الرئيس محمود عباس يستقبل الرئيس الأميركي باراك أوباما في رام الله
رام الله - ناصر الأسعد
عقد الرئيس الأميركي باراك أوباما، الخميس، مؤتمرًا صحافيًا مشتركًا مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مدينة رام الله الفلسطينية، أكد من خلاله السعي الأميركي لإحياء حل الدولتين، بينما أكد عباس التزام الفلسطيني بتنفيذ الالتزامات، حال توقف الاحتلال عن سياساته الاستيطانية، وذلك في اليوم الثاني لزيارة أوباما
للشرق الأوسط.
وهبطت طائرة أوباما في مقر المقاطعة، وكان في استقباله الرئيس محمود عباس ورئيس وزرائه سلام فياض، وعددًا من المسؤولين في السلطة الفلسطينية، وقدم طفلان فلسطينيان الزهور لأوباما، الذي سار صوب منصة التشريفات، حيث عُزف السلامان الوطنيان الأميركي والفلسطيني، وبعد استعراض الزعيمان حرس الشَرف، صافح الرئيس الأميركي مستقبيله من الشخصيات السياسية والاعتبارية، التي اصطفت لاستقباله في المهبط، ومن ثم اصطحب الرئيس الفلسطيني عباس ضيفه الأميركي إلى مقر الرئاسة لبدء الاجتماع المشترك، الذي أعقبه مؤتمر صحافي مشترك، قال أوباما خلاله "أثني على الرئيس عباس، ورئيس الوزراء فياض، وجهودهم المستمرة في بناء المؤسسات، والولايات المتحدة تعتز بهذه الشراكة وهذا الجهد"، وأضاف مخاطبًا عباس "الفلسطينيون يستحقون دولتهم المتصلة المستقلة، ونحيي إنجازاتكم في هذا المجال، وروح المثابرة في بناء المؤسسات، التي تعد أساسًا للدولة الفلسطينية المستقبلية، بما يسهم بدعم السلام والأمن والاستقرار في المنطقة"، مشيرًا إلى أنشطة السلطة الفلسطينية الفعالة في مجالات التنمية الاقتصادية، وعمل قوات الأمن التابعة لها، موضحًا أن بلاده أكبر مانح للسلطة، وأن الولايات المتحدة ستوفر مزيدًا من الدعم المالي، لتمويل برامج الحكم الرشيد، والتعليم، والصحة، والقطاعات المختلفة.
وتطرق الرئيس الأميركي إلى "القمع الذي تمارسه حركة (حماس) في غزة، حيث تواصل إطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية"، مطالبًا حركة "حماس" بـ"التوقف عن هذه الأمور وتلافي استمرارها"، موضحًا أنه "شاهد واطلع على التحديات التي يواجهها الشعب الفلسطيني، لاسيما في ضوء استمرار الاحتلال، والإذلال اليومي، والقيود على الحركة، والعراقيل في مجال تحقيق الأمن والسلامة، واحترام حقوقهم".
وقال أوباما في شأن الاستيطان والمفاوضات "أتفهم الإحباط لدى الفلسطينين، والصعوبات التي يواجهونها جراء الاستيطان واستمراره، وملف الأسرى والحياة في القدس، وأتفهم أن هذا الأمر يجعل تحقيق حل الدولتين أصعب وأصعب"، وأضاف "ملتزمون بمواصلة جهودنا في هذا المجال، ووزير الخارجية جون كيري سيضاعف جهوده، وسيسخر وقته وطاقته في سبيل ذلك، لا يمكن التخلي عن السلام أبدًا، وعلينا أن نتحلى بالمثابرة والتصميم، فيما أؤكد للجميع أن أمامكم إدارة أميركية ملتزمة بتحقيق ذلك".
ورغم حديثه عن تفهم للمطالب الفلسطينية، إلا أنه دعا إلى إحياء المفاوضات المباشرة، قائلاً "علينا الخروج من بعض الصياغات التي عثَّرت الطريق، الذي سيكون شاقًا، لسبب القيود السياسية على الطرفين، فيما يتمسك البعض بالمواقف القديمة، بدلاً عن التفكير بالقيام بتنازلات، لذا علينا أن نفكر بشكل مغاير، لتعزيز حل الدولتين".
