بيروت - رياض شومان
اعتبر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن "الازمة المالية العالمية عام 2008 أظهرت أهمية أنظمة الدفع والتسوية من حيث ترابطها عالمياً وفاعليتها، في وقت تتوزع انشطة المؤسسات العملاقة في كل انحاء العالم، ما يمكنها من التلاعب في وضعيتها واخفاء خسائرها، ما حتّم اقتراح قوانين والتشدد بالرقابة عليها وتفعيلها".
ولفت سلامة في دراسة
له نشرتها جمعية المصارف في نشرتها الإقتصادية الأخيرة، الى اننا نشهد ولادة ثقافة جديدة للعمل المصرفي مبنية على الشفافية واحترام قوانين البلد التي تستعمل عملته، حتى لو كانت اعمال هذا المصرف خارج هذا البلد. لم تقتصر التغيّرات على تعاطي المصارف مع زبائنها بل تعدت ذلك لتشمل تعاطي المصارف في ما بينها ولا سيما في اسواق الانتربنك.
ورأى أن "من اجل إعادة الثقة بالمؤسسات المالية والمصرفية، وفي ظل العولمة والتشدد التشريعي في شأن التداول، سنشهد المزيد من التعاون بين المصارف المركزية والاجهزة الرقابية في العالم. وستواجه الدول التي لا تقبل بهذه الشمولية الرقابية، صعوبة متزايدة في تعاطيها مع الخارج، ما سيؤثر سلباً على اقتصادها.
وأضاف: في هذا السياق، ستحمّل الاجهزة الرقابية والحكومات مسؤولية أكبر لادارات المصارف، مبتكرة قوانين وتنظيمات تعاقب المصارف حتى لو كانت اكبر من ان تفلس، في اطار تحوّل جوهري ينتج عنه إمكان إفلاس المصارف العملاقة. فالغضب الشعبي الرافض لاستعمال اموال المكلفين لانقاذ المصارف، يزيد من حماس ممثلي الشعب لاتخاذ اجراءات من هذا النوع، وهناك امل في ان يكون هذا التغيير العقائدي عنصراً ضاغطاً يدفع كل المصارف الى المزيد من الحذر والى التشدد في ادارة المخاطر والسيطرة على الاكلاف التشغيلية. هذا الموضوع هو موضع بحث جاد في مداولات لجان بازل، وستخصص المصارف التي تشكل مخاطر على النظام المصرفي والمالي محلياً او دولياً، بمعايير متشددة لملاءتها وسيولتها.
وقال: اننا نتوجه الى الخروج من الازمة، وسيدفع الثمن النهائي المستهلك والمواطن بسبب السيولة التي اضطرت المصارف المركزية الى ضخها لاعادة تعويم الاسواق. سينتج عن ذلك عاجلاً او آجلاً تضخم وتراجع في القدرة الشرائية، اضافة الى اضطرار الحكومات الى زيادة الضرائب من اجل خفض عجزها والمحافظة على ملاءتها واستقرار الفوائد، وذلك سيخفض الادخار والاموال التي يمكن للأسَر والمؤسسات استثمارها واستهلاكها.
وعن القطاع المصرفي اللبناني قال سلامة: سعى مصرف لبنان الى تعزيز ملاءة المصارف تبعاً لمعايير بازل2 ومن ثم بازل3، ولم تجد المصارف صعوبة في تطبيق ذلك بسبب هذا النموذج. كانت سياسة مصرف لبنان ولا تزال، عدم السماح بإفلاس اي مصرف، ووضعت الاطر القانونية وابتكرت الهندسات المالية لتحقيق ذلك فلم يخسر أي مودع أمواله في مصرف لبناني منذ العام 1993 فنمت الودائع في لبنان وتراجعت الفوائد ما حفز النمو الاقتصادي. وسمحت هذه السيولة بإطلاق قروض مفيدة للاقتصاد وداعمة للاستقرار الاجتماعي كالقروض السكنية والقروض الاستهلاكية ما ساهم في إعادة تكوين الطبقة الوسطى في لبنان بعدما قضت عليها الحرب اللبنانية، وتراجعت القدرة الشرائية بسبب انهيار الليرة اللبنانية خلال هذه الحرب.
وقال: تراجعت الفوائد من 15% في اول التسعينات الى 6% حاليا كمعدل عام. وحصل اهم تراجع لدى انعقاد مؤتمر باريس2 وما واكبه من هندسات مالية حيث انخفضت الفوائد بأكثر من 4% وخلال ازمة 2008 حيث انخفضت بأكثر من 3 %. وفي هاتين المحطتين، كانت السيولة المتوافرة العامل الاساسي الذي مكّن من هذا الانخفاض ويشكل الذهب والسرية المصرفية العنصرين الاساسيين في بناء ثقة نفسية للمتعاملين في السوق اللبنانية وكانت السلطات التشريعية اتخذت قراراً في العام 1986 بعدم التصرف بالذهب، ما سهّل قرار مصرف لبنان عدم المسّ بهذه السلعة الموجودة في محفظته، والتي لا قناعة لديه بجدوى المسّ بها، وخصوصاً في ظل العجز المرتفع في ميزانية الدولة كما ساهم مصرف لبنان في تعدّي مرحلة الضغوط على الغاء السرية المصرفية بالمساهمة الفعالة في إقرار قانون مكافحة تبييض الاموال وانشاء وحدة لديه متخصصة بتطبيق هذا القانون.
وختم سلامة بالقول : اننا ندرك ان النمو سيرتبط الى حد كبير بتحسين قدرة لبنان التنافسية. وما يساعد على ذلك، تطوير اقتصاد المعرفة حيث سيكون الابتكار والقدرة البشرية على اضفاء القيمة المضافة، عنصرين اساسيين للمساهمة في تحسين وضعنا التنافسي.