لندن - العراق اليوم
ارتفعت أسواق الأسهم العالمية في شهر حزيران/يونيو الماضي، بعد الأداء الضعيف الذي شهدته في آيار/مايو السابق عليه، وذلك بدعم من التوقعات المساندة لقيام البنوك المركزية الرئيسية بتطبيق المزيد من السياسات التيسيرية لتجنب تبعات التباطؤ الاقتصادي، حيث سجل مؤشر "ستاندرد آند بورز" للأسهم الأميركية نمواً بنسبة 6.9 في المائة على أساس شهري، محققاً أفضل أداء مسجل في شهر حزيران/يونيو منذ العام 1955.
كما أدت التوقعات المتعلقة بتباطؤ النمو وإمكانية تطبيق سياسات التحفيز النقدي إلى استمرار تراجع عائدات السندات، حيث تراجعت عائدات سندات الخزينة الأميركية لأجل عشر سنوات دون مستوى 2.0 في المائة في أواخر حزيران/يونيو، في حين وصلت عائدات السندات الألمانية إلى مستوى قياسي منخفض بلغ "سالب" 0.3 في المائة.
ومن جهة أخرى، ساهمت أيضاً الهدنة المعلنة بين الولايات المتحدة والصين - فيما يتعلق برفع الرسوم الجمركية - في تعزيز أداء الأسواق، وذلك على الرغم من أن التوصل إلى اتفاقية تجارية شاملة ما زال بعيد المنال، وفي ذات الوقت، ارتفعت أسعار النفط خلال الشهر مع توقعات بتمديد "أوبك" وحلفائها لاتفاقية خفض الإنتاج حتى العام المقبل، وهو الأمر الذي تحقق بالفعل.
أسعار الفائدة
وقال تقرير لوحدة الأبحاث الاقتصادية العالمية في بنك الكويت الوطني، إنه كما كان متوقعاً، أبقى الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة دون تغيير في حزيران/يونيو عند مستوى 2.25 إلى 2.50 في المائة، إلا أن الفيدرالي مهد الطريق لسياسة نقدية تيسيرية من خلال التخلي عن نبرة "التحلي بالصبر" في إدخال تعديلات على أسعار الفائدة في المستقبل والالتزام بسياسة "التصرف وفقاً لما تقتضيه الحاجة للحفاظ على النمو الاقتصاد".
وعلى الرغم من أن بيانات النشاط الاقتصادي الأخيرة لا تعتبر سيئة بأي حال من الأحوال، فإن مجلس الاحتياطي الفيدرالي يدرس خفض سعر الفائدة باعتباره "تأميناً" ضد تباطؤ النمو الاقتصادي في المستقبل (بما في ذلك نتيجة لتباطؤ التجارة العالمية)، بالإضافة إلى تراجع معدلات التضخم، والذي ظل ثابتاً عند مستوى 1.6 في المائة على أساس سنوي في مايو وفقاً لمؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي، وهو المقياس المفضل لدى الاحتياطي الفيدرالي وأقل بكثير من المستوى المستهدف البالغ 2 في المائة.
من جهة أخرى، أكد التقرير أن الأسواق المالية تتوقع سياسة نقدية أكثر مرونة، مع الأخذ في الحسبان أن أسواق العقود الآجلة وضعت في اعتبارها خفضًا لأسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس على الأقل في تموز/يوليو الجاري، مع ارتفاع الاحتمالات بواقع 92 في المائة خفضاً بواقع 50 نقطة أساس على الأقل بحلول نهاية العام.
وتشير الدراسات الاستقصائية لنشاط الصناعة التحويلية - والتي غالباً ما تعتبر مؤشراً جيداً للاقتصاد بالمفهوم الأوسع - إلى ضعف في الأداء فيما يعتبر من ضمن المخاوف الرئيسية لدى الاحتياطي الفيدرالي، فعلى سبيل المثال، تراجع مؤشر "إمباير ستيت" إلى منطقة الانكماش في حزيران/يونيو، بينما انخفض مؤشر مديري المشتريات الصناعي الصادر عن معهد إدارة التوريدات الذي يتم مراقبته عن كثب إلى 51.7 نقطة، بعد أن بدأ اتجاهه الهبوطي بشكل ملحوظ منذ العام الماضي.