ولفت أوباما إلى أن "سياسة الإدارات الأميركية المتعاقبة رأت أن الاستيطان تَحدٍ لحل الدولتين، وغير بناء، ولا يساعد في طريق السلام، ولا يوجد أي غموض في موقفنا، والسياسة في هذا الجانب في (إسرائيل) معقدة ومتشعبة، ولا يمكن حلها بين ليلة وضحاها".
من جانبه، أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، تعقيبًا على ما قاله الرئيس الأميركي، أن "الشعب الفلسطيني لا يطالب بشيء خارج الشرعية الدولية، والعالم كله يرى أن الاستيطان غير شرعي، وغير قانوني"، مضيفًا "يجب على الحكومة الإسرائيلية وقف النشاطات الاستيطانية، حتى تتضح الصورة النهائية للحل على حدود عام 1967"، مؤكدًا "لم نتخل عن رؤيتنا للحل، وعلى الحكومة الإسرائيلية أن تتفهم عدم شرعية الاستيطان، وأن تستمع للمواقف المعارضة للاستيطان حتى داخل (إسرائيل) ذاتها".
وأوضح عباس قائلاً "عندما يرى الفلسطينيون الاستيطان في كل مكان، فإنهم يفقدون الثقة برؤية الدولتين، وهذا أمر خطير للغاية، ما نزال مؤمنين بهذا الحل الذي، في حال توصلنا إليه، سيضمن اعتراف الدول العربية والإسلامية بدولة (إٍسرائيل)، حسبما ورد في خارطة الطريق ومبادرة السلام العربية".
وقال الرئيس محمود عباس أنّ "الشعب الفلسطيني يتطلع إلى نيل أبسط الحقوق الإنسانية في الحرية والسلام والاستقلال، وينتظر سريعًا اليوم الذي يمارس فيه حياة طبيعية فوق أرض دولة فلسطين المستقلة، على أراضي 67، وعاصمتها القدس، إلى جانب دولة إسرائيل، ونحن نؤمن أن السلام ضروري وحتمي وممكن، ونحن على قناعة أن صنع السلام، بقدر ما يحتاج للشجاعة السياسية، يحتاج إلى النوايا الحسنة، واحترام الآخر، والالتزام بالقرارات الدولية"، مشددًا على أنه "لا يمكن صنع سلام بالعنف، ولا بالاحتلال، ولا بالجدران، ولا بالاستيطان، والاعتقالات والحصار، وإنكار حقوق اللاجئين الفلسطينيين".
وقال عباس متوجهًا إلى أوباما "يا سيادة الرئيس شعبنا يشارك الشعب الأميركي، ويشاركك شخصيًا، الإيمان بقيم ومثل الحرية والمساواة والعدل واحترام حقوق الإنسان، ونحن وشعوب العالم شركاء في إرساء سلام عادل، يحقق الأمن لجميع الشعوب في منطقتنا"، لافتًا إلى أن "فلسطين قطعت شوطًا كبيرًا لصنع السلام، ونحن جاهزون لتنفيذ تعهداتنا كافة، واحترام الاتفاقات الموقعة، كي تتوفر متطلبات عملية السلام وحل الدولتين"، وقال مبينًا "نحن نسعى جاهدين لإنهاء الانقسام، وتحقيق المصالحة، التي تشكل مصدر قوة إضافية لنا، لنكمل مسيرتنا لصنع السلام في المنطقة، ونحن على ثقة أن الولايات المتحدة، متمثلة بالرئيس أوباما، ستكثف جهودها لإزالة العقبات أمام السلام".
من جانبه، قال رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة في غزة إسماعيل هنية أنه "لا يتوقع من زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما أي اختراق يغير المعادلة السياسية على الأرض".
وأضاف هنية في تصريح له، الخميس، "نحن لا نرى في السياسة الأميركية مساعدًا لإنهاء الاحتلال، إنما تكريس الاحتلال وتشريع الاستيطان، والاستسلام تحت شعار السلام".
وطالب هنية السلطة الفلسطينية أن تدرك أن مستقبلها مرهون بمدى التزامها بالثوابت الوطنية، وإنجاز المصالحة الراسخة، رافضًا، في الوقت ذاته، "المسعى إلى تنصيب إيران عدوًا للعرب، بدلاً عن إسرائيل، رغم الاختلاف معها بشأن بعض الملفات".
