طرابلس ـ العرب اليوم
يجلس عبد المجيد بريش على رأس مؤسسة الاستثمارات الليبية في طرابلس، التي تملك أصولاً في أنحاء العالم تصل قيمتها إلى 67 مليار دولار، لكنه يعارض حاليًا رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها منذ العام 2011، فهو يخشى، كما يبدو، أن تضيع أموالها كما "ضاعت 170 مليار دولار أنفقتها الحكومات الليبية المتعاقبة، التي تولّت السلطة عقب إطاحة الحكم السابق قبل أربعة أعوام، من دون أن يظهر لها أثر في تحسين وضع الليبيين على أرض الواقع".
وتمسّك بريش بالتجميد الدولي المفروض على ممتلكات المؤسسة، يقابله موقف معاكس يتبناه "منافسه" على رأس المؤسسة، حسن بوهادي، المعيّن من حكومة عبد الله الثني في طبرق، والذي يدافع عن رفع العقوبات، وفي ليبيا، كما هو معروف، حكومتان، الأولى في طرابلس وتقول إنها تستمد شرعيتها من المؤتمر الوطني (المنتهية صلاحيته)، والثانية في شرق ليبيا وتقول إنها تستمد شرعيتها من البرلمان المنتخب والمعترف به من المجتمع الدولي، وسعت حكومة طبرق التي يقودها عبد الله الثني، إلى تشكيل مؤسسات موازية لتلك الموجودة في طرابلس، والتي خرجت عن سلطتها بعد سيطرة قوات "فجر ليبيا" على العاصمة العام الماضي، مثل المصرف المركزي ومؤسسة النفط الوطنية ومؤسسة الاستثمارات الليبية.
ويؤكد بريش، في مقابلة مع "الحياة" في لندن، أن مؤسسة الاستثمارات الليبية تتّخذ موقفاً "محايداً" في النزاع الدائر بين حكومتي طرابلس وطبرق، معربًا عن أمله في نجاح جهود وسيط الأمم المتحدة برناردينو ليون، في جمع أطراف الأزمة الليبية لتشكيل حكومة واحدة تُنهي الانقسام الحاصل في البلاد منذ طرد حكومة الثني من طرابلس، ويضيف أن الاجتماعات الليبية التي رعاها ليون في الصخيرات في المغرب، نجحت بالفعل في الحصول على موافقة برلمان طبرق وبعض أطراف المؤتمر الوطني في طرابلس، متمنياً اكتمال هذه الجهود بانضمام المؤتمر الوطني كلّه إلى الاتفاق وتشكيل حكومة جديدة.
ويبدو بريش منكبًا على استكمال المهمة التي بدأتها سلطة الاستثمار الليبية في مقاضاة مؤسسات مالية دولية استثمرت ما يصل إلى 2.8 مليار دولار أميركي من الأموال الليبية خلال حكم القذافي، وهي استثمارات خسرت قيمتها خلال الأزمة المالية العالمية قبل سنوات، وحقّق بريش، في اتفاق نادر مع منافسه بوهادي، تقدماً أخيراً في دعويين مرفوعتين أمام المحكمة العليا في لندن، إذ قبلت المحكمة طلب مؤسسة الاستثمار الليبية تعيين "حارس قضائي" للنيابة عنها موقتاً، في استكمال الدعويين ضد مؤسسة "غولدمان ساكس" ومصرف "سوسيتيه جنرال".
وتتّهم المؤسسة الليبية "غولدمان ساكس" بالاستغلال المتعمّد لانعدام خبرة المسؤولين الليبيين في مؤسسة الاستثمار الوطنية، وفق ما يقول بريش الذي يؤكد أن "غولدمان ساكس" بدّد استثمارات ليبية بقيمة بليون دولار، لكنه حقق في المقابل أرباحاً بقيمة 350 مليون دولار، أما الدعوى ضد "سوسيتيه جنرال" فتختلف، إذ إنها ترتبط بمزاعم عن وجود فساد في الصفقات المعقودة مع الجانب الليبي، والتي تبلغ 1.5 مليار دولار، إذ يشير بريش إلى أن الجانب الليبي اكتشف بعد سقوط نظام القذافي، أن المصرف الفرنسي دفع 58 مليون دولار لشخص ليبي قريب من سيف الإسلام القذافي، على أساس أنه مستشار في قضايا مالية بالغة التعقيد على رغم أنه ليس خبيراً بها، مضيفاً أن "وجود رشوة أمر واضح في هذه القضية".
ويـــرفض "غــــولدمــان ســاكـــس" و "سوسيتيه جنرال" اتهامات الجانب الليبي، علماً أن القضية المرفوعة ضدهما (وضد مؤسسات أخرى) تأخرت بضعة أشهر – بدءاً من نيسان/أبريل هذا العام - على خلفية النزاع حول الجهة الشرعية التي يحق لها تمثيل مؤسسة الاستثمار الليبية.
وانعكس الانقسام على رأس المؤسسة تأخراً في سير الدعويين أمام محكمة لندن، فإن هناك مخاوف من أن ينعكس ذلك أيضاً على وضع أصول المؤسسة حول العالم، في ظل سعي بعض الدول إلى تأميم حصص ليبيا في مؤسسات مشتركة (كما حصل أخيراً في ساحل العاج الذي أمّم شركات هاتف محمول تملكها مؤسسة الاستثمار الليبية بحجة استرجاع ديون أو ضرائب مترتبة عليها).
ويـوضح بريـش أن مؤسسة الاستثمارات الليبية أجرت في العام 2014 جردًا لممتلكاتها وأصولها، قامت بها مؤسسة عالمية قدّرت قيمتها بـ67 مليار دولار، وتتألف أصولها غير السائلة من 550 شركة تساوي 27 مليار دولار، في حين أن أصولها السائلة (مثل الأسهم والعائدات الثابتة على الصكوك والموجودات النقدية) تساوي نحو 40 مليار دولار، و85 في المائة تقريباً من هذه الأصول تخضع لقرار تجميد بموجبات عقوبات الأمم المتحدة على نظام القذافي في بداية الثورة عام 2011.
لكن بريش لا يبدو مستعجلاً على رفع هذه العقوبات، على رغم إقراره بأن هناك حاجة إلى بدء العمل على تحسين أداء استثمارات المؤسسة الوطنية الليبية، وإغلاق بعضها المفلس حاليًا أو تغيير إدارة مؤسسات أخرى لتحسين أدائها، وهو يربط ذلك بقيام حكومة ليبية جديدة توحّد طرفي الأزمة الحالية في كلّ من طرابلس وطبرق.
ويؤكد "نحن حريصون على أن تبقى هذه الأموال محجوزة حتى تشكيل حكومة واحدة لكل ليبيا، برلمان طبرق وقّع اتفاق الصخيرات، والمهم الآن أن يوقّع المؤتمر الوطني في طرابلس، الأمور تسير ببطء، ولكن أرجو أن يتم توقيع الاتفاق، فالإرادة الدولية كلّها تسير في اتجاه الحلّ، والشعب الليبي – أي المواطن العادي الذي لا علاقة له بالانقسام السياسي - وحتى الثوار باتوا يقولون: خلاص، لقد تعبنا من الحرب، بعض السياسيين فقط ما زال يعرقل، لكن سيأتي الوقت الذي سيسير الجميع في الحل".
وعلى الرغم من وجوده في طرابلس، إلا أن بريش يؤكد أن مؤسسة الاستثمارات الليبية لا تخضع للحكومة الموجودة هناك، والتي لا يعترف بها المجتمع الدولي، ويوضح "أنا لا أتبع أحداً، أتبع ليبيا فقط".