المغرب الرائعة
الدار البيضاء ـ ليلى بنزروال الفن المغربي إشكالية بامتياز، وللفنان المغربي خصوصية بامتياز، ففي وقت يحلق فيه فنانو العالم في سماء النجومية وينعمون بحلاوة الألقاب والجوائز، نجد الفنان المغربي نقطة حائرة في أبجدية الفن. كيف لا؟ وهو الوحيد الذي يكرم بعد موته في حين يكرم غيره عشرات المرات في حياتهم، كيف لا؟ و هو الوحيد الذي عوض أن يصفق له في عز عطائه توفر التصفيقات إلى حين رحيله. فحينما ينظر لنجوم العرب والعالم نظرة انبهار وشغف و إعجاب، ينظر لعدد من نجوم الفن المغربي نظرة شفقة وحسرة وحيرة، فهل هذا هو الفن في بلادنا و هؤلاء هم رواده؟ أو ليس المغرب من يصرف المليارات في المهرجانات السينمائية والغنائية التي أضحت اليوم عالمية؟ وهل قدر على كل من اختار مهنة الفن في المغرب الانتظار إلى حين تعرضه إلى وعكة صحية مزمنة لا قدر الله أو مفارقة الحياة حتى يصل إلى مبتغاة ويصبح حديث الشارع وصفحات التواصل الاجتماعي؟. الأسئلة حول هذا الموضوع قد لا تكاد تنتهي لكن الخوف كله أن تبقى محض أسئلة معلقة ولا تجد جواباً و إن وجد الجواب فهل تصل إلى الحل؟ "المغرب اليوم" يطرح الموضوع ليس تقليلا منه للفن المغربي إنما هي غيرة على أسماء لم تبخل علينا من حيث العطاء، أسماء تستحق كل التقدير تضيع في كل يوم لتصبح في خبر كان. الفنان المغربي حالة خاصة من النجومية عبر مواقع الإنترنت وعلى وجه الخصوص"اليوتيوب" حيث تكثر صفحات الجماهير المحبة للفنانين الكبار، اختار عدد من الفنانين المغاربة الخروج إلى الرأي العام عبرها والبوح بأسرارهم وواقع حياتهم الشخصية المزرية، متمنيين حصد تعاطف صاحب الجلالة لتخليصهم مما يعانونه من مرض وفقر ومشاكل أخرى، ولكل منهم قصة يرويها بألم وحرقة وأحيانا بدموع تثير الشفقة. وهناك تضاربت الآراء بين الجماهير وكذلك الفنانون الآخرين ممن لديهم غيرة على الفن المغربي حيث انتقدوا ما أسموه بالتسول في الإنترنت على حساب سمعة الفن المغربي، في حين اتفق آخرون على أنها الطريقة المثلى لكشف المستور وما يقع من كواليس داخل هذا المجال الذي نصف البعض وقهر البعض الآخر. أهملناهم... وبكينا على فراقهم وفي كل يوم نسمع برحيل نجم سبق وأن أحببناه من خلال عدة أدوار، منهم من يختار الرحيل بصمت، ومنهم من يرحل بعد صراع طويل مع المرض، ونعلم أنه وفي كل الحالات هي مسألة قضاء وقدر، والغريب في الأمر أنه لا يأخذ حقه إلا حينما يفارق الحياة، حينها فقط نراه أخيرا عبر شاشات التلفاز، ويصبح مادة إعلامية تتناولها جل المنابر الإعلامية، حينها فقط يتعرف عليه عدد كبير من المشاهدين، وتأخذ أعماله حقها من النجاح ويصبح له اسم فني وسط نجوم الفن، وكل هذا يحدث بعد رحيله. دعونا نستعرض مجموعة من الأسماء الفنية التي ظلمها الفن، أو ظلمت نفسها بامتهانها الفن في المغرب، أسماء تألقت في الكوميديا والدراما والمجتمع وغيره، لو قدمت نصف عطائها للسينما المصرية لكان وفاتها مماثل لرحيل أحمد زكي وعمر الحريري وغيرهم، غير أن الفرق يضل كبير بين الاحتراف والهواية، وعلينا أن نعترف بأننا نعيش الهواية في عالم