بيروت - لبنان اليوم
شكّل البيان المشترك الصادر عن رؤساء الحكومة اللبنانية الأربعة السابقين، بداية مرحلة جديدة في الحياة السياسية اللبنانية. ولا يمثّل البيان حبراً على ورق بقدر ما يعتبر صافرة إنذار تحذيرية، يرى فيها المعنيون فرصة لتصحيح المسار القائم.
وجاء ذلك فيما كتبه مجد بو مجاهد في "النهار" تحت عنوان "بيان الرؤساء الأربعة ليس الأخير... وقمع المعارضة مرفوض"، حيث أكد "إنه البيان الرباعي الأول، لكنه لن يكون الأخير، إذ تؤكد أوساط مواكبة لهذا الحراك أن البيان المشترك الصادر عنهم لا يأتي في سياق إطار مؤسساتي. ويتبلور حراك الرؤساء الأربعة وتصدر مواقفهم المشتركة كلما دعت الحاجة. وتفيد معلومات "النهار" أنه، إذا كان ليس ثمة من طموح في تكوين الرؤساء الأربعة إطاراً مؤسساتياً، إلا أنهم سيتلاقون كلما استدعت الحاجة، ما يمنحهم قوة إضافية في التعبير عن مواقفهم المشتركة. ويُعتبر الالتقاء في إصدار البيانات المعبِّر عن مواقف وملاحظات مشتركة، تقاطعاً طبيعياً بحكم خبرة الرؤساء السابقين ومسؤوليتهم. وإذا كان تسطير الملاحظات والتعبير عن رؤية مشتركة مسألة طبيعية غير مستغربة في إطار المعارضة البناءة، إلا أن ما هو مستغرب المحاولات الممنهجة لإلغاء الحياة السياسية وانتقاد الدور الاعتراضي، ما يشكل معطى خطيراً لا بدّ من التوقف عنده.
مقدمات نشرات الأخبار المسائية
وتُظهر ردود الفعل المهاجمة بيان الرؤساء الأربعة والمتناقلة من البيئة السياسية المقربة من "حزب الله"، أن المطلوب هو إقصاء رؤساء الحكومة السابقين وإلغاؤهم وإحالتهم إلى التقاعد السياسي، ومحاولة تجاهل القاعدة الشعبية التي يمثلونها والقفز فوقها. وتندرج الكيفية التي تلقف بها هؤلاء المستاؤون بيان الرؤساء الأربعة في خانة الترهيب الفكري بعد التطاول على الدستور وتجاوز الاعتبارت الميثاقية والمحاولات المتكررة لقمع حرية إبداء الرأي. وتُنتج هذه الطريقة المعتمدة في التعامل مع الأصوات المعارضة واقعاً مؤسفاً، بدلاً من تلقف المعنيين في الحكومة النقد والملاحظات والاتجاه نحو تصحيح منهج عملهم والإقدام على خطوات تغييرية، عوضاً عن التصرف اللامبالي وكأن ما تقترفه الحكومة من أخطاء وتهور في عملها بما فيها ملف التعيينات، مسألة عادية وصحيحة. ولا بد للحكومة من أن تقيس درجة حرارة الغليان الشعبي مع بروز شرارة الثورة مجدداً في غير منطقة لبنانية نتيجة الأوضاع المعيشية والاقتصادية المتردية رغم الواقع الصحي، بدلاً من الرهان الخاطئ على صمت الناس وتقديم الأسباب المؤدية إلى رشقها من المواطنين والقوى المعارضة على حد سواء.
وتكمن الخطورة في أن البلاد لا تملك ترف الوقت للرقص على التناقضات، وعلى "حزب الله" الإدراك بأنه لا بد من أن يبقى البلد قائماً وموجوداً بادئ ذي بدء، قبل التفكير بطموحه ومحاولة تغيير النظام الاقتصادي والسياسي، إذ تحذر الأوساط المواكبة نفسها للحراك السياسي للرؤساء الاربعة، من أن أداء السلطة السيّئ المتناسق مع الحملات على المعارضة، من شأنه أن يترك آثاراً سلبية على الشارع اللبناني. وإذا بقي الوضع على ما هو عليه اليوم، ستسقط الحكومة. وتخلص الأوساط إلى أن استمرار النهج القائم والاتجاه إلى الانقضاض على اتفاق الطائف وصلاحيات رئاسة الحكومة في غياب الحلول الجذرية سيؤدي إلى انفجار شعبي، بعدما قلّص الطارئ الصحي حركة الاعتراض الشعبي، إلا أن الانتفاضة ستعود وتتأجج.
وفي وقت يتضاعف فيه الهجوم على الأصوات المنتقدة، ترى قوى المعارضة أن الأولوية تبقى لمواجهة وباء "كوفيد 19" والوقوف إلى جانب الناس في هذه الفترة الصعبة. وتشير مصادر "تيار العزم" عبر "النهار" في هذا السياق، إلى أنه بدلاً من توجيه الحملات على كل من يعارض، لا بد من تصويب الأداء الحكومي ومواجهة التحديات. ويعمل الرئيس نجيب ميقاتي على خط مواجهة الطارئ الصحي والمساعدة على أنواعها عبر مؤسساته العاملة على الأراضي اللبنانية وخصوصاً في طرابلس عبر جمعية العزم المستمرة منذ سنة 1980، لكن لا يمكن أي مؤسسة خاصة أن تحل محل الدولة مهما بلغ نطاق عملها. ويبقى الدور الذي لا بد من ان تضطلع به الدولة هو الأساس.
إلى ذلك، يتظهّر أن التعامل بخفية مع بيان الرؤساء الأربعة سيترتب عنه نتائج من شأنها أن تضع النقاط على الحروف. وتشير المعطيات التي استقتها "النهار" إلى أن التحذير الذي أطلقه الرئيس سعد الحريري الملوح بالاستقالة من مجلس النواب، مطروح وجدي وليس مجرد شعار، علماً أن الحريري لم يقل بالاستقالة إلا أن القرار سيتخذ استناداً إلى نتيجة الأداء الحكومي ومسار الأمور التي لا تزال غير واضحة حتى اللحظة في ظل شد الحبال القائم. وسيترتب عن مخطط وضع اليد على البلاد الذي بدأ يطل برأسه، نتائج ومواقف قاسية غير متوقعة. وفي السياق، يرى مواكبون ضرورة اعتماد المواد الإصلاحية في آلية التعيينات المنبثقة من قانون سلسلة الرتب والرواتب الذي عُمل عليه في حكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري سنة 1998، لكنها عُطلت وقتذاك بعدما سُحبت بإشارة من الرئاسة الأولى. وتنص المواد على ضرورة إعلان الحكومة عن شغور ومن ثم دراسة الأسماء المتقدمة إلى المناصب الشاغرة من قبل لجنة خبراء مستقلين بالتعاون مع مجلس الخدمة المدنية ووزير التنمية الإدارية، بعد إجراء مقابلات مع المتقدمين، واختيار ثلاثة أسماء وتقديمها إلى مجلس الوزراء.
تتعاظم الملاحظات المسطَّرة حول الأداء الحكومي من أكثر من جهة مشاركة ومعارضة على حد سواء. ويفتح هذا الواقع الباب أمام كل الاحتمالات بما فيها السقوط الوشيك. ويتردد في كواليس قوى مشاركة حكومياً، أن ما بعد سقوط الحكومة ليس كما قبلها إذا ما حصل. قد يخلط حدثٌ من هذا النوع الاوراق بما في ذلك واقع التحالفات السياسية في البلاد
قد يهمك ايضا: