بيروت ـ لبنان اليوم
ما كان مرتقباً سيقع سريعاً على رؤوس المواطنين والقطاعات كافة. وفيما أكّدت مصادر المالية أنّه لم يتحدّد بعد سعر الصّرف، الذي سيُعتمد للدولار الجمركيّ في موازنة 2022، كان متوسّط سعر الصرف للفصل الأخير من العام 2021، في موازنة 2021، قد بلغ 20000 ليرة لبنانية. وقد حملت موازنة هذا العام أرقاماً عشوائيّة، أعلنت انهيار ما تبقّى من القطاعات الإنتاجية والاقتصاديّة، وأغرقت المواطن بالتضخّم الكارثي من جراء الضرائب والرسوم الموضوعة، التي تفتقد إلى سياسة نموّ.
وقد ارتأت الدولة المفلِسة اللجوء إلى الرسوم والضرائب بشكلٍ أساسي لتغذية وارداتها مختبئة بـ"بغية إعادة تقييم الاستيراد واستيفاء الرسوم الجمركية، وذلك بهدف الحدّ من التهرّب الضريبي ولجم القطاع غير الشرعيّ وتأمين موارد للخزينة"، إضافةً إلى "العمل على تطبيق تصحيح استيفاء رسم الطابع المالي والرسوم العقارية والرسوم الإدارية على القيم المقدَّرة بحسب أسعار صرف فعلية".
فقد قدّرت وزارة المالية في تقرير موازنة 2022 الواردات الاستثنائية بنحو 10262,6 مليار ليرة لهذا العام، بعد أن كانت مقدّرة بـ5351,7 مليار ليرة في موازنة 2021، أي بارتفاع بحدود الـ4910,90 مليار ليرة، وعدّلت احتساب الرسم الجمركيّ والضرائب والرسوم. وتوقّعت أن تعتمد الواردات المرتقبة لعام 2022 معدّل نموّ بنسبة 3 %، ومعدّل انكماش بنسبة 90 %، وترتكز على الواردات الفعليّة المحصّلة خلال النصف الأول من 2021.
ماذا لو اعتُمد سعر الدولار الجمركيّ على سعر منصّة "صيرفة" أو على سعر صرف 20000 ليرة؟
طرح الموازنة الحالية يسير بالطريقة نفسها التي كانت تُعتمد في الموازنات السابقة، وبالتالي "هي موازنة أرقام لا موازنة علاج اقتصاديّ؛ وتعتمد على التشليح الضريبي لا على التصحيح الضريبيّ، وتتضمّن تضخيماً للإيرادات والنفقات". هذا ما يؤكّده الكاتب والباحث في الشؤون الاقتصادية، زياد ناصر الدين، في حديث له.
الموازنة هذه خارج الإنتاج والاستثمار، ولا تزال تعتمد على الاستيراد؛ والدولار الجمركي هو طريقة لزيادة إيرادات الاستهلاك من دون الأخذ بعين الاعتبار انعكاسات هذا الأمر على الأسعار والتضخّم وزيادة فرص الاحتكار في غياب الرقابة، إذ سيزيد التهرّب الضريبي. فالدولار الجمركيّ يحتسب 30% من التكلفة، ما سيسمح للتجار الجشعين باستغلال هذا الأمر لمضاعفة الأسعار.
لكن "الدولة لن تستوفي الإيرادات التي تتوقّعها عبر هذه الموازنة، بحسب ما يرى ناصر الدين. فالاستهلاك سيتراجع بشكلٍ كبير مع زيادة تراجع القدرة الشرائية، وكذلك الاستيراد، وبذلك "يدعون الاقتصاد إلى الدمار". وزيادة التضخّم أكثر سينعكس على سعر الصّرف بشكل سلبيّ. واعتماد الدولار الجمركيّ بهذا السّعر سينعكس على جميع القطاعات الاقتصادية والإنتاجية، وصولاً إلى إضعاف القدرة الشرائيّة؛ والمنافع الاجتماعية لن تفيد في هذه الحال، إذ "انتهى دور لبنان الاقتصاديّ والوظيفيّ، واليوم يعيش حالة ضياع بانتظار إنتاج دور اقتصاديّ سياسيّ وظيفيّ جديد له، لم يتحضّر بعد"، وفق الباحث الاقتصادي.
وفيما لم يُحسَم بعد سعر صرف الدولار الجمركي، يعتقد ناصر الدين بأنّ "سعر 20000 ليرة للدولار الجمركيّ لن يمرّ، وهم يحاولون اعتماد سعر "صيرفة" للدولار الجمركيّ، لكنّ السعر الذي قد يُعتمد هو 12000 ليرة، وكل سعر أعلى من ذلك هو مناورة". فالأرقام التي طرحتها الموازنة ليست مبنيّة على علم؛ والاستيراد انخفض من 23 إلى 12 مليار دولار، والناتج المحليّ من 58 إلى 21 مليار.
وبينما يذهب ناصر الدين إلى وصف الموازنة "بموازنة أرقام لا موازنة علاج اقتصاديّ"، يرى عضو المجلس الاقتصاديّ الاجتماعيّ، عدنان رمال أنّ "الموازنة رقميّة ضريبيّة حملت أرقاماً عشوائية".
