الوالدين يلعبان دورًا في بيئة ملائمة للطفل
الدار البيضاء ـ يسري مصطفى
أكدت اختصاصية علم النفس العصبي في مركز Psycho Eveil الدكتورة فدوى برادة لـ "العرب اليوم" أن شعور الطفل بحب من يحيطون به عامة وبحب الأبوين خاصة، يلعب دورًا مهمًا في جعله ينمو في بيئة ملائمة، تؤهله لتكوين شخصية قوية وسليمة مستقبلًا، والعكس صحيح بمعنى أنه حين يتربى الطفل في أجواء
تفتقر إلى الحب والحنان من والديه أو من أحدهما فسيؤدي ذلك بالضرورة إلى حدوث آثار سلبية عليه من نواحي عديدة سواء كانت جسدية أو نفسية، وأضافت الدكتورة برادة أنه لهذه الأسباب اهتم علماء النفس والتربية بانعكاس الحرمان العاطفي على الطفل، وما ينتج عنه من اضطرابات سلوكية تؤثر على طفولته وتكبر معه.
فماذا نعني بالحرمان العاطفي؟ وما هي أعراضه وأنواعه؟ وأين تكمن أهم أسباب هذا النوع من الحرمان؟ وما تأثيره على نفسية وسلوك الطفل؟ وكيف يمكن علاجه؟ الإجابة في الموضوع التالي.
الحرمان العاطفي مرتبط باختلالات عصبية وعاطفية
تعرف الدكتورة فدوى برادة الحرمان العاطفي بأنه فقدان شحنة الحب والحنان الضرورية في تكوين سوي للأطفال، وهي معاناة الإنسان الناتجة عن غياب المقومات الضرورية لتلبية حاجاته ورغباته النفسية والعاطفية. ويؤثر الحرمان سلبًا على النمو المعرفي عند الأطفال، ويؤدي إلى تحوله إلى كائن عدواني تجاه الآخرين، وخطر على أسرته ومجتمعه، وقد يؤثر حتى على نموه العقلي والحركي والانفعالي واللغوي والاجتماعي، وعندما نتكلم عن الحرمان العاطفي يجب استحضار مجموعة من المعطيات المهمة في علاقتها بتكوين شخصية الطفل ككائن محوري يعاني عدة اختلالات تتصل بعدة جوانب، تخبرنا الدكتورة برادة عنها:
اختلالات مرتبطة بالتعلق أو الارتباط
توضح الدكتورة برادة أن حاجة الطفل الأساسية ترتكز على إقامة علاقة قارة وآمنة مع شخصية أم تستجيب لحاجياته، ومن شأن هذه العلاقة أن تشكل دعامة مهمة للطفل تساعده في استكشاف سليم لبيته؛ لذا منذ البداية يشرع الطفل في رسم نموذج متطور يجسد الأم المثالية، وكلما كان الرباط قويًا بين الأم وطفلها كلما ساعد في نسج علاقات متينة معها، وتشكل بالفعل عاملًا حاسمًا يجسد التطور الطبيعي للطفل، ومقابل ذلك فالفشل في إقامة تلك العلاقة يخلق اضطرابات صعبة ودائمة.
اختلالات متصلة بالجهاز العصبي
بعض الفرضيات العصبية المعاصرة تؤكد بدورها على أهمية وجود الأم في حياة الطفل طيلة السنوات الأولى من حياته. وتشير دراسات أخرى إلى أن النمو الطبيعي للطفل لا يعتمد فقط على توفير الغذاء، بل يرتكز كذلك على وجود الأم وحضورها بجانبه، إذ أن حرمان الطفل من أمه يحدث اختلالات عصبية من خلال زيادة هرمونات التوتر، وهو ما قد يؤثر على المدى الطويل في العملية العاطفية، والفكرية للطفل.
أعراض دالة على الاختلال في الارتباط أو التعلق
تشير الدكتورة فدوى برادة إلى أن الأطفال المحرومين عاطفيًا تظهر عليهم أعراض معينة تبرز حالة الطفل، الذي يعاني الحرمان العاطفي، منها تغيرات في المزاج وانكماش على الذات وفقدان الاتصال مع الواقع والشعور بعدم الأمان والافتقار إلى الثقة بالنفس، والقلق، والاضطراب مع وجود مخاوف شديدة.
حظر الرضاعة الطبيعية سبب من الأسباب
الرضاعة الطبيعية، والتصاق الأطفال بأمهاتهم، لهما أثر بالغ على نفسيات الأطفال، واحتياجهم للحنان والرعاية، وحرمانهم من هذه الرضاعة قد يؤدي إلى إحساسهم بالضياع، والخوف، والضعف، والحاجة المستمرة للبحث عن الحنان المفقود في أي ناحية من النواحي كالاتجاه لكره المجتمع، ومحاولة اتباع سلوك يكاد يكون شاذًا.
