سنة العراق يتظاهرون ضد الحكومة
لندن ـ سليم كرم
تعكس كل التطورات ان العراق على أبواب ثورة من "ثورات الربيع العربي"، وقد زاد من تلك التوقعات التظاهرات الاحتجاجية الضخمة الي يقوم بها المسلمون السنة في بغداد ضد الحكومة العراقية، عندما خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين ليعتصموا في الشوارع بصفة دائمة، للمطالبة بإسقاط رئيس الحكومة
الذين وصفوه بـ "الديكتاتور".
وباتت الشعارات التي تجوب الشوارع كل يوم جمعة هي صوت جماهير الأقلية السنية، التي استمتعت بحقوقها وامتيازاتها على مدى ثلاثة عقود في عهد صدام حسين، وهي التي قادت المقاومة الدموية ضد القوات الأميركية والبريطانية في العراق، والتي باتت الآن محرومة من أدنى حقوقها.
ويقود هذه الاحتجاجات أعضاء سابقون من حزب "البعث" العراقي وعدد من أفراد المقاومة السابقين، وليس شباب وطلبة من "فيسبوك"، وهم الآن يقومون بتظاهرات تجوب أنحاء بغداد، وخاصة في المثلث السني، الذي كان يومًا ما يمثل ساحة قتال شرسة ضد القوات الأميركية.
ومثلما هو الوضع الآن في ميدان التحرير بالقاهرة، يقوم هؤلاء بإقامة مخيمات دائمة على الطريق القريب من مدينة الفالوجة، والمعروف باسم "مقبرة الأميركان".
ويستهدفون هذه المرة ليس قوات الاحتلال الأجنبي، وإنما يستهدفون الحكومة العراقية الديموقراطية التي حلت محلهم. ويمثل السنة في العراق ثلث سكان البلاد، الذي يصل إلى 33 مليون نسمة، وهم يرددون الآن بأن حكومة نوري المالكي التي يهمين عليها الشيعة تعاملهم على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وهي صرخة يمكن أن تسفر عن تجدد الحرب الأهلية الوحشية التي دارت بين السنة والشيعة قبل ستة أعوام.
ويقول حميد عبيد المطلق، وهو برلماني سني إن هذه الاحتجاجات سليمة ومتحضرة، ولا تطالب بأكثر من حقوقها الشرعية. ويقول أيضًا إن كل ما نطلبه هو معاملة عادلة من حكومة تحتكر لنفسها صنع القرار، وتعاملنا معاملة غير منصفة".
وفي حوار أجرته معه صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية قام بسرد لائحة طويلة من المظالم السنية ضد حكومة المالكي، الذي يتهمه بأنه يقترب في حكمه كثيرًا من الأوتوقراطية المستبدة التي تمارسها جارته إيران.
ويقول عبيد المطلق إن قوانين مكافحة الإرهاب الوحشية التي سنتها الحكومة العراقية خلال اضطرابات المقاومة، دائمًا ما تستخدم لاعتقال وسجن الأبرياء من الطائفة السنية. وتحت ذريعة قوانين حل حزب "البعث" الذي سنها الأميركان، يتم حرمان أفراد السنة من تولي المناصب الحكومية المهمة، وخاصة ضمن قوات الأمن العراقية.
وينفي السياسيون من الشيعة في العراق مثل هذا المزاعم، ويقولون إن هذه القوانين المكافحة للإرهاب ما زالت مطلوبة، وإن السنة لديهم الآن كتلتهم البرلمانية .
والواقع كما تقول الصحيفة أن احتشاد السنة بأعداد كبيرة يثير قلق الدبلوماسيين الغربيين، الذين يخشون من أن تنقلب التظاهرات من جديد إلى الصراع الطائفي، الذي أسفر عن مقتل 30 ألف عراقي، خلال الفترة من تاريخ 2005 وحتى تاريخ 2008، وذلك على الرغم من الخطاب السلمي الذي تتسم به احتجاجات السنة الآن.
وفي الوقت الذي تقل معدلات العنف عما كان يحدث العام 2006 الذي شهد مقتل ثلاثة آلاف خلال شهر واحد، إلا أن أعمال العنف حاليًا بالأسلحة وتفجير السيارات تتواصل لتقتل ما يقرب من 50 ضحية كل أسبوع.
وخلال الأسبوع الماضي شهدت المناطق السنية في بغداد أحاديث عن التخطيط لعمليات اغتيال وتهديد على يد مليشيات شيعية، بهدف ترويع المواطنين السنة من المشاركة في الاحتجاجات والمظاهرات الراهنة.
يتردد أن مليشيا عسكرية شيعية تدعمها إيران تطلق على نفسها "جيش المختار" تطلق نشرات تهديد تحذر السكان السنة في حي جهاد في بغداد من مغادرة منازلهم وإلا تعرضوا لمصير مؤلم.
ويقول صاحب متجر في المنطقة ويخطط لمغادرتها يدعى وليد نديم، "إن السكان يشعرون بالرعب"، ويقول أيضًا "إن بلدًا مثل العراق لا قانون فيه، لا يمكن لأي فرد أن يتجاهل مثل هذا التهديدات".
