بغداد – نجلاء الطائي
مع اقتراب حلول شهر رمضان المبارك تشهد دوائر السفر والجنسية حالة من الازدحام غير الطبيعي من قبل الكثير من العوائل العراقية، وهي تعد العدة لإكمال إجراءات سفرها بسرعة الى الدول المجاورة كإيران وتركيا ومصر ولبنان، على أمل ان تعطيهم تلك الرحلة مقومات الصمود وفرصة أكبر لإتمام شهر رمضان المبارك هناك، حيث الأجواء الباردة وتوفر الطاقة الكهربائية.
ابو زيد استكمل كل الإجراءات الأصولية وينتظر بفارغ الصبر موعد استلام الجوازات وهو يعد العدة الى مغادرة العراق مع عائلته الى ايران او الى كردستان على أمل ان يمضي هناك خمسة عشر يوما او أكثر كي يتسنى له قضاء شهر رمضان للهروب من الحر وعدم الحاجة الى التفكير بانقطاع الكهرباء والبحث عن البنزين للمولدة.
كاظم ساهي هو الآخر كان على موعد دائم تقريبا مع ايران الذي اعتاد على زيارتها في شهر رمضان المبارك كي ينصرف وعائلته الى اتمام فريضة الصوم وزيارة المراقد المقدسة هناك والاحتماء من الحرارة العالية التي يشهدها العراق.
ويعتقد المدرس محمد مجهول بان الوضع الاقتصادي هو الذي جعل من العراقيين شديدي الحساسية تجاه الصيف ومعانقة الدولة الاقل حرارة ولولا تحسن الحالة المعاشية لما تسنى للعراقيين عبور حدود المنافذ الحدودية حتى وان أصبحت ارض العراق جهنم فهم على استعداد كامل للبقاء فيها وهذا هو واقع العراقيين قبل سقوط النظام.
أم عبير طبيبة نسائية وهي تستعد للذهاب الى بيروت وقد أتمت كل اجراءات السفر الى هناك حتى الحجز المسبق للطائرة والفندق وان مشوار سفرها يستمر الى ما بعد عيد الفطر المبارك وذلك من اجل قضاء فترة نقاهة واسترخاء وإتمام شهر رمضان بعيدا عن أزمة الماء والكهرباء والبنزين ومن اجل أن ينعم أفراد عائلتها بالاستقرار والطمأنينة.
ولم يمنع ارتفاع اسعار المواد في السوق العراقية مع قدوم شهر رمضان المبارك، العراقيين من التبضع والاقبال على الاسواق، لكن بصورة متفاوتة وفقا للحالة المادية لكل أسرة.
ولهذا تشكو ابتسام هادي (43 سنة) وهي تتحدث لـ"العرب اليوم " من ارتفاع اسعار المواد الغذائية الاساسية التي تدخل في طبخ الشوربة السائلة التي يحتاجها الصائم.
وقالت ابتسام التي حضرت مع شقيقة زوجها وابنتها لشراء كميات من المواد الغذائية في منطقة المنصور غربي بغداد "رمضان شهر الصيام لذلك يحتاج الانسان إلى انواع خاصة من الطعام والشراب، لذلك أنا هنا من اجل شراء ما احتاجه لعائلتي خلال هذا الشهر".
وبينت أنها لم تذهب إلى سوق الشورجة ، أحد أشهر أسواق بغداد القديمة، للتسوق بسبب الازدحام الشديد وارتفاع درجات الحرارة. واوضحت انها من عائلة ميسورة الحال وتستطيع شراء ما تحتاجه، متسائلة من يوفر احتياجات الاسر الفقيرة؟، داعية التجار إلى عدم استغلال اقبال الناس على شراء المواد الغذائية لرفع اسعارها لتحقيق الارباح على حساب الفقراء.
واكدت ابتسام أن "الدين الاسلامي هو دين التسامح والتعاون، ورمضان شهر كريم يجب أن نتعاون فيه مع بعضنا لا أن يستغل بعضنا الاخر".
ويقول ابراهيم ابو فهد صاحب محل لبيع المواد الغذائية لـ"العرب اليوم" "إن سبب ارتفاع اسعار المواد الغذائية يعود للمستوردين الكبار ، الذين رفعوا من اسعار الجملة لذلك نحن بدورنا نقوم برفع اسعار المفرد ، التي يتحملها المستهلك".
