بيروت _ لبنان اليوم
في ظلّ الركود الاقتصادي القاتل الذي يمرّ به لبنان، وحدها تجارة الخردة تسجّل نمواً غير مسبوق، على حساب سرقة ممتلكات خاصة وعامة. فالسرقات فنون، سقطت معها المحرّمات والخطوط الحمر. كل ذلك في سبيل الحصول على الدولارات الطازجة. وانتعاش هذه السرقات في الليل كما في وضح النهار، يؤكّد الشكوك انّ وراء انتعاشها جهات سياسية نافذة تؤمّن الغطاء لهذه العمليات.حين تُنتهك حرمة الموت بهدف السرقة، فهذا يعني انّه ما عادت هناك خطوط حمر امام أي أعمال سلب او نهب، فالبلد مستباح، وبالتالي لن يكون اللافت فقط في الأيام المقبلة ارتفاع نسبة عمليات السرقة والنشل، انما أيضاً التفنّن في السرقات، وأغربها كان سرقة أبواب مدافن مقبرة في رياق نهاية الأسبوع، اذا أُضيفت اليها سرقة أغطية الريغارات من العاصمة بيروت، وقساطل وكابلات كهرباء وتعدّيات على أنابيب النفط في الشمال...
فهذا يعني اننا امام بوادر غير مطمئنة، ترسم صورة قاتمة للأيام المقبلة.يكشف أحد تجار الخردة لـ»الجمهورية»، انّ العمل في هذه التجارة يستوجب شرطين: الأول ان يملك المال، وذلك ليتمكّن من شراء الخردة ممن يؤمّنها له. وثانياً يجب ان تكون لديه «واسطة» تسمح له بالعمل في هذا المجال، لأنّه مهما علا شأنه لا يمكنه أن يتخطّى أحد كبار النافذين المعروفين في البلد.وشرح انّه يعمل كوسيط بين من يؤمّنون الخردة، وهم افراد عاديون، إما يسرقونها او يجمعونها من النفايات او البؤر. وما ان يستلمها منهم يسلّمها لكبار التجار الذين هم على علاقة مع النافذين، وهم يملكون علاقات مع الدول ويتفاوضون معها لتأمين التصدير المطلوب.
اما عن الأسعار فيقول انّه يبيع كلغ الالمينيوم بـ 1.60 دولاراً، طن البطاريات بـ 950 دولاراً، أما كلغ الحديد فيبلغ 3600 ليرة ليساوي الطن حوالى 3 ملايين و600 ليرة.وكشف التاجر، انّ تصدير الخردة ناشط جداً ومربح، لاسيما اذا كانت تتعلق بمشاريع للدولة. كاشفاً انّه ما ان تلزّم الدولة مشروعاً لأحد المتعهدين النافذين، يسلّم هذا الاخير استخراج الخردة لنا، اي التجار الوسطاء، ما ان نؤمّنها له يقوم بتصديرها لحسابه الخاص، ثم يعود ويستورد الحديد على حساب الدولة بدلاً من ان يشتري الحديد من ثمن تصديره للخردة.
أرقام صادرات الخردة
من جهة أخرى، وبعد ارتفاع نسبة سرقات الحديد في الفترة الاخيرة، يتوقع الباحث في الشؤون الإحصائية عباس طفيلي لـ»الجمهورية»، ان تستفحل السرقات من اجل بيع الخردة في الفترة المقبلة. لافتاً الى انّه تمّت الإضاءة على هذه القضية في الاعلام، لأنّها تزامنت مع عيد الفصح. لكن عدداً كبيراً من المناطق المسيحية والإسلامية شهدت سرقات لأبواب وأقفاص المدافن، ولم يتحدث عنها الاعلام، من دون ان ننسى ما سبق ان أعلنت عنه «اليازا» من سرقة 10 آلاف غطاء ريغار من العاصمة بيروت، والتي تقدّر زنة الواحدة منها بالـ100 كيلوغرام، ويتجاوز ثمن الغطاء الواحد الـ 100 دولار أميركي.