وتتجه الآمال إلى أن ذلك الأداء الضعيف مبالغ فيه بسبب الرسوم الجمركية والمخاوف التجارية التي قد لا تتحقق ما إذا تمكنت الولايات المتحدة والصين من احتواء الأزمة، كما أن قطاع الخدمات، الذي يعتمد في أدائه على الأوضاع المحلية، لا يزال قوياً. فعلى سبيل المثال، ارتفع الإنفاق الاستهلاكي إلى 4.4 في المائة على أساس سنوي في شهري نيسان/أبريل وآيار/مايو، وما زالت ثقة المستهلك (على الرغم من التراجع المسجل في حزيران/يونيو) عند مستويات مرتفعة تاريخياً بدعم من انخفاض معدلات البطالة إلى أدنى مستوياتها منذ 50 عاماً حيث بلغت 3.6 في المائة مع نمو الأجور بنسبة + 3 في المائة.
إلا أنه على الرغم من ذلك، فإنه في ظل موجة النمو الاقتصادي والتي تعد الأطول في تاريخ الولايات المتحدة نظراً لاستمرارها لمدة 121 شهراً، تبدو إمكانية تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي شبه مؤكدة، وتشير تقديرات إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي بنسبة 1 إلى 1.5 في المائة فقط في كل من الربعين الثاني والثالث من العام 2019 أي أقل من نصف النسبة المسجلة في الربع الأول البالغة 3.1 في المائة، والتي تلقت دعماً ملحوظاً بفضل الارتفاع القوي في المخزونات.
الصناعات التحويلية الأوروبية
في أوروبا، يؤثر ضعف قطاع الصناعات التحويلية أيضاً على الاقتصاد الأوروبي في ظل بقاء مؤشر مديري المشتريات التصنيعي لمنطقة اليورو في منطقة الانكماش خلال شهر يونيو، حيث بلغ 47.6 نقطة، فيما منيت ألمانيا بأسوأ أداء مسجلة 45.0 نقطة بما يعكس شده التباطؤ العالمي والشكوك المتعلقة بالسياسة الإقليمية والمشاكل التي يعاني منها قطاع السيارات بالغ الأهمية بالنسبة للاقتصاد الألماني.
وتشير الأرقام إلى تراجع ناتج الصناعات التحويلية بنسبة 0.7 في المائة على أساس ربع سنوي في الربع الثاني من العام 2019، بما قد يحد من نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى ما بين 0.2 و0.3 في المائة، مقابل 0.4 في المائة في الربع الأول من العام.
وتجمع الآراء على ارتفاع النمو في النصف الثاني من العام إذا تعافت التجارة العالمية بفضل تحسن سوق العمل، مع ارتفاع الأجور إلى أعلى مستوياتها منذ 10 أعوام بنسبة 2.5 في المائة في الربع الأول من العام 2019، وانخفاض معدلات البطالة إلى 7.5 في المائة في آيار/مايو، إلا أن ثقة الأعمال ما زالت منخفضة وهناك مخاطر محيطة بآفاق النمو على خلفية الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة (بما في ذلك النزاع القائم على دعم صناعة الطائرات)، هذا إلى جانب انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي (حيث لم يتم التوصل بعد لشروط نهائية لذلك الانفصال)، وارتفاع الدين العام في إيطاليا على الرغم من تقليص النفقات التي أعلن عنها مؤخراً.
وفي هذه الظروف الاقتصادية، وبينما ظل معدل التضخم الأساسي "أقل بكثير من المستوى المستهدف البالغ 2 في المائة"، رغم ارتفاعه بالغاً 1.1 في المائة على أساس سنوي في حزيران/يونيو، أعلن البنك المركزي الأوروبي استعداده لتطبيق حوافز جديدة، وقد يكون ذلك في هيئة خفض أسعار الفائدة، أو على الأرجح استئناف برنامج شراء السندات الذي أوقفه في كانون الأول/ديسمبر الماضي، إلى جانب تطبيق إرشادات استشرافية أقوى بالنسبة للسياسات النقدية المتبعة.