النبذ العاطفي من قبل الأهل
في ما يخص النبذ العاطفي، يظل الطفل مقيمًا مع أهله ويحتفظ بروابط أسرية سقيمة، ولا تنهار العلاقة بين الطفل والأهل إلا بعد أن يجتاز مرحلة الطفولة أو في نهايتها، وقد تمر بالعلاقة بين الطفل والأهل فترات من الوفاق قد تطول أو قد تقصر، لكنها تتضمن فترات حرجة من الانتكاسات المتعددة، وهي ما تؤدي عادةً إلى مزيد من التباعد بين الطفل ووالديه، أسرة الطفل قد تكون متماسكة ظاهريًا وذات سمعة مقبولة اجتماعيًا، وتبدو حالة بقية أطفال الأسرة طبيعية، وهذا ما يجعلنا أمام حالة النبذ النوعي، الذي ينصب على أحد الأبناء دون غيره، وينتج هذا النبذ إجمالًا عن دوافع نفسية لدى الوالدين أو أحدهما أو يكون تعبيرًا عن صراع زوجي غير ظاهر، ويبدو الأمرعندئذ وكأن الفرد (الطفل المنبوذ) هو المصدر الوحيد لمعاناة الأسرة ومشاكلها.
الطلاق من بين أسباب الحرمان العاطفي
تتحدث آخر الإحصائيات عن ارتفاع نسبة الطلاق في المغرب إلى 80 في المائة خلال هذه السنة، وهي نسبة تجسد حالات التفكك الأسري وأبناء حرموا من دفء الأسرة، الذي لا يعوضه أي دفء بديل من قريب أو صديق. قرار الطلاق في لحظة طيش أو غضب أو نتيجة استحالة استمرار حياة مشتركة في ظل (العنف، والإهانة، وعدم الاحترام المتبادل، أوعدم الانسجام، والإهمال، أوعدم تحمل المسؤولية، ومصاريف البيت، وتربية الأطفال، والصراع الدائم من أجل الهيمنة على الآخر…)، كلها عوامل تؤدي بشكل مباشر أو غير مباشر إلى الطلاق، يدفع ضريبته بالدرجة الأولى الأبناء.
الأطفال المحرومون عاطفيا معرضون لسكتات دماغية
ذكرت دراسة أميركية حديثة أن إهمال الأطفال عاطفيًا يحرمهم من القدرة على الحصول على التفاعل الاجتماعي، والعواطف الأساسية التي يحتاجونها، والجديد الذي كشفته الدراسة، هو وجود علاقة بين إهمال الأطفال عاطفيًا وبين إصابتهم بالسكتات الدماغية في المستقبل، هذا ما اكتشفه الباحثون في جامعة "رَش" الأمريكية، الذين قاموا بتحليل الحياة العاطفية لنحو ألف بالغ تعرضوا لسوء معاملة عاطفية أو بدنية قبل سن الثامنة عشرة، وتم سؤالهم عما إذا كانوا يشعرون بأنهم محبوبون من الأهل أوالراعين لهم، أو أنهم كانوا يتعرضون للعقاب البدني، واستغرقت الدراسة نحو أربع سنوات وتم الاستنتاج بأن الأشخاص، الذين عانوا إهمالًا عاطفيًا في طفولتهم هم أكثر عرضة بثلاثة أضعاف للإصابة بسكتات دماغية لاحقاً، مقارنة بمن لم يتعرضوا لهذا الإهمال في طفولتهم. كما أن الأطفال الذين يعانون إهمالًا عاطفيًا معرضون للإصابة بأمراض نفسية.
ونصح الخبراء بتجنب أي سلوك يؤثر على النمو العاطفي للطفل، كالحطّ من شأنه والقسوة والمضايقة والتهديد والعزل والرفض، لما في ذلك من تأثير كبير على إحساسه بقيمته الذاتية وثقته بنفسه وصحته النفسية في المستقبل، وإحاطته مقابل ذلك بالرعاية والحنان.
سبل علاج الحرمان العاطفي
تؤكد الدكتورة برادة أنه لابد من الإشارة إلى أن الأطفال المحرومين عاطفيًا يمكن أن يكون لهم موقفين، الانكماش على الذات أوعقد علاقة غير لائقة مع الآخر، ويجب التركيز على أن الحرمان العاطفي ليس مرضًا لايمكن علاجه، ولكن نتائجه تظل منعكسة على الشخص، الذي يعانيه إضافة إلى محيطه الحميمي"العائلة، الأصدقاء، وجميع من له صلة به". وتشدد على أن الطفل يحتاج إلى إعادة البناء من جديد، ولابد من طمأنة الطفل، والأخذ بيده ليصل إلى بر الأمان اعتمادًا على الإجراءات التالية:
لابد أن يلجأ المحروم عاطفيًا إلى ذوي الشخصيات القوية والمسلحين بالصبر، واللطف أيضًا، إضافة إلى إخضاعه لعلاج نفسي فعال، ومعرفة كيفية تشجيع الطفل على اكتشاف شخصيته، وتحديد أهداف سهلة لتحقيق تطور في معالجة الصعوبات الطارئة. الارتباط بالوالدين والتعلق بالأم خصوصًا، عملية مشتركة بين الأطفال وذويهم.
ويدرك معظم المهتمين أهمية العمل على إنشاء الصلة بين الأطفال الصغار وأفراد أسرهم، واتخاذ القرار الملائم في الوقت المناسب، كما أن بناء الثقة لشخص قد يأخذ وقتا طويلًا وربما قد يكون مؤلمًا ولكن لابد من الشجاعة والعزم لبلوغ الهدف.