واوضح ابو فهد أن المستوردين الرئيسيين يبررون سبب ارتفاع الاسعار باجراءات السيطرة النوعية، التي جعلت التجار يعزفون عن ادخال بضائعهم عبر ميناء ام قصر ، الامر الذي اضطرهم إلى تحويلها إلى موانىء اخرى ونقلها برا إلى المنطقة الشمالية للتخلص من الاجراءات الروتينية.
واكد ابو فهد أن انخفاض اسعار السلع وخاصة المواد الغذائية يساهم في انتعاش حركة البيع والشراء، لانه كلما تكون الاسعار منخفضة فان عدد المتبضعين يرتفع اكثر وبذلك يحقق صاحب المحل ارباحا اكثر. واعرب عن امنياته بان يتحقق الوئام ويسود الامن والاستقرار ربوع العراق، ويتخلص العراقيون من اعمال العنف التي حصدت ارواح الكثير منهم.
وهناك من العراقيين من لا يكترث لمسألة ارتفاع اسعار المواد الغذائية لان ذلك شيء مقبول حسب وجهة نظرهم، لان المسألة قضية عرض وطلب، ويؤكدون أن ما قصم ظهر مدخولاتهم الشهرية هو ارتفاع اسعار الوقود، وخاصة وقود المولدات الكهربائية التي توفر الكهرباء لهم في ظل نقص كبير في التيار الكهربائي يصل إلى اكثر من 18 ساعة في اليوم الواحد.
وقال اسعد محمود لـ "العرب اليوم " إن "شهر رمضان يصادف مع موجة الحر التي تجتاح البلاد، حيث تصل درجة الحرارة إلى اكثر من 45 مئوية، يقابله خمس إلى ست ساعات كهرباء، من قبل الحكومة، اما البقية فيجب على المواطن أن يتصرف ويوفر الكهرباء لعائلته، الامر الذي ادى إلى ارتفاع اسعار مادة الكاز (السولار) التي تستخدم كوقود للمولدات.
واضاف بلغ سعر الليتر الواحد من الوقود اليوم (1000 دينار عرقي، اقل من دولار أميركي، في حين أن سعره الرسمي يبلغ 400 دينار عراقي)، لكنه غير متوفر في محطات الوقود، بل متوفر لدى الباعة وفي السوق السوداء، وقال "مازاد الطين بلة أن الحكومة قررت فتح محطات لبيع الوقود بسعر تجاري يبلغ 850 دينارا للتر الواحد من اجل خفض سعره".
وتابع "لو أن الجهات الرسمية في وزارة النفط عازمة على خفض اسعار الوقود في السوق السوداء، لكانت وفرت وقود المولدات وبالسعر الرسمي وفي جميع محطات الوقود، خصوصا وانها تعلن (وزارة النفط) أن لديها كميات كبيرة من الوقود، لا أن تلجأ إلى اساليب غير صحيحة لتحقيق ارباح على حساب المواطن".
وأيد حيدر حاتم ما طرحه اسعد، واوضح أن عائلته خصصت 60 بالمائة من ميزانية شهر رمضان لشراء وقود للمولد لانهم لا يستطيعون اتمام الصيام في ظل درجة حرارة تتجاوز الـ 45 مئوية ولايوجد تيار كهربائي، محملا المسؤولين الفاسدين مسؤولية النقص الحاصل في الكهرباء.
ولشهر رمضان في العراق نكهة خاصة حيث تبدأ التحضيرات لهذا الشهر الكريم قبل بدايته فيقوم الناس بشراء المواد الغذائية التي يحتاجونها في تحضير وجبات الافطار والسحور وهي تكون متنوعة تشمل المواد الغذائية الاساسية والحلويات والعصائر التي تجهز في اكثر الاحيان في البيت.
ومن طقوس رمضان في العراق انتشار لعبة المحيبس التراثية (يتم اخفاء خاتم في يد احد اعضاء فريق، والمطلوب من الفريق الثاني ايجاد هذا الخاتم)، بشكل لافت للنظر وتستهوي هذه اللعبة آلاف العراقيين من لاعبين ومشجعين، وتمارس في الأحياء والمقاهي الشعبية منذ مئات السنين، واشتهرت هذه اللعبة في اقدم المحال البغدادية القديمة كالكاظمية والاعظمية والجعيفر والرحمانية.