جندي أميركي في أفغانستان
واشنطن ـ يوسف مكي
صرح أحد كبار القيادات العسكرية الأميركية الكولونيل ماريون كارينغتون في مقال في صحيفة "مارين كورب تايمز" الأميركية أن الجيش الأميركي ينظر إلى الأطفال، وكذلك من هو في سن الخدمة العسكرية، باعتبارهم مصدر تهديد محتمل، لأن حركة "طالبان" كانت تستخدم البعض منهم لمساعدتها في شن هجماتها ضد القوات الأفغانية
وقوات التحالف. و ينظر خبراء القانون الدولي ونشطاء حقوق الإنسان إلى هذه التصريحات باعتبارها "مزعجة للغاية". ما أدى إلى مواجهة الجيش الأميركي بتساؤلات وانتقادات جديدة غاضبة، بشأن سياسية الاستهداف العسكري التي يتبعها في أفغانستان.
وقال كارينغتون أن القيادة العسكرية إلى جانب ترقبها لمن هم في سن التجنيد من الرجال الأفغان كانت تضع عينها أيضًا على الأطفال، باعتبار أنهم أصحاب مقاصد وأهداف عدوانية محتملة، كما أشار كارينغتون في المقال الذي يحمل عنوان "بعض الأطفال الأفغان لا يقفون موقف المتفرج" ، إلى واقعة حدثت في 2012، عندما قالت الشرطة المحلية في قندهار أنها اكتشفت أن الأطفال كانوا يساعدون المقاومة الأفغانية عن طريق حمل زجاجات معبأة بكلورات البوتاسيوم.
كما أشار في المقال إلى قيام أحد المسؤولين في الفرق البحرية الأميركية لم يرد اسمه بالتشكيك في "براءة" الأطفال الأفغان، وخاصة الأطفال الثلاثة الذين لقوا مصرعهم بواسطة صاروخ أميركي خلال تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية قد نسبت إلى مسؤولين ومحللين في أفغانستان أن ثلاثة أطفال وهم بورجان 12 سنة وساردار والي 10 سنوات وخان بيبي 8 سنوات قد لقوا مصرعهم في منطقة ناوا بإقليم هيلماند أثناء قيامهم بجمع روث الحيوانات من أجل استخدامه كوقود، إلا أن المسؤولين الأميركيين يزعمون أن الأطفال كانوا يقومون بحفر حفرة على الطريق، وأن "طالبان" ربما كانت تستخدمهم لتنفيذ تلك المهمة.
وخلال 2011، أشارت منظمة "هيومان رايتس ووتش" في تقرير لها إلى زيادة كبيرة في قيام حركة "طالبان" بتجنيد الأطفال، للقيام بعمليات انتحارية، و أن بعض هؤلاء لا تزيد أعمارهم عن سبع سنوات.
إلا أن التوسع الواضح في سياسة الاستهداف العسكرية التي يتبعها الجيش الأميركي في الوقت الراهن قد أصابت جماعات ونشطاء حقوق الإنسان وجهات قانونية بانزعاج شديد، حيث يقول استاذ القانون في جامعة "يوتاوا" عاموس غيورا، والمتخصص في شئوون مكافحة الإرهاب، أن ما قاله كارينغتون يعكس تحول وتغير في تعريفات الأهداف العسكرية المشروعة داخل إدارة أوباما.
وقال غيورا الذي أمضى سنوات في الجيش الإسرائيلي، كما عمل مستشارًا قانونيًا للجيش الإسرائيلي في شأن قطاع غزة "إن ما قاله كارينغتون إنما هو التعبير بوضوح عن مدى السياسة المضطربة التي تتبناها إدارة إوباما". وأضاف "إن القرار العسكري الأميركي في هذا الشأن، إنما هو في واقع الأمر غير مشروع، ويفتقد إلى الأخلاقيات، ويثير ما هو أكثر من الانزعاج".
وتابع قائلاً "إن المزعج في الأمر هو محاولة القيادة العسكرية توسيع مجال أهدافها على هذا النحو، وهذا لن ينجح على كافة المستويات الميدانية والأخلاقية والعملية". كما استشهد غيورا بتصريحات رئيس جهاز مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض جون برنان، خلال نيسان/أبريل الماضي، والتي تحدث خلالها عن توسيع تعريفات التهديدات الوشيكة، وجعلها أكثر مرونة.
كما أعرب المستشار القانوني في مركز الحقوق الدستورية، براديس كيبرائيل، والمتخصص في شؤون القتل المستهدف، عن انزعاجه بشأن ما يبدو أنه محاولة لتبرير أميركي لقتل الأطفال. حيث رأى أن ما قاله كارينغتون هو أحد التصريحات الرسمية، ولكنه لا يدري ما إذا كان هذا الأسلوب هو المستخدم حاليًا، إلا أن التصريح في حد ذاته يثير الإنزعاج.
وتواجه الولايات المتحدة في الوقت الراهن انتقادات شديدة بسبب استخدامها لمصطلح "إنسان في سن التجنيد"، لتبرير عمليات القتل المستهدف لأشخاص غير معروفة هوياتهم. ووفقًا لهذا التعريف الأميركي، فإن أي فرد يصل إلى سن التجنيد وتقتله طائرة أميركية بلا طيار المعروفة باسم "درون"، فإنه في نظر الأميركيين محارب، وليس من المدنيين، ما لم يثبت العكس بأدلة واضحة.
ويقول كيبرائيل "إن هذا التعريف سبق وأن استخدمته الولايات المتحدة في باكستان والصومال واليمن"، ويضيف "إن القانون يسمح باستهداف المدنيين إذا كانوا يشاركون مباشرة وبصراحة في العمليات القتالية، ولهذا فإن المعايير الأميركية تفترض أن أي فرد وصل سن التجنيد في منطقة الحرب هو محارب، وهو ما يخرج بعيدًا عما يسمح به القانون الدولي".
كما يضيف كيبرائيل كذلك "إن المقال الذي كتبه كارينغتون يثير العديد من التساؤلات بشأن كيفية قيام القوات الأميركية بحصر القتلى وتصنيفهم، وهل تم تصنيفهم على أنهم أفراد في سن التجنيد، أم أنهم أطفال يحتمل أنهم يكنون نوايا عدوانية أم أنهم متفرجين أبرياء".
هذا، وكان رئيس جهاز مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض جون برينان قد قال "إننا عندما نفكر في استخدام القوة المدمرة فإننا نسأل أنفسنا بشأن ما إذا كان هذا الفرد المستهدف يشكل خطرًا علي المصالح الأميركية، وهذا في حد ذاته هو السبب الجوهري لقيامنا بمثل هذا التصرف".
يذكر أن هناك ما يزيد عن 200 طفل قد لقوا مصرعهم في باكستان والصومال واليمن على يد جهاز "سي آي إيه" والقيادة المشتركة للعمليات الأميركية الخاصة، وذلك وفقًا لتقارير المنظمة البريطانية المعروفة باسم "مكتب الصحافة الاستقصائية".