القاهرة-سهام أبوزينة
تتجه الصين نحو تسجيل عام قياسي جديد من التعثر عن سداد السندات المحلية، الأمر الذي يُعد بمثابة اختبار لقدرة الحكومة على إبقاء الأسواق المالية مستقرة في ظل تباطؤ الاقتصاد ومعاناة الشركات لمواجهة مستويات غير مسبوقة من الديون. ويوضح تقرير نشرته وكالة بلومبرج الأمريكية للكاتبين "هونغ شين" و"مولي داي" أن الصين يمكن أن تتخلف عن سداد ما لا يقل عن 17 مليار دولار هذا العام. وساهمت 15 حالة تعثر عن سداد الديون منذ بداية نوفمبر/تشرين الثاني في أن يصل إجمالي الديون التي تم التخلف عن سدادها هذا العام في الصين إلى 120.4 مليار يوان (17.1 مليار دولار) ليكون بالقرب من الديون القياسية التي لم يتم سدادها في عام 2018 والبالغ قيمتها 121.9 مليار يوان. ورغم أن كمية السندات المتعثرة تمثل شريحة صغيرة من سوق سندات الشركات الصينية المتداولة محلياً البالغ قيمته 4.4 تريليون دولار، لكنها أثارت مخاوف انتشار العدوى المحتملة وسط معاناة المستثمرين لمعرفة أيّ الشركات التي ستتلقى الدعم من بكين. وواجه صناع السياسة مأزقاً صعباً وسط محاولة التراجع عن الضمانات التي شوهت أسواق الديون الصينية لفترة طويلة، لكن دون إحداث تباطؤ في الاقتصاد الذي يشهد بالفعل حالة من الضعف جراء الحرب التجارية والنمو الاقتصادي العالمي الضعيف. ويقول المحلل في وكالة فيتش للتصنيف الائتماني ويقيم في شنغهاي "وانغ ينغ" إن السلطات وجدت أنه من الصعب إنقاذ كاقة الشركات. وشهد العام الحالي انتشار أزمات الديون الصينية داخل نطاق واسع من الصناعات بدايةً من المطورين العقاريين ومصنعي الصلب وحتى شركات الطاقة الجديدة وصناع البرمجيات. كما تنوع أنواع المقترضين الذين يعانون من صعوبات في سداد الديون من الشركات الخاصة والشركات المحلية التي تديرها الدولة إلى الشركات التابعة للجامعات وهي بمثابة جزء غامض ومنظم في عالم الشركات الصينية. وأثارت واحدة من تلك الأذرع التجارية للجامعات، "فوندر جروب" التابعة لجامعة بكين، مخاوف المستثمرين يوم الإثنين (2 ديسمبر/كانون الأول 2019) بعدما فشلت في سداد سندات بقيمة ملياري يوان. وفي اليوم نفسه، فشلت كذلك شركة "تونجهسو للتكنولوجيا الإلكترونية"، وهي صانعة مكونات أجهزة العرض الكهروضوئية، في سداد مبكر لكل من الفائدة وأصل قيمة سند بقيمة 1.7 مليار يوان. وظهرت كذلك إشارات الضغوط الأخيرة في سوق التداولات الخارجية للصين، والذي كان بعيداً حتى الآن عن مسألة التخلف عن سداد الديون. وتتجه "تيو جروب"، وهي أحد كبار تجار السلع من مدينة تيانجين الشمالية لتصبح الشركة المملوكة للدولة الأكثر شهرة والتي تفشل في سداد ديون في سوق السندات المقومة بالدولار في أكثر من عقدين. وتقدمت الشركة مؤخراً بخطة لإعادة هيكلة للديون تتضمن خسائر قوية للمستثمرين أو المبادلة بسندات جديدة مع عوائد أقل بكثير، والتي من شأنها أن تكون الأولى من نوعها لشركة مملوكة للدولة وتصدر سندات بالخارج. ومن المحتمل أن تتعثر مجموعة "تيو" عن سداد سند بقيمة 300 مليون دولار مستحق السداد يوم 16 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وهي أحد السندات المدرجة في خطة إعادة الهيكلة، طبقاً المستثمرين الذين استشهدوا بما قاله مدير الشركة للديون بالخارج. أزمة عامة؟ ورغم الأنباء السيئة، يقول المحللون إن خطر أزمة الديون النظامية في الصين لا يزال بعيداً. ويستبعد مدير الدخل الثابت في بنك سنغافورة "تود شوبرت" أننا نشهد نقطة تحول، موضحاً أن الصين سوق كبير يضم العديد من مصدري الأوراق المالية. ويتابع: "في سوق رأس المال، من الطبيعي أن يتوقع المرء بعض حالات التخلف عن سداد الديون". وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، توقعت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني أن يظل معدل التعثر عن سداد الديون في السوق التداول المحلي في الصين هذا العام كما كان في العام الماضي عند 0.5 بالمائة. وقالت وكالة "فيتش" خلال تقرير صادر الأسبوع الماضي، إن معدل التعثر عن السداد بالنسبة للسندات التي تصدرها الشركات الصينية غير الحكومية زاد إلى مستوى قياسي بلغ 4.5 بالمائة في أول 10 أشهر من عام 2019. وأضافت الوكالة أن هذا الرقم ربما يقلل من المستوى الحقيقي لحالات التعثر عن السداد بالنظر إلى أن بعض المقترضين يبرمون تسوية مع حاملي السندات بشكل خاص بدلاً من غرف المقاصة. وترى "فيتش" أن معدل التخلف عن سداد الديون بالنسبة للشركات المملوكة للدولة بلغ 0.2 بالمائة فقط، نتيجة الدعم المالي المقدم من الحكومة وسهولة الوصول إلى التمويل عبر البنوك. ومن أجل مواجهة كومة ديون الشركات والتي تضخمت إلى مستوى قياسي بلغ 165 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي، فإن صناع السياسة في الصين يسمحون بمزيد من حالات التعثر عن سداد ديون السندات لفرض مزيد من الانضباط على المقترضين والمستثمرين. وتشير "آن تشانغ" رئيسة قسم الدخل الثابت في آسيا لدى بنك "جي.بي.مورجان" إلى أن حالات التخلف عن السداد الآخذة في الزيادة يفترض أن تكون جزءاً طبيعياً من دورة سوق الائتمان. وتضيف أنه "من الأشياء الإيجابية على المدى الطويل لأيّ سوق أن يطور آلية تسعير جيدة للمخاطر". ومع ذلك، فإن العملية ستكون أقل صعوبة بالنسبة للمستثمرين إذا نجح صناع السياسة في تحسين الشفافية حول مسألة التخلف عن سداد الديون، وفقاً لما ذكره المحلل في وكالة ستاندرد آند بورز "سندي هوانغ". ويوضح "هوانغ" أنه حتى الآن لا يمكن التنبؤ بحالات التعثر عن السداد والتعافي، مشيراً إلى أن من شأن ذلك إعاقة ثقة السوق وإضعاف النمو الجيد لسوق الائتمان الصيني قد يهمك ايضا: الرئيس الأميركي يدعو البنك الدولي للتوقف عن منح الصين قروضًا مالية تفاصيل إعفاء الصين فول الصويا ولحم الخنزير الأميركيين من رفع التعريفة الجمركية