العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين
عمان ـ إيمان أبو قاعود
أكد ، أن أهم التحديات التي تواجه الأردنيون هي محاولات البعض التشكيك في نجاح مسيرة الإصلاح السياسي، نتيجة عدم الاستيعاب وسوء التفسير لما يرافق عملية التحول الديمقراطي من قلق وجدال، ومناكفات بين مختلف التيارات والتوجهات السياسية
أو الفكرية أو الحزبية.
وقال العاهل الأردني، في خطاب ألقاه صباح الأحد في حفل تخريج الفوج العسكري من جامعة مؤته، "إن هذا أمر طبيعي ومتوقع، وهو جزء من أي عملية تغيير في مختلف دول العالم، وهو ظاهرة صحية وضرورية لترسيخ ثقافة الحوار الديمقراطي البناء والعمل السياسي الفاعل، وأن ارادة التغيير الإيجابي موجودة وراسخة، وعندنا المؤسسات الوطنية القادرة على ترجمة هذا التغيير على أرض الواقع، وفق خارطة الطريق الواضحة المعالم، وعلى أساس تكامـل الأدوار بين جميع مكونـات نظامنا السياسي، وأن خارطة الإصلاح السياسي واضحة، وهي إنجاز الـمحطات الديمقراطية والإصلاحية الضرورية للوصول إلى حالة متقدمة من الحكومات البرلمانية، على مدى الدورات البرلمانية المقبلة، والقائمة على غالبية نيابية حزبية وبرامجية، يوازيها أقلية نيابية تشكل معارضة بناءة، وتعمل بمفهوم حكومة الظل في مجلس النواب، وتطرح برامج وسياسات بديلة، بحيث يترسخ دور مجلس النواب في بلورة السياسات وصناعة القرار، بالإضافة إلى الرقابة والتشريع".
وشدد الملك عبدالله، على "أن الوصول إلى هذه المرحلة المتقدمة يتطلب المزيد من النضوج السياسي، ومأسسة العمل الحزبي، وتطوير آليات العمل النيابي، وبما يزيد من مؤسسية عمل الكتل النيابية، ومن خلال الاستمرار في تطوير قوانين الأحزاب والانتخاب مع كل دورة انتخابية، بما يجعلها أكثر تمثيلاً وتمكينًا للحكومات البرلمانية، وكل هذا في إطار نظامنا النيابي الملكي الوراثي ووفق الدستور، وأن النهج الإصلاحي يتطلب أن يكون الجهاز الحكومي على أعلى درجات الاحتراف والكفاءة، وليس عرضةً للتأثيرات السياسية أو الانحياز الحزبي، وإنما يعتمد أسس الجدارة والمهنيـة والحياد، مـن خلال ثورة بيضاء مستمرة وشاملة، والاستمرار في تعزيز منظومة النزاهة الوطنية"، مؤكدًا أن "الـهدف من الإصلاح، هو تغيير حياة المواطن الأردني نحو الأفضل، وأن نجاح العملية الإصلاحية يعتمد على مدى إيماننا بها، وبأهميتها لمستقبلنا، وضرورة العمل بروح الفريق الواحد، لضمان نجاحها بالرغم من كل المعيقات التي ستواجهنا، وأن من التحديات الداخلية التي تواجه الأردن أيضًا بعض حالات العنف في المجتمع الأردني عمومًا، وفـي بعض الجامعات الأردنية، التي أودت بحياة عدد من الطلاب، وأن أحداث العنف التي طالت الأرواح والممتلكات العامة والخاصة، أمر غير مقبول، وغير مبرر على الإطلاق، وهو غريب على قيمنا وعاداتنا وثقافتنا، ولا يمكن السكوت على هذا الأمر".
وتابع ملك الأردن، "لا يمكن أن نقبل أن يكون مستقبل شبابنا رهينة لظاهرة العنف، لأن مستقبل الشباب هو مستقبل الأردن، والسؤال يا إخوان: هل هذه حالات فردية معزولة، أم هي ظاهرة لها أسباب وجذور أعمق بكثير؟ وما هي الأسباب التي تؤدي إلى العنف، وأحيانًا الانغلاق على هويات فرعية، أو محلية، أو عائلية؟، والتهاون في تطبيق القانون والنظام العام على الجميع، أو غياب العدالة والمساواة في تطبيق القانون، تؤدي إلى انعدام ثقة المواطن بمؤسسات الدولة، واللجوء إلى العنف حتى يأخذ المواطن حقه بيده، أو للتطاول على حقوق الآخرين، والحل ليس بمعالجة هذه الأحداث ومعاقبة الذين قاموا بها وحسب، الـحل في معالجة الظاهرة من جذورها، بتحقيق العدالة في توزيع مكتسبات التنمية في كل الـمحافظات، ومعالجة مشاكل الفقر والبطالة، وترسيخ الحاكمية الرشيدة للدولة، وتطوير السياسات الاقتصادية والاجتماعية بالمشاركة مع القواعد الشعبية، وتطبيق القانون على الجميع من دون تهاون، ولا تردد، ولا محاباة، هذه كلها تعزز ثقة المواطن بمؤسسات الدولة، وتعزز احترامه للقانون، وتعزز ثقته بأن حقوقه وكرامته لا يمكن لأحد أن يعتدي عليها"، مشددًا على أن "الدولة بمؤسساتها هي الجهة المختصة بتطبيق القانون والحفاظ على النظام العام، وعلى حقوق الناس وممتلكاتهم، وليس من حق أي جهة أن تظن أنها فوق القانون، وأنا واثق أن كل مواطن أردني يدعم كل مؤسسة معنية بتطبيـق القانون، إذا شعـر أنها تطبـقه بعدالة ومساواة وشفافية".
وأكد العاهل الأردني، أن "العشيرة في المملكة هي مصدر القوة والوحدة الوطنية، وأحد أهم أسباب الأمن والاستقرار في المجتمع الأردني، ولم تكن العشيرة أو العائلة، في أي يوم من الأيام، سببًا للفوضى أو العنف أو الخروج على القانون، كما يظن من لا يعرفون المعنى الحقيقي للعشيرة أو طبيعة المجتمع العشائري، فالعشيرة ساهمت بشكل رئيس في تأسيس الدولة الأردنية الحديثة، كدولة مؤسسات وقانون، والعشيرة كانت وستبقى رمزًا للنخوة والقيم الأصيلة والانتماء للوطن والحرص على الأمن والاستقرار وسيادة القانون، وأنا عبدالله ابن الحسين أعتز بالعشائر الأردنية، لأنهم أهلي وعشيرتي الكبيرة"، مشددًا على أن "الأردن قوي وقادر على حماية أرواح وممتلكات أبنائه، وقادر في أي لحظة على فرض سيادة القانون، ولا يوجد أحد أقوى من الدولة، ونحن دولة حضارية قائمة على مبدأ العدالة وسيادة القانون، واحترام حرية وكرامة الإنسان".
وفي ما يتعلق بالتحديات الإقليمية، أوضح الملك عبالله، أن "أهم هذه التحديات هو الأزمة في سورية الشقيقة، والتي فرضت علينا معطيات صعبة جدًا، ولكنها أصعب بكثير على الأشقاء السوريين، ولا سيما الذين أجبرتهم الظروف على ترك بيوتهم وأرضهم ونزحوا إلى دول الجوار، ومسؤوليتنا تجاه أشقائنا هي مسؤولية أخلاقية، والحمد لله على نعمة الأمن والاستقرار في بلدنا، التي تسمح لنا بمساعدة أشقائنا، صحيح أن هذا يرتب علينا مسؤوليات وتضحيات كبيرة، ولكن الأردن والأردنيين كانوا دائمًا على مستوى التحدي، ونصروا إخوانهم في العروبة والدين والإنسانية، والشعوب الشقيقة التي نساعدها والعالم لن ينسى مواقفنا المشرفة"، مضيفًا عن الوضع على الصعيد السياسي، "نحن نعمل بكل إمكاناتنا، بالتعاون والتنسيق مع الأشقاء العرب والمجتمع الدولي بما في ذلك الولايات المتحدة، وروسيا، والدول الأوروبية، من أجل إيجاد حل سياسي يحافظ على وحدة سورية واستقرارها، ويضمن عمل مؤسسات الدولة السورية في رعاية مواطنيها، لتشجيع الإخوة اللاجئين السوريين، ليس في الأردن فقط بل في جميع دول الجوار، على العودة إلى بلدهم، ومن جهة ثانية، العمل من أجل توفيـر الدعم المالي الدولي لتكاليف استضافة هؤلاء اللاجئين، وفي كل تعاملنا مع الأزمة السورية، كانت حماية مصالح الأردن وشعبنا العزيز هي هدفنا الأول والأخيـر، أما إذا لم يتحرك العالم، ويساعدنا في هذا الموضوع كما يجب، أو إذا أصبح هذا الموضوع يشكل خطرًا على بلدنا، فنحن قادرون في أية لحظة على اتخاذ الإجراءات التي تحمي بلدنا ومصالح شعبنا".
وعن القضية الفلسطينية، قال الملك، "إنها قضية محورية، ولا تزال على رأس الأولويات، وسنستمر في دعم الفلسطينين حتى يقيموا دولتهم المستقلة على التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس الشرقية، وإن نسمعه في بعض الأحيان من حديث عن الكونفدرالية أو غيرها، فهو حديث في غير مكانه ولا زمانه، ولن يكون هذا الموضوع مطروحًا للنقاش، إلا بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة تمامًا، وبإرادة الشعبين والدولتين، وأي حديث في هذا الموضوع قبل ذلك، فهو ليس في مصلحة الفلسطينيين ولا الأردنيين، أمّا الحديث عن الوطن البديل أو التوطين أو الخيار الأردني، والذي تحدثنا عنه أكثر من مرة، فهو مجرد أوهام، والأردن لن يقبل، تحت أي ظرف من الظروف، بأي حل للقضية الفلسطينية على حساب الأردن، وهذا من ثوابت الدولة الأردنية، التي لن تتغير، ويا إخوان، نريد أن نتخلص من هذه الإشاعات، وإن شاء الله، هذه آخر مرة أتحدث فيها في هذا الموضوع"، داعيًا جميع مؤسسات الدولة للتعاون في ما بينها، وبالشراكة مع القطاع الخاص والأهلي ومؤسسات المجتمع المدني، وتحمل مسؤولياتهم أمام شعبنا لمواجهة هذه التحديات.