وما لم تتدهور آفاق النمو، فقد ينتظر المركزي الأوروبي حتى اجتماع السياسات المقرر انعقاده في أيلول/سبتمبر المقبل قبل إدخال أي تغيرات جوهرية على سياساته النقدية. ومن المقرر أن يترك ماريو دراغي منصبه كرئيس للبنك في تشرين الأول/أكتوبر، ويأمل بعض المحللين في الإعلان عن برنامج للتخفيف الكمي على المدى الطويل؛ ليس فقط كخيار سياسي أكثر فاعلية، بل كوسيلة لإلزام خلفه باتباع نفس النهج لتحفيز الاقتصاد، ومن المتوقع أن تحل محله كريستين لاغارد، رئيس صندوق النقد الدولي، على الرغم من أنها تعتبر بالفعل من المرشحين المتحمسين لاتباع سياسة نقدية تيسيرية.
الاقتصاد البريطاني
ويظهر الاقتصاد البريطاني أيضاً علامات تدل على تراجع حاد، حيث اقترب معدل النمو الفصلي من الصفر في الربع الثاني من العام 2019 محققا 0.5 في المائة في الربع الأول، وانخفض مؤشر مديري المشتريات لقطاع البناء إلى أدنى مستوياته خلال عقد من الزمن ببلوغه 43.1 نقطة في يونيو في ظل تأخر الاستثمارات على خلفية الشكوك المتعلقة بانفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي.
ويعتبر عمدة لندن السابق بوريس جونسون هو المرشح الأوفر حظاً في الوقت الحالي ليحل محل رئيسة الوزراء تيريزا ماي عند إجراء انتخابات حزب المحافظين لاختيار زعيم جديد في 22 تموز/يوليو، وقد تعهد جونسون بالسعي لتعديل اتفاقية الانفصال المتفاوض عليها مع الاتحاد الأوروبي أو الانفصال "من دون اتفاق" بنهاية أكتوبر، هذا ولن يكون أي من الخيارين سهلاً وذلك نظراً للأغلبية الضئيلة التي تحظى بها الحكومة في البرلمان، لذاك ترتفع فرص إجراء انتخابات عامة والتي لا يمكن التنبؤ بنتائجها بشأن انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي.
ومن جهة أخرى، لمح مارك كارني محافظ بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) مؤخراً بأن أسعار الفائدة يمكن خفضها من 0.75 في المائة حالياً على خلفية المخاطر المتعلقة بانفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي وغيرها من المخاطر العالمية، بما يناقض التوجه الرسمي السابق لرفع أسعار الفائدة بصفة "تدريجية" و"محدودة".
بنك اليابان
أبقى بنك اليابان على السياسة النقدية دون تغير الشهر الماضي، إلا أنه مثله في ذلك مثل الاحتياطي الفيدرالي والمركزي الأوروبي، أشار إلى إمكانية تبني المزيد من تدابير التحفيز إذا استمر تدهور آفاق نمو الاقتصاد العالمي، حيث انخفض نمو الصادرات اليابانية للشهر السادس على التوالي في آيار/مايو إلى "سالب" 7.8 في المائة على أساس سنوي، فيما يعزى بشكل رئيسي لضعف الطلب الصيني على معدات تصنيع أشباه الموصلات وقطع غيار السيارات، في إشارة إلى أن الحرب التجارية القائمة مع الولايات المتحدة قد أثرت سلباً على إقبال المصنعين الصينيين تجاه المنتجات الوسيطة. من جهة أخرى، انخفضت الواردات في مايو (- 1.5 في المائة على أساس سنوي) بعد تسجيلها لنمو بنسبة 6.4 في المائة على أساس سنوي الشهر السابق، بما يعكس ضعف الاستهلاك المحلي.
الصين تتطلع لتعزيز الاستثمار
في الصين، أعلنت الحكومة عزمها مواصلة تحرير القطاعات الرئيسية، بما في ذلك التمويل والتصنيع، في أقرب وقت من العام المقبل، وذلك في محاولة لدعم تدفقات الاستثمار الأجنبي.
