الاتحاد العام التونسي للشغل
تونس ـ أزهار الجربوعي
تجددت، الأربعاء، الاشتباكات المسلحة بين الأمن التونسي وعناصر المجموعة التي هاجمت فرقة الحرس الحدودي التونسي وقتلت الضابط أنيس الجلاصي، في حين قرر ، إلغاء الإضراب العام الذي كان مقررا، الخميس، بعد أن تصاعدت حدة الانقسام في هيئته الإدارية بين داعم ورافض
للقرار، وهو ما دفع الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، إلى تأجيل جولة أوروبية كان سيزور خلالها بولونيا وبلغاريا، لسبب الوضع الحساس في البلاد، مع إشادته بقرار إلغاء الإضراب.
وقد أقدمت المجموعة المسلحة المتكونة من 40 عنصرا على إطلاق النار على أحد السيارات، ثم لاذت بالفرار إلى جبل الشعانبي المجاور، بعد أن كانت متحصنة في منطقة جبل السنك التابعة لمعتمدية فريانة من محافظة القصرين المحاذية للحدود الجزائرية.
وقامت قوات الأمن والجيش التونسي بالتعاون مع القوات الجزائرية بتطويق هذه المجموعة في جبل الشعانبي، على إثر تقصي المكالمات الهاتفية التي جرت بين عناصرها، بعد أن تمكنت من العثور على مخيم يعود إلى المجموعة المسلحة المذكورة نفسها، إضافة إلى بطاقة هوية جزائرية، وشريحة هاتف محمول تونسي وبقايا أطعمة، وذلك عقب عملية تمشيط واسعة لمنطقة فريانة الحدودية، حيث أغلق الجيش التونسي 220 كيلومترا من حدود تونس المشتركة مع الجزائر، باستثناء معبر "بوشبكة" في معتمدية فريانة الذي خضع لإجراءات مراقبة مشددة.
وأكد مصدر أمني مسؤول لـ"العرب اليوم"، أن عملية تطويق وتمشيط المنطقة مازالت مستمرة إلى حد الساعة، حيث تمكنت قوات الأمن منذ قليل من إلقاء القبض على 11 شخصا لسبب عدم امتلاكهم بطاقات هوية رسمية.
وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الداخلية التونسية تكتمت عن هويات العناصر المسلحة وانتماءاتهم، داعية الإعلام إلى تجنب نشر الأخبار المجانبة للدقة والصواب ونسبتها إلى عناصر أمنية، لأن ذلك من شأنه أن يربك الرأي العام ويضرّ بسير العمليات، وفقا لما أورده بيان صادر عنها، الأربعاء.
وطلبت الوزارة من جميع الإعلاميين تفهّم خصوصية مثل هذه العمليات الأمنية التي تقتضي التحفظ على الكثير من تفاصيلها، ضمانا لنجاعتها وحماية للوحدات الميدانية الأمنية والعسكرية المشاركة فيها.
وللتذكير فإن هذه المجموعة قد اشتبكت، مساء الاثنين، مع عناصر من الحرس والجيش التونسي، بعد أن تسللت إلى التراب التونسي من الأراضي الجزائرية مما أسفر عن وفاة الوكيل في الحرس الوطني أنيس الجلاصي، 27 عاما، الذي تحول إلى المنطقة الحدودية بعد بلاغ صادر عن حارس شركة تنقيب اشتبه في خمس ملتحين قرب الحدود الجزائرية، فتوفي على عين المكان في تبادل لإطلاق النار في حين أصيب أربعة من زملائه أحدهم في حالة حرجة.
من جانبها، دعت رئاسة المجلس الوطنى التأسيسي التونسي (البرلمان) جميع القوى الوطنية الحية فى البلاد، إلى التضامن والتكاتف وترك الخلافات جانبا وتغليب لغة العقل والتحلي بواجب اليقظة المستمرة درءا للمخاطر التي تهدد سلامة الأرواح.
وأشاد رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر، بجهود وحدات الجيش والحرس الوطنيين التي تواصل عمليات البحث والتمشيط في الغابات والأودية والمرتفعات الوعرة في المنطقة الجبلية المتاخمة لمعبر بوشبكة الحدودي التابع لمحافظة القصرين، لاقتفاء أثر العناصر المسلحة .
على صعيد آخر، قرر الاتحاد العام التونسي للشغل إلغاء الإضراب العام، المزمع تنفيده، الخميس، وتمكن "العرب اليوم" من الحصول على نسخة من الاتفاق المشترك بين الحكومة والاتحاد، الذي تكتم عليه الجانبين.
وتشير ورقة الاتفاق إلى تمسك الطرفين الحكومي والنقابي بالالتزام بالتهدئة والحوار سبيلا لتجاوز جميع الخلافات، إضافة إلى تنديد الحكومة بالاعتداء الذي تعرض له مقر المنظمة الشغيلة وقادتها، على أن تتعهد بتشكيل لجنة مستقلة تتولى التحقيق في الواقعة خلال شهر على أقصى تقدير، مع إحالة كل من يثبت تورطه مباشرة على القضاء .
