لندن - العرب اليوم
اتّسع العجز المالي البريطاني الشهر الماضي بشكل غير متوقع، وأصاب المراقبين بخيبة "أمل" بعد وصوله إلى 8 مليارات جنيه إسترليني، خصوصا أن أرقام العجز جاءت في الوقت الذي ينتظر فيه المحللون إعلان وزير المال فيليب هاموند عن الميزانية الأربعاء، إذ أظهرت بيانات الثلاثاء تحديا جديدا لهاموند، ويتوقع المحللون الدعوة لمزيد من الإنفاق، مع ضعف النمو الاقتصادي في المملكة المتحدة.
وقال مكتب الإحصاءات الوطنية الثلاثاء إن صافي الاقتراض في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بلغ 8 مليارات جنيه إسترليني (10.6 مليارات دولار)، مقابل 7.5 مليار جنيه إسترليني في الشهر ذاته من العام الماضي، وكان الخبراء يتوقعون انخفاضه إلى 7.1 مليار جنيه إسترليني، وفقا لتقديرات "بلومبيرغ".
وارتفعت تكاليف الدين بنسبة 25 في المئة عن العام السابق، وهو أعلى مستوى له منذ عام 2007، ليصل إلى 6 مليارات جنيه إسترليني بسبب ارتفاع الأسعار التي جعلت السندات بالمؤشر أكثر تكلفة.
وبارتفاع العجز المالي، يضاف مزيد من الضغوط على كاهل ميزانية هاموند، المثقلة بالأساس بعوامل خارجية وداخلية، على رأسها توفير مزيد من الأموال لفاتورة "بريكست" المتنامية، ومحاولات رفع الأجور، وزيادة الرعاية الاجتماعية، وكل ذلك مع العوامل السلبية التي يواجهها الاقتصاد البريطاني منذ استفتاء الانفصال عن الاتحاد الأوروبي.
وفي الوقت ذاته، قال نائب محافظ "بنك إنجلترا"، (المركزي البريطاني)، إن العمال في بريطانيا أصبحوا أكثر مرونة في مطالبهم بشأن الأجور منذ الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في يونيو/ حزيران 2016.
كان جون كانلايف وديف درامسدن العضوين الوحيدين في لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي اللذين صوتا ضد زيادة سعر الفائدة خلال اجتماع اللجنة في وقت سابق من الشهر الحالي، وكان "المركزي" البريطاني قرر في وقت سابق من الشهر الحالي زيادة سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية.
وقال درامسدن إنه كان يرغب في انتظار "ظهور مزيد من الأدلة" على قوة نمو الأجور ومعدل التضخم قبل البدء في سحب سياسة التحفيز النقدي في بريطانيا، مضيفا في كلمة له في لندن أمس أن "ضعف نمو الأجور الحقيقية، واستمرار ضعف معدل التضخم، وفقا للعوامل المحلية، يعنيان أنني لست مستعدا لتجاهل فكرة أن مرونة سوق العمل ستواصل نموها".
كما أشار إلى أن العمال في بريطانيا أصبحوا أكثر مرونة في ما يتعلق بمطالبهم بشأن الأجور في ظل المتغيرات الجديدة، مضيفا أن متوسط معدل نمو الناتج المحلي تراجع من 7.0 في المئة كل 3 أشهر خلال عامي 2014 و2015، إلى 4.0 في المئة فقط كل 3 أشهر حاليا.
من جهة أخرى، دعت منظمة التعاون الاقتصادي والأمن بريطانيا إلى تحسين التدريب المهني لديها، وجاء في تقرير للمنظمة عن حالة سوق العمل البريطانية، نشر الإثنين الماضي، أنه "على الرغم من أن بريطانيا حققت تحسنا اقتصاديا قويا ورقما قياسيا عاليا لحركة التوظيف، فإن إنتاجية العاملين في بريطانيا لا تزال كما هي ضعيفة".
ورأت المنظمة أنه مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن العجز في العمالة المتخصصة في شركات المملكة المتحدة، من الممكن أن يواصل تفاقمه.
يذكر أن العمال الذين يتم توظيفهم في بريطانيا في مجالات متخصصة، لا يتم تدريبهم في الغالب، وذلك على عكس ما يحدث في دولة مثل ألمانيا.
وطالبت المنظمة، الحكومة البريطانية بأن تشرع في هذا الأمر حتى تحقق زيادة في الإنتاجية والنمو، مشيرة إلى أن السياسة المتعلقة بسوق العمل في بريطانيا يجب أن تركز بالتحديد على تنمية المهارات الصحيحة.
وحذرت المنظمة من إمكانية أن يؤدي خروج بريطانيا إلى تفاقم مشكلة النقص في القوى العاملة المتخصصة في المملكة، ولفتت إلى أن تغيير سياسة الهجرة بعد الخروج من شأنه أن يقلل من فرص وصول العمالة المطلوبة من أوروبا، الأمر الذي من شأنه أن يفاقم أزمة نقص العمالة المتخصصة.
يذكر أن معدل البطالة في بريطانيا وصل، وفقا لأحدث بيانات المكتب الوطني للإحصاءات الصادرة في سبتمبر/ أيلول الماضي، إلى 3.4 في المئة، وهو أدنى مستوى له منذ 1975.
في سياق ذي صلة، أعربت الحكومة البريطانية عن استعدادها لتحسين عرضها من أجل تسديد تكلفة خروجها من الاتحاد الأوروبي لقاء ضمانات من "بروكسل" بشأن اتفاق تجاري مستقبلي بين المملكة المتحدة والتكتل، وذلك حسب ما أفادت مصادر متطابقة الثلاثاء.
واتخذ القرار إثر اجتماع حول "بريكست" الإثنين الماضي بحضور رئيسة الحكومة تيريزا ماي وعدد كبير من وزرائها، من بينهم مؤيدان للخروج؛ هما بوريس جونسون (وزير الخارجية) وديفيد ديفيز (وزير "بريكست").
وحصلت ماي الإثنين الماضي على دعم وزرائها بمضاعفة العرض المالي لتسوية فاتورة "بريكست" بحيث تصبح 40 مليار يورو تقريبا بحسب الـ"تايمز"، وفي المقابل، يطالب الاتحاد الأوروبي بتسديد ما بين 50 و60 مليار يورو.
وأكد مصدر حكومي في تصريحات صحافية أن الوزراء اتفقوا على زيادة العرض الذي سيقدم إلى "بروكسل" دون تحديد رقم.
لقاء ذلك، تأمل لندن في الحصول على ضمانات من "بروكسل" بتوقيع اتفاق "جيد" حول العلاقة التجارية المستقبلية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، حسب ما أوردت صحيفة الـ"إندبيندنت".
وشدد مصدر حكومي آخر: "لم يحسم شيء ما دام لم يتم الاتفاق على كل المسائل في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي"، مضيفا: "كما قالت رئيسة الحكومة.. يجب أن يتقدم الاتحاد الأوروبي وبريطانيا معا".
وتشكل تكلفة "بريكست" أحد الملفات الثلاثة، مع تبعات الخروج على آيرلندا ومصير الأوروبيين المقيمين في بريطانيا والبريطانيين في القارة، التي تريد "بروكسل" تسويتها قبل الانتقال إلى المرحلة الثانية من المفاوضات بشأن العلاقة المستقبلية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
وكان رئيس "المجلس الأوروبي" دونالد توسك أمهل لندن حتى مطلع ديسمبر/ كانون الأول المقبل في حد أقصى من أجل إحراز تقدم في المرحلة الأولى من المفاوضات، قبل الانتقال إلى المحادثات حول العلاقات المستقبلية في نهاية العام.