ويأتي هذا الإعلان وسط علامات على استمرار الضعف الاقتصادي، لأسباب ليس أقلها التوترات التجارية مع الولايات المتحدة. وفي واقع الأمر، أشارت أحدث بيانات مؤشر مديري المشتريات إلى أداء أضعف؛ حيث تراجع مؤشر مديري المشتريات التصنيعي الخاص إلى منطقة الانكماش في حزيران/يونيو للمرة الأولى منذ عدة أشهر، كما أشار مؤشر مديري المشتريات التصنيعي الرسمي إلى الانكماش أيضاً نظراً لبلوغه 49.4 نقطة، دون تغيير عن مؤشر أيار/مايو.
أما على الجانب المشرق، فقد ظل أداء مؤشر مديري المشتريات الرسمي للقطاع غير الصناعي على نطاق واسع مستقراً عند مستوى 54.2 نقطة. وفي ذات الوقت، استقر أيضاً أداء اليوان (الرنمينبي) خلال شهر حزيران/يونيو، بعد أن انخفض بشكل حاد في مايو نتيجة للمخاوف المتعلقة بالتجارة والنمو الاقتصادي، وذلك على خلفية تقدم المباحثات التجارية وضعف الدولار الأميركي.
تمديد اتفاق «أوبك»
تسببت المخاوف المتعلقة بضعف الاقتصاد العالمي في الضغط على أسعار النفط رغم تمديد أوبك وحلفائها لاتفاقية خفض الإنتاج، المعروفة بـ«اتفاقية أوبك+» لمدة تسعة أشهر إضافية حتى آذار/مارس 2020، والتي انعكست على الأسعار إلى حد كبير قبل الإعلان عنها في أوائل تموز/يوليو.
وفي شهر حزيران/يونيو، تعرضت أسعار النفط لقوى متضاربة ساهمت في تراجعها، حيث تراجع سعر مزيج خام برنت في منتصف الشهر إلى أدنى مستوياته المسجلة منذ كانون الثاني/يناير في ظل تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، قبل أن تساهم الضغوط الجيوسياسية المتمثلة في الهجوم على ناقلات النفط قبالة مضيق هرمز ومنشآت سعودية وانخفاض مخزونات النفط الأميركية في دفعه للارتفاع مجدداً بنهاية الشهر بنسبة 3 في المائة، ليغلق عند سعر 66.6 دولار للبرميل، كما أدت عوامل تضمنت إسقاط إيران لطائرة أميركية من دون طيار، وما تبع ذلك من إيقاف أميركا هجوماً وشيكاً على إيران ثم فرضها عقوبات على المرشد الأعلى علي خامنئي، في المساهمة في زيادة المخاطر الجيوسياسية للنفط.
مجلس التعاون الخليجي
واصل النشاط غير النفطي في دول مجلس التعاون الخليجي اكتساب المزيد من الزخم، حيث سجل مؤشر مديري المشتريات في كل من السعودية والإمارات نمواً ملحوظاً (57.4 و57.7 نقطة على التوالي) في حزيران/يونيو بدعم من زيادة الطلبيات الجديدة والإنتاج. أما على صعيد نمو الوظائف، فقد كان هامشياً.
وتظهر البيانات الرسمية أن الناتج المحلي الإجمالي السعودي قد ارتفع بنسبة 1.7 في المائة على أساس سنوي في الربع الأول من العام الحالي، مقابل 1.5 في المائة في العام السابق مدفوعاً بنمو القطاع غير النفطي بنسبة 2.1 في المائة.
وأخيراً، فإنه وفقا للأونكتاد، ارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 0.1 في المائة في العام 2018، حيث بلغت 17.4 مليار دولار، في ظل اجتذاب الإمارات لنصيب الأسد (10.4 مليار دولار)، إلى جانب ذلك، تسارعت خطوات جذب الاستثمار الأجنبي المباشر والخبرات الأجنبية نحو دول مجلس التعاون الخليجي، وأقدمت السعودية على توفير إقامة دائمة للوافدين من ذوي المهارات المرتفعة والتخفيف من القيود المفروضة على الملكية الأجنبية للشركات المدرجة للمستثمرين الاستراتيجيين.
قد يهمك ايضا