الفن. وحتى لا ننسى سرد الأسماء التي فقدنها وفي حقيقة الأمر افتقدناها نجد اللائحة طويلة ومع دلك سنحاول استحضار ما يمكن استحضاره. عائشة مناف... ضحية السرطان لا أعتقد أنه تمت من شاهد سلسلة رمانة و برطال ولم تسبب عائشة ضحكة له من القلب، و هي التي أكدت في فترة وجيزة أنها فنانة كوميدية من النوع الرفيع، فنانة قل مثيلها في المغرب وخارجه، عشق فيها الجمهور تقمصها لدور الفتاة الساذجة أو العفوية، وتكهن الجميع لها بمستقبل مشرق. ولأنه في كثير من الأحيان يحدث عكس ما نتمنى، عرفت عائشة مناف غروبا مبكرا لشمس تألقها، بعد إصابتها بالمرض الذي لا نتمناه لأحد، وكما أسلفنا الذكر هي مسألة قضاء وقدر، لكن ومن غير العدل أن تنزل فنانة و بهذا المستوى ورغم كل ما قدمته من عطاء وتميز وفي مستشفى عمومي وتطلب المساعدة من الجماهير لإجراء عملية عاجلة، وتصف حياتها الاجتماعية الفقيرة، أمر لم يسبق أن عهدناه في باقي الدول العربية و أخص بالذكر العرب فقط وليس الغرب. والأصعب أن تواصل دورها في سلسلة "حديدان" رغم مرضها، فكلها أشياء قد لا نرى مثيلا لها إلا في الساحة الفنية المغربية، فشاءت الأقدار أن فارقتنا عائشة مناف وهي في مقتبل عمرها، تاركة خلفها رصيدا فني مشرف، الفن الذي لم تأخذ منه سوى محبة الجمهور وتعاطفهم. عبد العزيز العلوي... والرحيل المفاجئ أضحكنا، و أمتعنا في مسرحيات عدة ومسلسلات كوميدية، آخرها كان في رمضان الماضي، قبل أن نسمع خبر رحيله، الذي صادف مفاجئة كبرى. أن العلوي وبالرغم من كل ما قدمه من أعمال في سنوات فنه، رحل ونصف الجمهور يعرفه كشكل ويجهل اسمه، فكان رحيله مناسبة ليحفر اسمه أخيرا في ذاكرة جمهوره. محمد مجد... فخر المغرب يرحل عنا مزج في أعماله بين الكوميديا، والدراما وما هو اجتماعي، شارك في أعمال عدة منها ما نالت نصيبها من النجاح وأخرى كان لها نصيبها من النقد، لكنها تبقى أفلام ترتقي لقيمة ومستوى هذا النجم الكبير، ولعل أبرزها الفيلم الذي لازال في نظر الجماهير من أروع إبداعات التلفزيون المغربي"ولد الحمرية" و بينها أيضا فيلم "سيدة الفجر" وغيرها الكثير، صحيح أنه ومن القلائل الذين توجوا بعدة جوائز غير انه وبكل واقعية لم ينل حقه من النجومية في المغرب، لا من الناحية المادية أو حتى المعنوية ولا يسعنا إلا القول وداعا محمد مجد. حسن مضياف... بدون تعليق مثير للتعجب والاستغراب أن نجد فنانين يزاولون المهنة بحب وإخلاص منذ فترة التسعينات، وفي آخر المطاف نكتشف أن تلك السنوات لم تكن إلا سنوات من العذاب والفقر والقهر، و هذا ما اكتشفناه من خلال قصة الفنان حسن مضياف الذي ذاع صيته كثيرا من خلال سلسلة خالي عمارة، بالإضافة إلى رمانة و برطال، الذي اشتهر فيها كثيرا، ولم يكن أحد من الجمهور يتوقع أن هذا الفنان قد لا يتوفر على أبسط شروط العيش الكريمة، التي تضمن للمواطن كرامته، ويتضح أن الفقر والعوز اجتمعا معا في شخص هذا الإنسان الذي لم يرى منه الناس إلا كل خير، فكانت حادثة مرضه مناسبة ليتعرف المشاهد عن الوجه الآخر لحياة الفنان المغربي. حسنا مضياف من جهة كان محظوظا لأنه وبعد تدخل