الرئيس الجزائري بوتفليقة يتحدث مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في الجزائر
لندن ـ سليم كرم
يراود المحللون السياسيون "مجموعة من التساؤلات بشأن طبيعة الجزائر التي من الممكن أن تشهد تغيرًا بعد الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون خلال الأسبوع الماضي، وفي أعقاب الحرب التي دارت أخيرًا بالقرب من حدودها، ولا سيما أن الجزائر تعتبر من أكبر دول المغرب
العربي وتتميز بالتحفظ والانعزالية".
وتشير صحيفة "الديلي تلغراف" البريطانية إلى أن "الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عندما ظهر إلى جوار كاميرون الأسبوع الماضي لم يتحدث وترك الحديث كله إلى رئيس الوزراء البريطاني، وأن بوتفليقة عندما ظهر أمام عدسات المصورين داخل قصر الرئاسة، كان أشبه بالمومياء، في الوقت الذي كان فيه كاميرون يلقي بكلمته الافتتاحية، ثم قام بعد ذلك بالإجابة على أسئلة الصحافيين عبر مترجم فرنسي".
وقد يعود التحفظ الجزائري وصمت الرئيس الجزائري (75 عامًا)، إلى مرضه، والذي يتردد أنه يعاني من سرطان في البنكرياس، مما أدى إلى عدم ظهوره لأشهر عدة، ويُرجح البعض أن "صوته بات ضعيفًا واهنًا جعله لا يقدر على الإدلاء بتصريحات في تلك المناسبة"، إلا أن الصحيفة أكدت أنه "لا أحد يعرف السر في تكتم وتحفظ الرئيس، وفسرت ذلك في ضوء السياسات المتحفظة التي تبديها الجزائر".
وبصرف النظر عن حالته الصحية، فإن المعروف عن بوتفليقة أن كلماته دائمًا قليلة، إلا أن "الأحداث دائمًا ما تجبره هو والنخبة الحاكمة التي دائمًا ما تهتم بنفسها وفي الداخل على حساب الخارج، على الظهور والخروج من القوقعة الداخلية ومواجهة بعض القضايا الشائكة"، وعندما تقدمت فرنسا بطلب السماح لطائراتها بالطيران عبر المجال الجوي الجزائري لضرب المسلحين الموالين لتنظيم "القاعدة" في مالي ووقف تقدمهم إلى الجنوب، جاءت الموافقة بعد تردد.
وبعد ذلك، قامت جماعة من الإرهابيين يقودهم جزائري، تُطلق على نفسها اسم "الموقعون بالدم" بهجوم دموي على منشأة الغاز التابعة لشركة "بي بي البريطانية" في الصحراء الجزائرية، أسفر عن مقتل 38 من الأجانب، مما دفع برئيس الوزراء البريطاني إلى طرق أبواب الجزائر يطلب منها التعاون عن قرب في مجال مكافحة الإرهاب.
لقد أدت تجربة المعاناة الاستعمارية على مدى 130 عامًا، وانتهت بحرب دموية من أجل الاستقلال استمرت من العام 1954 وحتى العام 1962، إلى انتهاج البلاد سياسية خارجية انعزالية وصارمة، إذ يمنع الدستور التدخل العسكري في شؤون الدول الأخرى، ونادرًا ما تشارك الجزائر بقوات في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. ومع ذلك فإن الجزائر ترغب في النظر إليها باعتبارها دولة مرموقة ومتفوقة في شمال أفريقيا.