وأكد الناطق الرسمي باسم حركة المقاومة الإسلامية "حماس" الدكتور صلاح البردويل أن خطاب أوباما في مؤتمره في رام الله كان خطابًا إنسانيًا، بدا فيه كمحلل سياسي فاشل يتملص من الإجابات الحاسمة".
وأوضح البردويل في بيان، تلقى "العرب اليوم" نسخة عنه، أن "أوباما في خطابه لم يلتزم للفلسطينيين بأي استحقاقات قطعها على نفسه سابقًا"، واصفًا الخطاب بأنه "محاولة لإجبار السلطة على مفاوضات مباشرة ثنائية مع الاحتلال الإسرائيلي دون أي مرجعيات"، معتبرًا أن "إدعاء أوباما في دعمه لقطاع غزة (صادقًا)، لكن من خلال دعمه للكيان بالقنابل الفسفورية، وطائرات (F16)، والأباتشي الأميركية، وصورايخها، التي أهديت إلى أطفال غزة وبيوتها، وعائلات بأكملها أبيدت".
وجدد البردويل الحل الاستراتيجي لحل القضية الفلسطينية، بتأكيده على خيار المقاومة حتى تحرير الأرض، وتقرير المصير، وعودة اللاجئين، والإفراج عن الأسرى.
هذا، وقد اعتصم العشرات من الناشطين وأهالي الأسرى، ظهر الخميس، وسط مدينة نابلس (شمال الضفة الغربية) المحتلة، منددين بزيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الأراضي الفلسطينية.
ودعت أمهات الأسرى الجمهور الفلسطيني إلى "الإسراع في طرد أوباما، باعتباره الداعم الأول في الحملة الشرسة التي يقودها الاحتلال ضد الأسرى في سجونه"
يذكر أن مدينة رام الله تشهد إجراءات أمنية ترافق زيارة أوباما، حيث أعلنت قوات حرس الرئاسة والشرطة والأمن الفلسطيني عن إنشاء مربع أمني، يمتد من المقاطعة باتجاه الشرق، وصولاً إلى مركز شباب البيرة، حيث سيلقي أوباما كلمة أمام مجموعة من الشباب الفلسطينيين.
وسيتركز انتشار عناصر الأمن الفلسطيني في المنطقة المحيطة في المقاطعة، في شارع الإرسال وامتداده، كما ستنتشر قوات الأمن الفلسطيني بكثافة على امتداد شوارع نابلس القديم، ودوار المنارة، وشارع القدس، ومنطقة مدرسة الفرندز، فضلاً عن الانتشار اليومي لقوات الشرطة في أحياء رام الله، والبيرة، لتنظيم عملية المرور، التي ستشهد تغييرات كبيرة نسبيًا، لتصب في طرق فرعية بديلة، في حين اخترق عشرات الشبان الفلسطينيين الطوق الأمني المفروض في محيط مقر المقاطعة في رام الله، للتعبير عن عدم ترحيبهم، ورفضهم لزيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي يلتقي الرئيس محمود عباس هذه اللحظات داخله.
وتجمع هؤلاء عند دوار المنارة وسط رام الله، ثم نجحوا في اختراق المربع الأمني، الذي أعلنت عنه الأجهزة الأمنية، وسارعت الأخيرة لمنعهم من التقدم.
وبعد رام الله، يتوجه أوباما إلى القدس المحتلة، حيث سيلقي خطابًا، عصر الخميس، أمام جمهور من الطلاب الجامعيين في قاعة مبنى "الأمة".
وقال عضو اللجنة التنفيذية لـ"منظمة التحرير" (فتح) صائب عريقات "إن الرئيس عباس سيبلغ الرئيس الأميركي برفضه استئناف المفاوضات مع إسرائيل، مقابل بوادر حسن نية".
ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن عريقات قوله "إن الفلسطينيين سيطالبون أوباما بإلزام الكيان المحتل بتنفيذ ما عليها من استحقاقات".
وقال عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" نبيل شعث "إن الجانب الفلسطيني سيبلغ أوباما أن العام الجاري حاسم، في ما يخص حل الدولتين، وأنه سيكون مهددًا، حال استمرار الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية".