بيروت - لبنان اليوم
انطلقت عملية تسوية في لبنان، وبعيدا عن مدى فعاليتها السياسية واستمراريتها، وبعيداً أيضاً عن الأطراف المؤيدة لها، سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي أو الدولي، لكن مؤشراتها بدت واضحة من خلال تأييد غالبية الكُتل النيابية البارزة لتكليف السفير مصطفى أديب رئيساً للحكومة ومنحه غطاء سياسيا لتشكيل حكومة من المتوقّع ولادتها في الأيام القليلة المُقبلة.لكن هذه التسوية التي دخلت فيها معظم القوى السياسية الأساسية بقيت "القوات اللبنانية" خارجها لأسباب معروفة وأخرى غير معروفة، الأمر الذي من شأنه أن يصيب "القوات" بشظايا سياسية وشعبية لاحقا إن لم تستطع معالجة الأضرار الجانبية لبقائها خارج المعادلة الجديدة.وإذ راهنت "القوات" بشكل أساسي على الموقفين السعودي والأميركي، واستمرت برفضها لأي شخصية لا تحظَى برضى الولايات المتحدة الأميركية معتبرة أن أي تسوية قائمة لن تنجح إن لم تلقَ غطاء كاملاً من واشنطن، حيث أن "غض النظر" الأميركي لا يبدو كافياً كدلالة على القبول، ولجأت على هذا الأساس إلى تبنّي الطرح الأميركي وتسمية نواف سلام لرئاسة الحكومة، إلا أن العناد لم يخدم حساباتها، حيث إن المفاوضات أثمرت تسوية في وقت أسرع مما كان متوقعا، الأمر الذي أزاح كرسي "الحكيم" المتلهّف لإشارة أميركية بعيدا عن الطاولة!
وبرغم الإيجابيات التي قد تكتسبها "القوات" من خلال انتقالها جديا إلى المعارضة وترسيخها لفكرة ابتعادها عن الطبقة السياسية بهدف شدّ العصب لدى قاعدتها الشعبية واستمالة الحراك اكثر نحوها، غير أن ثمة أضرارا كبرى قد تنتج عن قرارها، إذ إن تجربة "القوات" السابقة في البقاء خارج المعادلة الداخلية ألحقت بها خسائر سياسية ضخمة، حيث إن التكتلات التي تقودها القوى السياسية التقليدية كفيلة بعزل "القوات" سياسيا وربما شعبيا.كل ذلك، من شأنه أن يُبقي "القوات" وحيدة خارج المسرح السياسي ويضعفها، إن لم يعزلها فعليا على المستوى الخدماتي وربما الإعلامي أيضا، وقد يؤدي في المرحلة المقبلة في حال تقاطع الآراء الدولية والإقليمية -التي لم تتقاطع بعد- إلى رفع الغطاء عنها ما قد يكرر مشهد العام 1994 وإن بأشكال مختلفة.تبقى هذه التحليلات رهنا للتطورات الشعبية في الشارع المسيحي، فـ"القوات"، ورغم كل ما سبق، قد تقلب الطاولة لو استطاعت تحقيق أرقام قياسية في نتائج الانتخابات النيابية المقبلة وفرض نفسها ممثلا أساسيا للشارع المسيحي، حينها لن يتمكن أحد من تخطّيها لتصبح رقما صعبا في المعادلة السياسية الداخلية.