مؤسسة ماركيت غروب تحذر من احتمال سقوط فرنسا في هاوية مالية
مؤسسة ماركيت غروب تحذر من احتمال سقوط فرنسا في هاوية مالية
باريس ـ مارينا منصف
تتجه فرنسا نحو تجميد نفقاتها على الدفاع والتعليم العالي والأبحاث في محاولة قوية من جانبها للوفاء بالتزاماتها من أجل علاج عجز الموازنة في الاتحاد الأوروبي هذا العام ، الأمر الذي يزيد من السياسات المالية المتشددة مع انحدار البلاد نحو أزمة اقتصادية عميقة، خصوصا مع كلام بأن النظام
الاقتصادي قد تعرض في أساسه للتصدع ويحتاج إلى نموذج للنمو جديد تماما من أجل استعادة قدرته على المنافسة، وأن فرنسا باتت الرجل المريض في أوروبا.
وتأتي هذه الخطوة في الوقت الذي خفض الاتحاد الأوروبي توقعاته للنمو في فرنسا خلال العام 2013 إلى نسبة 0.1 بالمئة ، بما يعني ضمنا تعرض فرنسا لركود اقتصادي مضاعف مضاعفة ثلاثية. يذكر أن توقعات الحكومة الفرنسية للنمو خلال هذا العام هي نسبة 0.8 بالمئة.
وقد أصاب هذا الانكماش الحاد المسؤولين بالدهشة . فقد كشفت دراسة مسحية قامت بها مؤسسة ماركيت غروب المالية ، عن هبوط الصناعة والخدمات الفرنسة إلى معدل 42.2 في المئة خلال شهر شباط فبراير الجاري، وهو معدل هبوط هو الأسرع منذ الأزمة المالية في اوائل العام 2009. والمعروف اقتصاديا أن أي انخفاض يقل عن 50 في المئة يعد بمثابة إشارة خطر واضحة نحو الانكماش الاقتصادي.
وقد حذرت مؤسسة ماركيت من أن فرنسا قد تسقط فريسة لدوامة من الهبوط ، نظرا لأن فقدان الثقة يتسبب في إحجام المؤسسات والشركات التجارية عن الإنفاق . يذكر أن أحد المعايير الرئيسة التي يقاس بها مجموع النقد الفرنسي المتداول ، قد انكمش على نحو أسرع من مثيله في إيطاليا أو أسبانيا على مدى الأشهر الماضية ، ما يشير إلى أفاق المستقبل المتجهم الذي ينتظر فرنسا.
وتقول صحيفة "لوموند" الفرنسية أن الاتحاد الأوروبي سيرسم لفرنسا عجزا في الموازنة يقدر بـنسبة 3.6 بالمئة من إجمالي الناتج القومي هذا العام عندما يكشف عن توقعاته وتبنؤاته الجمعة ، وهي منخفضة بالمعايير الدولية ، إلا أن ارتفاعها عن 3 في المئة إنما هو بمثابة اختبار سياسي لمصداقية الرئيس فرانسوا هولاند المالية.
يذكر أن الانزلاق المالي الفرنسي قد بات أحد مصادر الاحتكاك والخلاف بين كل من باريس وبرلين. ويخشى المسؤولون في ألمانيا من أن خطة الانضباط الجديدة في منطقة اليورو قد تتصدع وتنهار في حال انكسار فرنسا وسقوطها في الفوضى . ويطالب وزراء المال في كل من فنلندا وسلوفاكيا بضرورة عدم منح فرنسا معاملة خاصة.
وقال هولاند الخميس أنه سيصل إلى المعدل نسبة 3 بالمئة في أقرب وقت ممكن ولكنه في الوقت نفسه سيأخذ في الاعتبار ضرورة تجنب السقوط في هاوية التقشف من خلال إسراع الخطوات في هذا الشأن. وقد قام المسؤولون في الحكومة الفرنسية بالكتابة إلى المفوضية الأوروبية يتعهدون بخفض جديد في النفقات يقدر بملياري يورو كبادرة لإظهار حسن النوايا. هذا بالإضافة إلى التخفيضات التي بدأت لتوها والتي تقدر بستين مليار يورو والعائدات الضريبية التي ارتفعت لتوها. وهناك مخاوف من أن أي تشديد وتقشف في هذه المرحلة قد يتسبب في مزيد من المشاكل والاضطرابات
ويقول ستيفين لويس الخبير المالي أن فرنسا ستسلك الطريق نفسه الذي سلكته إسبانيا والبرتغال واليونان ، وأنه ينبغي عليها أن تذعن لما يمليه عليها الاتحاد الأوروبي إلا إذا كانت تنوي الدخول في شجار مع ألمانيا.
ويقوم هولاند في الوقت الراهن بضغط 2 بالمئة من إجمالي الناتج القومي خارج موازنة العام الحالي ، في شكل مزيد من الضرائب ، وهذا ما يعتبر في حد ذاته اسوأ حالة سياسة شد الحزام تواجهها فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية. وينتج عن ذلك بان الانكماش يصبح حرا وطليقا فتتساقط الوظائف الصناعية بمعدل 30 ألف وظيفة شهريا ما يدفع بالبطالة إلى نسبة 10.6 بالمئة وهي الأعلى على مدى 15 سنة. وكلما طال أمد هذا الوضع كما زاد التأثير السلبي والتسبب في اضرار مستديمة للمهارات العمالية.
ويقول البروفيسور جاك سابير رئيس مركز الأبحاث الصناعية في باريس أن الموقف مأساوي وكارثي وأن السياسات التقشفية لا تأتي بفائدة بسبب التضارب المالي ، وقال ايضا أن السبيل الوحيد لتحقيق التوازن في الحسابات ومعاودة النمو يكمن في استعادة السيادة النقدية الفرنسية. واضاف أنه ينبغي على القيادة الفرنسية أن تقرر ما إذا كانت اولوياتها هي استقرار منطقة اليورو أم صحة الاقتصاد الفرنسي.
ويقول مورغان ستانلي أن المزيد من التقشف ينطوي على مخاطر دفع فرنسا إلى السقوط في مصيدة التقشف.
وقال بنك سوسيتيه جنرال أن النظام الاقتصادي الفرنسي قد تعرض في أساسه للتصدع ويحتاج إلى نموذج للنمو جديد تماما من أجل استعادة قدرته على المنافسة، لاسيما وأن نصيبه في صادرات المنطقة الأوروبية قد هبط إلى نسبة 13.1 بالمئة بعد أن كان 18.5 بالمئة العام 1999 ، وهو وضع أسوأ من وضع أسبانيا ، كما أن قطاع الدولة قد تكاثر بنسبة 55 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي.
ودعا البنك الفرنسي إلى عاصفة فرنسية ذات طابع تاتشري " نسبة الى مارغريت تاتشر"من خلال خفض العبء الضريبي على الأجور وإحداث هزة في سوق العمل ، ويقول نيكولاس سبيرو خبير الديون السيادية أن القرارات الفرنسية الجريئة هي الأمل الوحيد ، وأن هولاند غير قادر على إعمال فكره حول الإصلاحات المطلوبة في فرنسا وأن فرنسا باتت الرجل المريض في أوروبا.