بيروت - العرب اليوم
طرح رحيل الفنان وديع الصافي التساؤل بشأن استمرار الأغنية الجبلية اللبنانية، لاسيما أن رحيل أحد المطربين، في الغناء الإنساني، والغناء التراثي، يُشكل خسارة لذلك التراث.
يلمس المتتبع للكتابات والمقالات، التي نُشرت بعد رحيل وديع الصافي، نوعًا من "الأسى"، ليس فقط على فقدان واحد من عمالقة الطرب العربي، بل على مستقبل الغناء اللبناني، والعربي عمومًا، حيث اعتبر كثيرون رحيل الصافي،
نهاية عصر طرب جميل، لن يتكرر، حيث وجد البعض أنه "رحل طاويًا معه عصر الطرب، وقد ترك صدى صوته يتردد في أجواء الوطن العربي جميعًا، في مشرقه ومغربه"، فيما يؤكد الكاتب اللبناني نذير رضا أن "وديع الصافي صوت لا يتكرر"، ويرى أن "قوة وديع الصافي في صوته، فوديع لم يكن ذلك الفنان الذي اعتمد على وسامته، أو على معجباته، ليكون ذلك المطرب العظيم"، موضحًا أن "آخر ظهور لوديع الصافي على خشبة المسرح في عام 2010، ورغم بلوغه التسعين عامًا آنذاك، استطاع فيه وديع، رفقة المطربة نجوى كرم، والمطرب وائل كفوري، أن يقدم عرضًا غنائيًا رائعًا، مؤكدًا أن "هذه الوصلة القصيرة التي قدمها عام 2010، ظلت تتردد أصداؤها على مدى ثلاثة أعوام، فوديع الصافي خلق ذلك الجو التنافسي للأغنية الجبلية"، مشيرًا إلى أن "الكثير من المطربين الشباب حاول الاقتراب من صوت وديع الصافي، غير أنهم لم يستطيعوا الوصول إليه، غير أن هناك مطربًا واحدًا استطاع أن يقترب من صوت وديع الصافي، هو معين شريف، بشهادة وديع الصافي نفسه، في عام 2008".
وعن مصير الأغنية الجبلية، لا يرى نذير رضا أن "الغناء الجبلي اللبناني قد انتهى برحيل وديع الصافي"، مشيرًا إلى أنه "منذ ثلاثة أعوام، هناك إعادة إحياء للأغنية الجبلية، فالمطرب عاصي الحلاني مثلاً كرَّس مفهوم الأغنية الجبلية الفلكلورية، وهناك العديد من المطربين غنوا الأغنية الجبلية، صحيح لم يصدروا أغان جديدة، لكنهم أعادوا الغناء الجبلي في صورة جديدة"، لافتًا إلى أن "واحدة من المطربات اللواتي تميزن بهذا الغناء، هي نجوى كرم، والتي تلقب بشمس الأغنية اللبنانية، فصوت نجوى كرم هو صوت جبلي بامتياز، ولم يسبق لنجوى أن غنت بلهجة أخرى كأغلب زميلاتها، بالمصرية مثلا، بل احتفظت لنفسها بطابع لبناني جبلي أصيل يناسب أيضًا خامة صوتها القوية، ذات الخامة الجبلية، كما استطاعت أن تجعل جمهورًا عريضًا من الشباب يُقبل على سماع هذا اللون من الغناء، الذي تحرص أيضًا على تصويره على طريقة الفيديو كليب الحديثة"، مؤكدًا أن "المطرب اللبناني وائل كفوري له أيضا إمكانات صوتية هائلة، تجعله قادرًا على تأدية المواويل والعتابا، والأغاني الجبلية، ورغم أن أغانيه في الفترة الأخيرة تميزت بطابع رومانسي، وابتعدت عن الغناء الفلكلوري الجبلي، فإنه يبقى أملاً كبيرًا للأغنية اللبنانية الجبلية، سيما وأن له أغان شهيرة في هذا المجال، كأغنية شو رأيك، وأغنية ما وعدتك".
وفي شأن أسباب استمرار الأغنية الجبلية، يبيّن رضا أن "هناك أسباب أخرى غير جمالية الأغنية الجبلية وروعتها، ستجعلها قادرة على الاستمرار، منها إيقاعية هذا الغناء، والذي يحفز على الرقص، سواء في الحفلات أو في الأعراس، كما أن الربيع العربي أثر على الأغنية العربية بصورة عامة، فتقلصت أعداد المهرجانات والحفلات، الأمر الذي جعل المطربين يُقبلون على إحياء الأعراس أو الحفلات الخاصة"، مشيرًا إلى أن "هذا النوع من المناسبات لا يتحمّل الأغنية الرومانسية الهادئة، كتلك التي تقدمها مثلا أصالة نصري، أو إليسا، وإنما تتطلب هذه المناسبات أغانٍ إيقاعية، تستطيع خلق جو من الفرح، لذلك فإن المطرب أيمن زبيب من أكثر المطربين الذين اشتغلوا في لبنان في عام 2011"، لافتًا إلى أن "أغاني أيمن زبيب تتميز بالإيقاعية، المحفزة على الرقص".
وأكد رضا أن "مطرب آخر سار في درب الأغنية الجبلية، هو ملحم زين، الذي أعاد غناء بعض الأغاني الجبلية، كما له أغان خاصة في هذا النوع الموسيقي، وكذلك فارس كرم، هو صوت جبلي أيضًا، اختار نمطًا غنائيًا يعتمد على الإيقاع الجبلي، لكن يحمل مواضيع جديدة، يعتبرها البعض جريئة شيئًا ما، كأغنيتي التنورة، ونسونجي"، مضيفًا أن "هناك لائحة طويلة من المطربين اختاروا الغناء الجبلي عنوانًا لتجربتهم، كل يتميز بصوته وبطريقته، وهذه كلها علامات على قوة نبض الغناء الجبلي، الذي لن يموت، ويبدو أن غياب وديع الصافي لن يعني رحيله، فصفاء وقوة صوته يستحضرها محبوه في المشرق والمغرب".