ويقول الكولونيل السابق في الجيش، محمد شفيق مصباح، إن "المبدأ الذي تتبعه الجزائر يتلخص في أنها لا ترغب في التورط، ولكنها في الوقت نفسه، لا ترغب في أن تفقد نفوذها في المنطقة، ومنذ انقسام السودان العام 2010 باتت الجزائر أكبر دولة في أفريقيا من حيث المساحة، وهي تمتلك احتياطًا ضخمًا من البترول والغاز، كما أنها من أغنى دول القارة، إضافة إلى أن دولاً مثل إسبانيا وإيطاليا في أوروبا تحرص على أن تظل الجزائر مستقرة، كما أن شركة الغاز والنفط الجزائرية (سوناطراك) هي الأكبر في أفريقيا، وتتباهى الجزائر بجيشها، باعتباره واحدًا من بين عدد قليل من أفضل جيوش القارة.
وفي ما يتعلق بجهاز المخابرات السرية، المعروف اختصارًا بإسم "دي آر إس"، فهو يعرف الكثير عن الحركات الإسلامية المسلحة، كما أنه خاض معارك شرسة معها في بعض الأحيان، منذ بداية فترة التسعينات.
وتعاني العاصمة الجزائرية من إهمال على مدار سنوات، ومع ذلك فهي لا تزال واحدة من بين مدن البحر الأبيض المتوسط الكبرى، وتتشابه المدينة في معمارها بأناقة مدينة مرسيليا الفرنسية، كما أن بحرها يشبه في هديره نابولي أو أسطنبول، أما شعب الجزائر، فهو شعب حماسي عاشق لكرة القدم، وفي الوقت الذي يؤذن فيه المؤذن للصلاة خمس مرات يوميًا، تقوم الفنادق والحانات في حذر شديد بتقديم البيرة المستوردة والخمور الجزائرية.
وتنظر الصحيفة البريطانية، إلى الجزائر باعتبارها "دولة بوليسية، ولكنها لا ترى في ذلك غضاضة طالما كان ذلك أمرًا حيويًا، لاحتواء التطرف الإسلامي في المنطقة، ولعل ذلك يفسر سبب زيارة كاميرون للجزائر واصطحابه معه في هذه الرحلة مستشارة للأمن القومي كيم داروش، ورئيس الاستخبارات البريطانية (إم آي 6 ) جون سويرز".
وقد حصل كاميرون على وعود بمزيد من التعاون في مجال الاستخبارات والدفاع ومكافحة الإرهاب، إضافة إلى اتفاق حول إعادة فتح مدرسة اللغة الإنكليزية في المجلس الثقافي البريطاني، والتي سبق إغلاقها قبل 20عامًا، ومن المتوقع أن تشهد العلاقات التجارية بين البلدين نموًا، ولكن لا تزال هناك بعض الشكوك بشأن مدى رغبة الجزائر في التعاون الأمني مع بريطانيا.
ويقول الكولونيل مصباح، إن "العلاقات بين البلدين لن تتغير كثيرًا، وأن ما حدث ما هو إلا محاولة للظهور أمام الرأي العام بأن الجزائر لديها علاقات مع بريطانيا العظمى، كما أن بوتفليقه فعل ذلك، لأنه يعرف أن هذا ما ينبغي عليه فعله، لأنه سينعكس على شعبيته، وإن الهاجس الأمني الذي عانت منه الجزائر على مدى 20عامًا، يجعل من الصعب أن يسير التعاون حول القضايا الحساسة مع الوافد الجديد نسبيًا، بسهولة ويسر".
ويتنبأ الكولونيل مصباح بأن "الرئيس الجزائري قد يتفهم مدى حاجة الجزائر لتوسيع نطاق صداقاتها الخارجية، إلا أن المرحلة العمرية التي وصل إليها ونشأته واتصالاته تجعله أكثر ارتياحًا في التعامل مع باريس مقارنة بلندن، وينطبق الشئ نفسه على بقية النخبة الجزائرية على مدى 60 عامًا، وهناك تكهنات بأن الرئيس الجزائري سيرشح نفسه لفترة رئاسة رابعة في العام 2014، وقد يحتاج كاميرون للتريث قليلاً حتى يكون الرئيس الجزائري قادرًا ومستعدًا للتحدث علنًا سواء بالفرنسية أو بالإنكليزية".