دمشق ـ ميس خليل
شهدت أسعار العقارات ارتفاعًا جنونيًا في المناطق الآمنة في سورية حتى وصلت إلى خمس أو ست أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب، وانعكست آُثار الحرب والتوترات الأمنية في بعض المناطق على أسعار إيجار المنازل بشكل فاق التخيلات.
وأصبح الحصول على بيت للاستقرار والسكن حلمًا مستحيل التحقيق لدى الكثير من السوريين الذين ﻻ يجدون سببًا منطقيًا لهذا الارتفاع الجنوني.
وفسر متعهّد بناء ياسر أحمد، أسباب هذا الارتفاع برغبة الناس بتحويل أموالهم إلى عقارات لا يفكرون في بيعها، رغبةً منهم بتحويل السيولة النقدية إلى عقار، بسبب حالة عدم الاستقرار التي تعيشها البلاد.
واعتبر الخبير المالي محمد عيسى أنَّ توقف المصرف العقاري السوري عن منح قرضه الذي كان ناظمًا وضابطًا للحد الأعلى للأسعار وغلاء أسعار مواد البناء، وقلة اليد العاملة الشابة، سواء بسبب الهجرة أو الالتحاق بالقتال أوصل تكلفة متر البناء إلى قرابة 25 ألف ليرة سوريّة.
وترافق ارتفاع العقارات مع الارتفاع الكبير لأسعار الأراضي بسبب إقبال الناس على الاستثمار فيها كونها تعتبر ربحًا مضمونًا وآمنًا بالنسبة للكثيرين.
واقترح أحد مهندسي محافظة دمشق منير الزين، مجموعة من الحلول لهذه المشكلة، أهمها ضرورة تصديق المخططات التنظيميّة والتوسّع عموديًا، وليس أفقيًا في البناء وإعطاء الجمعيات السكنية أراضي للبناء عليها.
وحذر الزين من مخاطر هذا الواقع على المجتمع وعزوف الكثيرين عن الزواج لعدم قدرتهم على تأمين مسكن باستثناء أبناء العائلات الميسورة جدًا.
ولم يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة للإيجارات فقد ارتفعت بشكل يتناسب طردًا مع هجرة ونزوح السوريين من المناطق الساخنة والمتوترة إلى مدن أكثر أمانًا، وحاجتهم إلى مسكن من جانب، وجشع البعض من أصحاب العقارات والمكاتب العقارية من جانب آخر.
وأوضح صاحب مكتب عقاري أحمد حلبي، أنَّ هذه الظاهرة أدت إلى قيام البعض باستثمار منازلهم التي يسكنون بها وفصل غرفة عن المنزل وتأجيرها بسعر مرتفع لأصحاب الحاجة.
ودفع ارتفاع الأسعار والإقبال الشديد على الإيجار البعض إلى افتتاح مكاتب عقارية غير مرخصة "مخالفة للقانون" من أجل أعمال السمسرة والحصول على الربح من خلال تأمين المستأجرين للمكاتب العقارية
المرخصة أصولًا، أو من خلال تأمين المنازل لطالبيها بأسعار أقل ما يمكن أن يقال عنها استغلالية.
وفي ظل حاجة المواطنين للسكن يتعرضون باستمرار لعمليات ابتزاز لا يملكون أن يفعلوا أمامها شيئًا لاسيما وأنَّه لا يوجد قانون يُحدد أسعار الإيجارات إنما يكتفي قانون الإيجار بتحديد وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
وتشهد المدن المستقرة والآمنة في سورية كمدينة دمشق وطرطوس والسويداء واللاذقية وبعض مناطق مدينة حلب ازدحام المواطنين المهجّرين من مناطقهم إليها الأمر الذي دفع إلى تضاعف الأسعار فيها، ما حدا بالبعض إلى النزول والسكن عند أقاربهم نظرًا لعدم قدرتهم على تسديد قيمة الإيجار أو مجاراتها.
ودفع هذا الأمر ببعض أصحاب العقارات الحديثة البناء وغير القادرين على إكسائها ماديًا بتأجير عقاراتهم على الهيكل، إذ يقوم المؤجر بتجهيزها مع خصم قيمة مادية من مبلغ الإيجار شهريًا، لكن بهذه الطريقة يضمن المستأجر بقاءه فترة طويلة في المنزل. ودفع البعض الآخر إلى بناء وحدات سكنية دون تحقيق المواصفات بهدف تأجيرها.
واعتبر المهندس ناظم دبب أنَّ المعيار الحقيقي لأسعار العقارات وارتفاعها هو منطقة العقار التي أفرزتها الحرب السورية إلى مناطق آمنة ومناطق توتر غير آمنة.
وبين المناطق الآمنة وغير الآمنة والجشع الكبير لأصحاب البيوت والتجار يبقى أصحاب الدخل المحدود واقفين على عتبة العجز، ينتظرون الفرج بإعلان نهاية الحرب.