يحظى بدوره بغطاء سياسي من مجموعة الحريرية السياسية، وبالتالي كل ما يقوم به المركزي من مبادرات لا تتعدى ذر الرماد في العيون وتأتي بالتنسيق بينه وبين المنظومة التي تحميه والتي قررت مجتمعة وضع العصي في دواليب تصدي الرئيس ميشال عون للفاسدين الامر الذي يفاقم الأزمة الإقتصادية التي يتحمل مسؤوليتها هؤلاء مجتمعين'، بحسب المصادر

قد يهمك أيضا

جمعية مصارف لبنان تعلن أن انهيار الليرة ليس مسؤوليتنا وتكشف الأسباب

بيانٌ من جمعية المصارف بشأن "سقوف السحوبات النقدية"