العيون ـ هشام المدراوي
حين تبحث في ذاكرة الفن الحساني الأصيل، عن اسم فني استطاع أن ينجح من خلال مشواره في الجمع بين الأصالة والمعاصرة، وأن يقدم الكثير للأغنية الحسانية الملتزمة والهادفة، فإنك بالتأكيد لن تجد أحسن من الفنانة زغلانة الركيبي، هي التي بدأت حياتها الفنية في سن مبكرة، متأثرة بالوسط الذي احتكت به، ما فتح مجالاً أوسع أمامها للتمرس على مجموعة من القواعد الخاصة بالفن المحلي الأصيل. ولم تكن هذه الفنانة تحتاج سوى لفترة زمنية وجيزة للغاية حتى تتمكن من بلوغ هدفها المنشود، وتصنع لنفسها اسمًا ضمن قائمة عمالقة الفن الحساني. حيث استحقت وبامتياز لقب رائدة الفن الحساني الملتزم والهادف، بشهادة الكثيرين ممن خبروا جيدًا أصالة شخصيتها. فهي فنانة بالفطرة، إنسانة في أدائها. ترعرعت وسط بيئة بدوية تقليدية من قبيلة الركيبات أولاد الشيخ أهل إبراهيم الركيبي. وكان والدها يسمى قيد حياته محمد ولد مسعود الركيبي، رجل دين صاحب علم بليغ له مكانة مهمة داخل قبيلته. وهو الذي حرص على تربية أطفاله على كثير من الضوابط، مع مراعاته في ذلك جانبًا من الحرية التي كانت المنفذ الذي استطاعت من خلاله زغلانة أن تضع لنفسها القواعد الأولى لمسارها الفني، حيث تشبعت فنانتنا خلال مراحلها الأولى بكثير من أصول وتقنيات الفن المحلي الأصيل بمساعدة أشخاص لا زالت تعترف لهم بالجميل، هم الذين كانوا يثقون كثيرًا بمؤهلاتها، ما شجعها على جعل الإنسان والمجال محورين أساسيين لموضوعاتها الفنية. سيرًا على نهج بعض الأسماء الفنية البارزة التي كانت قد ظهرت خلال تلك الحقبة من الزمن، والتي اتخذتها فنانتنا مرجعية رئيسية لتطوير وتحسين أدائها. خصوصًا وأنها كانت تعتبر بأن الفنان، بغض النظر عن اللون الغنائي الذي يستعمله سواء من ناحية الأداء أو الإيقاعات المستعملة يجب أن يجعل من أولوياته المطلقة إيصال مجموعة من الرسائل المهمة، ذات الدلالات البارزة والمعبرة عن عدد من القضايا الاجتماعية والسياسية الآنية، من قبيل الدفاع عن الفئات الاجتماعية ونقل معاناتهم وهمومهم بطريقة فنية سلسة إلى الجهات المعنية بالأمر، أينما كانت أو وجدت، فالغناء في منظورها يبقى اللغة الأمثل التي يمكن أن تجمع بين الشعوب وسائر البلدان بعيدًا عن الانتماءات العرقية أو اللغوية أو الدينية، فالغناء رسالة إنسانية نبيلة وسامية، إن كان في أياد أمينة كانت له نتائج حميدة، وإن لم يكن كذلك، فإن النتائج حتمًا ستكون معاكسة وغير محمودة العواقب. وهو الأمر الذي ركزت عليه فنانتنا المتميزة في المراحل الفنية التي قطعتها، ما مكنها في ظرف زمني قياسي من أن تتصدر قائمة الفنانات الصحراويات المتألقات، اللواتي استطعن بعد مثابرة وكد، أن يرسمن لأنفسهن معالم مسار فني متميز موقع بحروف لامعة من ذهب. فجمعها بين الأصالة والمعاصرة في كل ما تقدمه من فن راق وبديع، مكنها من دخول أبواب الشهرة بمصراعيه.