وتعتمد هذه الموازنة على الاستهلاك بينما هي ستضرب الاستهلاك باعتمادها الكبير على إيرادات الضرائب والرسوم، من دون أيّ منافع اقتصادية أو تحفيز للاقتصاد. ففرض الرسوم في الاقتصاد يستدعي النمو في المقابل. ويصف رمال، في حديثه لـ "النهار"، اعتماد سعر صرف ما بين 15 و20 ألف ليرة بالـ"كارثة". وحتى إن زادوا للقطاع العام والخاص مرّتين قيمة رواتبهم، فلن يكون لذلك أيّ منفعة على الموظف، فهي زيادة بنسبة 15% من قيمة الراتب قبل الأزمة، بينما التدابير تتّجه إلى وضع أسعار تُوائم الدولار الفريش.
وإذا كان 90% من استهلاك اللبنانيين مستورَداً من الخارج، وخاضعاً للدولار الجمركيّ، فإن اعتماد سعر الدولار الجمركيّ على 20000 ليرة، "سيزيد تكلفة السّلع بما يوازي 15 ضعفاً، بينما ستُرفع الأجور بما يُعادل الضعفين".
وفي سؤال عن نسبة ارتفاع أسعار السّلع، يشرح رمال بأنّ الأمر يختلف ما بين الدول المصدِّرة. فالسلع المستورَدة من الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي معفِيّة من الجمارك، بموجب اتفاقيّات "التيسير العربي" و"اليورو وان".
وإذا ما افترضنا أنّ سعر سلعة معيّنة 100 دولار، وتخضع لرسم جمركيّ يبلغ 20%، فسيكون على المستورِد تسديد 400 ألف ليرة (إذا ما أُقرّ الدولار الجمركيّ على سعر 20000 ألف ليرة)، بينما كان 30 ألف ليرة على سعر 1500 ليرة. ويُضاف إلى هذه السّلعة رسم الضريبة على القيمة المضافة بالفريش. بالتالي، "سيرتفع سعر السلع المستورَدة بشكل جنونيّ"، وجميع السلع المعمِّرة، أيّ السيارات والأجهزة الإلكترونيّة والأحذية والألبسة وبعض الموادّ الغذائيّة الخاضعة للجمرك، التي سيرتفع سعرها على قيمة سعر الصرف، "فشراء سيّارة سيُصبح حلماً".
لكنّ رمال يتحفّظ على اعتماد سعر 20000 ألف للدولار الجمركيّ، "لأنّه لا يُمكن إقرار هذا الدولار الجمركيّ من دون تحسين معيشة القوى العاملة"، وهي تُقدَّر بمليون شخص. وإذا ما احتسبنا أنّ كلّ عائلة تتضمّن 3 أفراد، فما يعادل نحوَ 60% من الشعب اللبناني "سيُعدم".
ويسأل رمال: "كيف للمواطن أن يسحب أمواله من المصرف على سعر 8000 ليرة، ويدفع ضرائب على 20000 أو على سعر صيرفة؟".
أن تزيد الدولة إيراداتها لتيسير أمور إداراتها وتسديد رواتب الموظفين وتأمين خدمات المواطن أمرٌ، لكن المفترض - برأي رمال - زيادة هذه الإيرادات من خلال تقديم أفكار مبتكَرة، ومن خلال خطة اقتصاديّة، وليس على اقتصادٍ منكمش ومتراجع بنسبة 60%، وعلى قطاعات تراجعت بنسبة 80%، وعلى مدخّرات محجوزة.
بالتالي، لا يُمكن تقديم موازنة تعتمد على رسوم وضرائب، وإيرادات غير ضريبية أقلّ بكثير من الإيرادات الضريبية. فالرؤية الإنتاجية غائبة، والدولة لجأت إلى الضرائب كحلّ أسهل في ظلّ النظام الريعيّ، الذي اعتادت عليه بدلاً من مشاريع حيويّة اقتصاديّة، و"إذا ما استمرّت خسائر القطاع الخاص، فسنشهد هجرة الرساميل كما هجرة الأدمغة".
وبمجرّد إقرار زيادة رواتب الموظفين كافّة، وإقرار الدولار الجمركيّ على 20000 ليرة، "سنشهد ارتفاعاً في سعر صرف الدولار"، وفق رمال، لأنّ ضرب القدرة الشرائيّة سيحدّ من الاستهلاك، وستغيب الرسوم لاحقاً، "وهذا يدلّ على تخبّط واضح لدى الدولة؛ فلدى ضرب الاستهلاك سيتوقّف الاستيراد، ولن تدخل الإيرادات إلى الدولة، بينما قامت موازنتها على هذه الضرائب، وحتى الإيرادات المتوقَّعة هي أقلّ من الواقع".
قد يهمك أيضًا:
مقترح جديد لإستبدال الودائع في لبنان براتب تقاعدي بسبب صعوبة عملية اعادتها إلى أصحابها
قطاع السيّارات المستوردة في لبنان يعيش صدمة بعد احتساب الدولار الجمركي على سعر "صيرفة"