الإعلام وصل صوته لصاحب الجلالة فتجاوز محنة الفقر ورحل إلى دار البقاء مطمئنا لأنه وعلى الرغم من أن حياته لم تكن بالمثالية إلا أنه ضمن مستقبلا لقرة أعينه. و للأحياء اليوم نصيب... عائشة مهماه التي رقدت منذ أيام ليست بالقليلة في أحد مستشفيات الدار البيضاء، الفنانة القديرة التي وهبت عمرها للفن وشاركت في بطولة عدد من الأعمال التليفزيونية أبرزها رحيمو، فنانة رافقتها الابتسامة في جل أعمالها وصنعت الابتسامة على محيا جماهيرها، قرت الخروج من صمتها، والبوح بدموع الألم وتحكي قصة سكنها الغير اللائق في إحدى دور الصفيح الذي لا يتوفر على معظم ضروريات العيش، بيت شهد حياة أولادها وكل فتراتها الفنية ليطرح السؤال أين هي وزارة الثقافة في كل هذا . من التمثيل إلى غسل الصحون قدمت ما لديها كله، لكنها وجدت الفقر عائقا أمام استمرارها في الوسط الفني الفنان زهور السليماني، المرأة الشعبية في كل أعمالها هاجرت المغرب لتشتغل في غسل الصحون بإسبانيا، وجدت الأمر الحل الوحيد من أجل إعانة أولادها، ليست بالفنانة المبتدئة وهي من تابعناها في مسلسلات مغربية والبعض منا حينها قد لازال في الابتدائية، ولم تنفعها سنوات امتهانه الفن شيء فقررت الابتعاد عنه رافضة طلب المساعدة من أحد أو إثارة شفقة الناس. نعيمة بوحمالة تواجه المصير نفسه الفنانة القديرة نعيمة بوحمالة التي وعلى الرغم من أن صورتها محفورة في الأذهان إلا أنني متأكدة أن الكثيرة قد لا يتعرف عليها بالاسم حتى يرى صورتها وهذا أيضا من أبرز عناوين التميز في الفن المغربي، هذه الفنانة التي شاركت مع كل من ذكرنا في السابق معظم الأعمال فوجدت نفسها تتشارك معهم معانات الفقر وصعوبة الحياة حالها حال غيرها ممن لم ينصفهم الفن، فخرجت بدورها في رسالة فيديو تروي واقع الحال وتمني النفس في غد مغاير يعيد الاعتبار لكل من يحمل في المغرب لقب فنان. الـ"فيس بوك" المساند الرسمي للفنانين في المغرب حينما عجزت الجمعيات والنقابات والمؤسسات واكتفى البعض بالنظر إلى قضية الفن في المغرب دون تحريك ساكن وترك شركات الإنتاج ومن توكل إليه مهمة المنتج المنفذ وكذلك المخرجين يفعلون ما يحلوا لهم في الساحة الفنية المغربية دون الالتفات لوضعية الفنان المزرية. وقرر رواد موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" من جماهير وشباب يطمح لرؤية الفن المغربي يحتل المكانة التي يتمناها كل منا، ويصل إلى حدود منافسة الأعمال الفنية العربية الكبرى. وأسس الشباب صفحات عبر "فيس بوك" و"تويتر" وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي يدعمون من خلالها الفنانين المغاربة ويؤازرونهم أثناء المرض، كما يطالبون المسؤولين عن الفن في بلادنا من رؤساء المهرجانات والمركز السينمائي المغربي ووزارة الثقافة وغيرها، بمنح الفنان المغربي كل ما يستحقه من مكانة تليق به كإنسان أولا ثم كلسان للمجتمع المعاش. فالفن موهبة جمال التزام ثقافة ورسالة وعلى كل من يمتهنه أن تحفظ قيمته وكرامته وإنتاج لخروج والكشف عن أسراره الشخصية كما هو الحال حاليا ،فهو الناطق الحقيقي لهموم الشعب.