كما تتضمن ورقة الإتفاق تثمين الطرفين لدور الاتحاد العام للشغل، النقابي والوطني العريق، فضلا عن الالتزام بجميع المعاهدات الاجتماعية المبرمة بين الجانبين وتفعيلها، واختتم نص الوثيقة بإعلان الإتحاد العام التونسي للشغل رسميا إلغاء الإضراب العام، الذي كان مقررا، الخميس.
لكن بعض التسريبات الخاصة، أكدت أن العديد من النقابيين يرفضون إلغاء الإضراب، وأن أقصى تنازل يمكن أن تقدمه المنظمة النقابية هو تعليق الإضراب وليس إلغاؤه بصغة نهائية، في حين تتمسك الحكومة بإلغائه .
وتجمهر منذ قليل، وقبل الإعلان عن قرار إلغاء الإضراب عدد من النقابيين، أمام قاعة اجتماع الهيئة الإدارية، وسط حالة من التشنج والاحتقان، رافعين شعارات تنادي بإقرار الإضراب العام.
وكان وفد حكومي قد اجتمع، إلى حدود ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء، بعدد من قيادات الإتحاد العام التونسي للشغل للتفاوض، بشأن إلغاء الإضراب العام، معلنين عن التوصّل إلى مشروع اتّفاق مبدئي وُصف بالإيجابي دون الكشف عن تفاصيله، حيث أجمع الوفدان المتفاوضان على التكتّم على فحوى هذا الاتّفاق إلى حين المُصادقة عليه من طرف رئاسة الحكومة والهيئة الإداريّة للاتّحاد العام التونسي للشغل.
وفي سياق متصل، أكد رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر، في خطاب توجه به إلى الشعب التونسي، قبوله مواصلة مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل تحت قبة المجلس التأسيسي، بتشريك الكتل النيابية وقوى المجتمع المدني وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.
وأكد بن جعفر أن القرار النهائي بالإضراب يعود إلى الاتحاد العام التونسي للشغل ولهيئته الإدارية .
من جانبه، شدد الناطق باسم حزب التكتل محمد بنور، على أن عديد القيادات في الاتحاد من بينها الأمين العام حسين العباسي، لا يريدون الوصول إلى الإضراب العام، لكن ما تعيشه المنظمة النقابية أجبرتهم على ذلك.
وأكدت المنظمة الشغيلة أنها قررت إلغاء الإضراب استجابة لمصلحة الوطن، التي تفرض على جميع القوى التهدئة والحوار، متمسكة بضرورة محاسبة المعتدين على مقرها وقياداتها عشية احتفالها بمرور ستين عاما على استشهاد مؤسسها فرحاد حشاد، والذي اغتاله الاستعمار الفرنسي يوم 5 كانون الأول/ ديسمبر 1952.
ونتيجة لإنشغاله بالمستجدات السياسية والميدانية، قرر الرئيس التونسي المنصف المرزوقي تأجيل زيارتيه الرسميتين لكل من بلغاريا وبولونيا المبرمجتين أيام 13 و14 و15 كانون الأول/ ديسمبر الجاري.
وأكدت رئاسة الجمهورية، أن سبب تأجيل الزيارتين يعود بالأساس للوضع الحساس الّذي تمر به البلاد، الذي عززه تصاعد وتيرة التجاذبات السياسية، وذلك حرصا من رئيس الدولة على متابعة المساعي من أجل تخفيف حدة الاحتقان بين الأطراف الوطنية.
من ناحيته، ثمّن رئيس الجمهورية التونسية، مساء الاربعاء، قرار الاتحاد العام التونسي للشغل القاضي بإلغاء الإضراب العام، ووصف الرئيس إلغاء الإضراب بـ"الإيجابي والحكيم"، معتبرا ذلك خطوة مهمة في سبيل تنقية الأجواء الاجتماعية وبناء علاقة تعاون وشراكة بين هذه المنظمة الوطنية العريقة والحكومة في سبيل إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي الذي تعيشه البلاد.
وتقدمت رئاسة الجمهورية بالشكر إلى كل الأطراف التي ساهمت في الوصول إلى مخرج للأزمة، مرحبة بانتصار روح الحوار والتوافق كسبيل وحيد لتجاوز الخلافات وتحقيق الأهداف الوطنية.
وفي سياق متصل، وقعت الحكومة التونسية ، مساء الأربعاء، على محضر إتفاق إلغاء الإضراب العام، الذي انفرد "العرب اليوم" بنشر أهم بنوده في وقت سابق، ويقضي الاتفاق الذي وقع عليه كل من وزراء الداخلية علي العريض، والشؤون الاجتماعية خليل الزاوية، والصحة عبد الطيف المكي، والفلاحة محمد بن سالم، بإلغاء الإضراب العام وتشكيل لجنة للتحقيق في أحداث العنف والاعتداء على مقر الاتحاد العام للشغل وقياداته، في غضون عشرة أيام، مع الالتزام بإحالة كل من تثبت النيابة العمومية تورطه إلى القضاء، في أجل أقصاه شهر.