بيروت - لبنان اليوم
أكَّد غسان ريفي في "سفير الشمال" أنّ الكل في لبنان مأزوم، ولسان الحال الكثيرين يقول: "أتقلب على جمر النار وأتشرد ويا الأفكار"، فليس سهلا مواجهة المبادرة الفرنسية أو إسقاطها، وليس سهلا تحمل تداعيات هذا السقوط وطنيا وإقليميا ودوليا، وليس سهلا أن يفقد اللبنانيون الأمل الذي أطل به الرئيس إيمانويل ماكرون وأن يرزحوا تحت مزيد من الأعباء الاقتصادية والبطالة والفقر والغلاء وجنون الدولار الذي لن يكون له سقف وصولا إلى الجوع أو المجاعة، وليس سهلا أن يسقط عهد ميشال عون أمام هذه الضغوطات معطوفة على العقوبات التي ستنهال على لبنان بمجرد أن يعود الفرنسي أدراجه.
لا أحد يمتلك جوابا شافيا عن كيف يمكن أن تنتهي الأمور، لكن الجميع بات على قناعة بأن حلقات الأزمة قد اشتدت من دون أن يكون في الأفق أي فرج، وأن الرئيس المكلف مصطفى أديب قد يتجه نحو الاعتذار خلال اليوم أو غدا على أبعد تقدير بعدما انتهت المهمة التي أتى من أجلها قبل أن تبدأ، إلا إذا كانت هناك أوراقا خارجية أو داخلية ما تزال مخبأة قد ترمى في ربع الساعة الأخير وتعيد الأمور إلى مسارها الذي كانت عليه.
لا يختلف اثنان على رئيس الجمهورية ميشال عون بات في وضع لا يحسد عليه، فهو واقع بين نارين أو ربما ثلاثة، فلا يريد إغضاب الفرنسيين بإسقاط مبادرتهم أقله كرد جميل لما قدموه له في 13 تشرين من العام 1990 عندما أنقذوه واحتضنوه لمدة 15 عاما في باريس، كما لا يريد إغضاب الثنائي الشيعي ولا سيما حزب الله الذي أوصله إلى رئاسة الجمهورية، وفي الوقت نفسه يريد إنقاذ عهده الذي قد يسقط مع سقوط المبادرة وتحوّل أزمة الحكومة إلى أزمة حكم.
والأمر ينسحب أيضا على جبران باسيل الواقع بين نار العقوبات الأميركية، ونار حزب الله الغاضب من موافقه تجاه المداورة ورفض المثالثة، ونار سقوط عهد عمه الذي يسعى للحفاظ عليه بما يمكنه من تقديم أوراق اعتماده للفرنسيين لرئاسة الجمهورية، خصوصا أن سقوط العهد يعني سقوط باسيل وسقوط طموحاته الرئاسية، أما الثنائي الشيعي فهو واقع بين نار المتغيرات الدراماتيكية والمتسارعة التي تشهدها المنطقة وتُفقد محوره الإقليمي الأوراق الواحدة تلو الأخرى ما يدفعه إلى مزيد من التشدد داخليا بوحي إيراني، ونار الحفاظ على ثقة الفرنسي الذي ما يزال بمفرده بين دول أوروبا يعترف بحزب الله سياسيا ولا يصنفه إرهابيا، ويواجه الضغوطات الأميركية في هذا الإطار.
أمام هذا الواقع، فإن اعتذار مصطفى أديب، يعني انتهاء المبادرة الفرنسية، والأمر مرهون بالساعات القليلة المقبلة التي قد تشهد سيناريوهات مختلفة، فإما أن يصعد أديب إلى قصر بعبدا اليوم ويقدم اعتذاره إلى عون، وإما أن يجدد عون الطلب منه التريث حتى يوم الخميس لمزيد من التشاور وتدوير الزوايا وعندها يكون الاعتذار حتميا إذا لم تتبدل المواقف، وإما أن يقدم أديب تشكيلته الحكومية إلى عون فيوقعها إرضاء للفرنسيين ويُرحّل الملف الحكومي بكامله إلى جلسة الثقة ما يعطي الجميع فرصة إضافية للتفاوض والتشاور فإما أن تنال الحكومة الثقة أو تُحجب عنها، أو تواجه مقاطعة نواب الثنائي الشيعي الجلسة فتسقط بضربة “الميثاقية”، أو ربما يكون الحل على حافة الهاوية بإخراج أحد “الأرانب” انطلاقا من الوضع المأزوم للمعنيين بالتأليف، فتشكل حكومة “المهمة” وفق القاعدة اللبنانية التقليدية “لا غالب ولا مغلوب”.