ويقول أحد أقارب حمزة محمد عبد الله المسؤول التعليمي الذي لقى مصرعه بعد إطلاق الرصاص عليه من سيارة مجاورة خارج مكتبه في غرب بغداد، الأحد الماضي، "إن مقتله جاء في إطار خطة تهدف إلى إخراج السنة من بغداد، لأن السنة الآن هم من يقومون بالاحتجاجات".
وقال أيضًا "نحن نستطيع أن ننتقم اليوم أو الغد ونستطيع قتل العشرات انتقامًا، ولكننا لا نريد قتل أبرياء، والشيوخ السنة يمنعوننا من ذلك، على الرغم من قوة دوافعنا للانتقام، وهناك من يردد بأنه لا توجد أدلة على تورط الشيعة في مقتله، وهناك من يقول بأنه كان بسبب معارضته للفساد، الذي كان متفشيًا في مكتبه".
وتشير الصحيفة إلى وجود "جيش المختار" على أرض الواقع، وأن مؤسسه هو أحد الشيوخ الشيعة، واسمه واثق البطاط، الذي أعلن عن تكون هذا الجيش عبر إحدى القنوات التليفزيونية هذا الشهر، وقال "إن الهدف منه هو منع تكرار ما يحدث في سورية"، حيث تحاول المقاومة السنية إسقاط النظام الشيعي الذي تدعمه إيران.
وقد أصدرت حكومة المالكي تحذيرًا للبطاط ، إلا ان السنة يقولون "إن بقاءه حرًا يدل بوضوح على أن الحكومة لا تأخذ تهديداته مأخذ الجد". ويدللون على ذلك أيضًا بالقول "إن عددا من الشيعة الذين ما زالت أيديهم ملوثة بالدماء، لا يزالون طليقي السراح، وخاصة جماعة عصائب أهل الحق، المسؤولة عن اختطاف البريطاني بيتر مور وأربعة من حراسه، والذين شنوا آلاف الهجمات على القوات البريطانية والأميركية في العراق".
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد فقد قاموا خلال الأشهر الماضية بتحويل تلك الجماعة إلى حزب سياسي، وافتتاح عدد من المدارس الدينية، ويقول السنة "إن هذه الجماعة هي مليشيا غير رسمية للحكومة العراقية".
ويقول مصدر رفيع المستوى من أهل السنة "إن جماعة عصائب أهل الحق قد انخرطت رسميًا في عالم السياسة، وإنها استبدلت اسمها باسم جيش المختار".
وبصرف النظر عن صحة ذلك من عدمه، فإن مثل هذه المزاعم قد زادت من غضب الاحتجاجات السنية، والتي يخشى الكثيرون من أن تتحول إلى حرب مفتوحة، وخلال تظاهرات الجمعة الماضية استمتع الآلاف إلى وزير المالية السني رفاعي العيساوي، الذي أعلن استقالته علنًا من خلال تلك المنصة، وقال "أنا لا يشرفني أن أكون جزءًا من هذه الحكومة الطائفية".
وكان عدد من حراسه قد ألقي القبض عليه خلال كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بتهمة التورط في أنشطة إرهابية، الأمر الذي أدى إلى الاحتجاجات السنية، وتزعم السلطات العراقية بأنهم تورطوا في أعمال اغتيال تحت رعاية نائب الرئيس السني طارق الهاشمي، الذي هرب العام الماضي من حكم صدر ضده غيابيًا بالإعدام.
ويقول خصوم المالكي "إنه ومن هذا الأساس فإن الكثير من أعوانه لا بد وأن يتم سجنهم أيضًا"، وقالوا أيضًا "إن ذلك دليل جديد على أنه يحول العراق إلى دولة الرجل الواحد المستبد".
كما يتهمونه بمنح الموالين له المناصب الأمنية الكبرى، كما يزعم منافسوه أيضًا أنه يستخدم تكتيكات ترويعية مثل وضع الدبابات أمام مساكنهم، وقيامه بإحضار قوات من الحرس العدوانيين أثناء اجتماعات مجلس الوزراء. ويرد المالكي على ذلك بأن الكثير من المليشيات الشيعية داخل السجون أيضًا.
ويرى الكثير من المراقبين في الخارج أن اللوم يقع على طبيعة التشاحن والشجار التي يتسم بها أسلوب المعارضة في العراق، وأن ثقافة صدام السياسية ما زالت سائدة.
ويقول تقرير لمجموعة الأزمة الدولية "إن أزمة العراق الحالية تعود إلى عدم القدرة على التغلب على تركة وتراث نظام صدام وممارساته القمعية، والتي تتمثل في ثقافة الشك العميق، وثقافة أن الفائز يحصل على كل شيء والخاسر يخسر كل شيء".
والواقع أن الشيء الوحيد الذي يتفق عليه كل من المالكي وخصومه هو خطر الحرب الأهلية الذي يتهدد العراق، وفي مقابلة صحافية أجريت معه في مناسبة ذكرى مرور عشر سنوات على الغزو الأميركي للعراق حذر المالكي هذا الشهر من أنه في حال سقوط بشار الأسد على يد السنة في سورية فإن ذلك من المرحج أن يؤدي إلى حرب طائفية في العراق.