ناهيك عن سرقة درابزين كورنيش صيدا والريغارات الحديدية وسرقة الفواصل على الاوتوستراد والقساطل المعدنية وأشرطة وأعمدة وكابلات الكهرباء، وإلّا، ما الذي يفسّر كميات الحديد التي يتمّ تصديرها من لبنان.وتشير الإحصاءات، الى انّه جرى في السنوات العشر الأخيرة تصدير بما يوازي 3 مليارات دولار من الخردة من لبنان. وتتوزع هذه الأرقام ما بين 1.05 مليار دولار خردة حديد، 997 مليون دولار خردة نحاس، 257 مليون دولار خردة الومينيوم، 3 ملايين دولار خردة زينك و1 مليون دولار خردة رصاص.
اما في العام 2020 وحده، فبلغ تصدير الخردة 350 مليون دولار، بسبب التفلّت الأمني والحبل على الجرار. مبدياً تخوفه من ألّا يبقى أي عامود كهرباء أو غطاء ريغار أو جسر مشاة أو قسطل مياه أو حتى سكك الحديد.أما وجهات الاستيراد، بحسب طفيلي، فتتوزع ما بين اوروبا، اسبانيا، ايطاليا، مصر، اليونان، تركيا، الصين، اليابان، وهي تنطلق من مرفأ بيروت او من مرفأ صيدا. جازماً ان لا تصديراً للخردة الى سوريا لأنّها ملأى بالردميات وهي تملك معامل للاستفادة منها، لا بل هناك تهريب لهذه الردميات من سوريا الى لبنان كوسيلة للحصول على fresh dollar على ان يعيد لبنان تصديرها الى الخارج.
واللافت، أنّ صادرات خردة الحديد شهدت ارتفاعاً ملحوظاً بين عامَي 2019 (67.77 مليون دولار) و2020 والتي بلغت حوالى 83.56 مليون دولار. وتصدّرت اليونان الدول التي استوردت الحديد من لبنان بقيمة 50.88 مليون دولار، بعدما كانت 39.02 مليون دولار في العام 2019. وتصدّرت سويسرا الدول التي استوردت بقايا وفضلات معادن ثمينة او عادية من لبنان في العام 2020 بما قيمته 61.43 مليون دولار، ثم بريطانيا بقيمة 17. 27 مليون دولار بعدما كانت 4.74 ملايين دولار في العام 2019، تلتها المانيا بـ 10.14 ملايين دولار في العام 2020، بعدما كانت 3.44 ملايين دولار في العام 2019.
وأكّد طفيلي انّ انتشار هذه الظاهرة ما كان ليتمدّد بهذا الشكل لو لم يكن وراءه كبار التجار المدعومين من جهات سياسية نافذة، خصوصاً وانّ هذه السرقات تأتي في وقت تنتشر فيه الكاميرات في أرجاء العاصمة، فلماذا لم تكشف الأجهزة الامنية حتى الساعة عن الفاعلين والمتورطين، فالشاحنات المحمّلة بالخردة مرئية من الناس، لماذا لا توقفها الأجهزة الأمنية؟ أما سرقة الريغارات فتتمّ بفانات بأرضية مفتوحة، تقف فوق الريغار وتسحب الغطاء بواسطة معدات متخصصة لذلك، ومن ثم تتابع طريقها الى ريغار آخر بشكل طبيعي، وتكرار هذه العملية 10 آلاف مرة على الاقل (وفق عدد الريغارات) لهو اكبر دليل على انّ التغطية السياسية مؤمّنة.
مرفأ بيروت
من جهة أخرى، تساءل عباس ماذا حصل بخردة مرفأ بيروت التي نتجت من انفجاره في 4 آب، من استفاد من الحديد والنحاس والألمينيوم والرصاص وخردة السيارات؟ من تصرّف بها؟ كيف والى اين تمّ تصديرها؟ فهذا الانفجار ولّد حوالى الـ 300 الف طن حديد خردة وهنغارات، وحوالى 20 الف طن من الزجاج. صحيح انّه سبق وأُعلن انّ هناك شركة المانية اهتمت بإزالة ركام المرفأ، لكن أحداً لم يجب عن هذه الأسئلة ومن الجهة التي استفادت؟
قد يهمك أيضا
لبنان يترقب خطة ألمانية لإنقاذ "مرفأ بيروت "
يعقوب الصراف يقدم وثائق متصلة بملف انفجار المرفأ