صورة من الارشيف  لعناصر من الجيش اليمني صنعاء ـ علي ربيع    كشفت الأسابيع الستة الأولى منذ انطلاق مؤتمر الحوار اليمني الشامل المنعقد في العاصمة صنعاء عن مؤشرات واضحة بشأن إمكانية توصل الأطراف السياسية المشاركة فيه إلى توافق وطني بشأن أبرز الملفات المطروحة على طاولة الحوار، بما فيها هوية الدولة وشكلها ونوعية نظام الحكم رغم حجم التباينات الواسعة بين الفرقاء اليمنيين، وفي ظل توقع المزيد من العقبات التي ستفرزها نقاشات الأسابيع المقبلة.
  وفي هذا السياق ظهر خيار"الدولة الفيدرالية" من خلال ما تطرحه القوى اليمنية على طاولة الحوار راجحاً حتى الآن. وهو الخيار الذي يدعمه الحزب الاشتراكي اليمني، من خلال رؤيته التي قدمها بشأن هوية الدولة وشكلها، كما أنه الخيار الذي يعتقد أن ينحاز إليه حزب "المؤتمر الشعبي"(حزب صالح) وحلفاؤه، بالإضافة إلى حزبي البعث والناصري، وممثلي "الحراك الجنوبي"، مع فوارق نسبية في كيفية فهم كل طرف لتفاصيل هذه"اللامركزية" المرتقبة.
   ويميل الحزب الاشتراكي اليمني إلى الأخذ بشكل الدولة المركبة، وتقسيم اليمن إلى أقاليم فيدرالية، لم يحدد عددها بعد، تكون لها حكومات محلية وبرلمانات في ظل دولة اتحادية مركزية في صنعاء، تتولى إدارة الأمور السيادية للدولة كالدفاع والموارد الطبيعية وتوزيع الثروة، ومع وجود نظام برلماني يقوم على القائمة النسبية، ومجلس لرئاسة الدولة يتألف من رؤساء الأقاليم.
   وكثف حزب المؤتمر الشعبي، خلال الأيام الأخيرة، من المشاورات التي يعقدها بحضور رئيسه صالح (الرئيس السابق) مع ممثليه في الحوار، بشأن الرؤى التي سيطرحها الحزب إزاء القضايا المطروحة على طاولة الحوار. في وقت كشفت فيه مصادر إعلامية تابعة للحزب أن هذه المشاورات متعلقة بدراسة خيارات الأنظمة السياسية كافة التي يمكن تبنيها، بما فيها النظام البرلماني والحكومات المحلية، وتوزيع القوة الدستورية والإدارية والمالية بين منصبي رئيس الدولة الذي يجب أن يستمر كرمز سيادي للدولة، ورئيس الحكومة المركزية باعتباره المسؤول التنفيذي الأول، وبين المركز والمحليات التي سبق وأعلن رئيس الحزب قبل أعوام استعداده للأخذ بها".
  من جهته بدا حزب التجمع اليمني للإصلاح(الإخوان المسلمون)، غير متحمس لخيار الفيدرالية، وفقاً لتصريحات سابقة أطلقها أمينه العام عبد الوهاب الآنسي، وعززها، الجمعة القيادي البارز وعضو مجلس الشورى في الحزب ورجل الدين المثير للجدل الشيخ عبد المجيد الزنداني من خلال بيان له، حصلت "الحياة" على نسخة منه، رفض فيه فكرة تقسيم اليمن إلى أقاليم فيدرالية، وأطلق فيه ما أسماه "نداء لليمنيين" مُحذِّراً من "جهود مشبوهة لإقصاء حكم الشريعة" على حد قوله، ومعتبراً "الفيدرالية" مؤامرة استعمارية لإضعاف اليمن.
  وقال الزنداني "يريدون تقسيمنا لكي نكون ضعافاً فإذا كنا ضعافاً استطاعوا أن يستولوا على الثروات التي في بلادنا وأن ينصبوا علينا حكاما يقومون بخدمتهم وينوبون عن الاستعمار في إذلالنا كما رأينا ذلك من حكامنا طوال العقود الماضية خلال 50 عاماً ونحن نُحْكَم عن طريق الاستعمار بالوكالة ".
  إلا أن مصدراً مقرباً من قيادة حزب الإصلاح تحدث لـ"الحياة" وأكد أن رأي الشيخ الزنداني مجرد وجهة نظر تخصه لوحده، وقال المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه" إن الحزب سيدعم في النهاية فكرة الأقاليم الفيدرالية في إطار الدولة المركزية، باعتبارها السقف الأدنى الذي يمكن أن توافق عليه النخب السياسية في المحافظات الجنوبية، لكننا لن نوافق على فكرة الدولة الاتحادية بين إقليمين فقط، شمالي وجنوبي، باعتبار ذلك مقدمة للانفصال" بحسب تعبيره.
   وكان من اللافت في طروحات القوى السياسية اليمنية البارزة، المشاركة في الحوار الوطني تطابق وجهات نظرها بشأن "هوية الدولة" حيث أكدت أحزاب الاشتراكي، والمؤتمر الشعبي، والرشاد السلفي، أنها تتبنى ضمن الدستور القادم النص على "أن اليمن دولة عربية إسلامية، دينها هو الإسلام وهو مصدر التشريعات كلها"، وهو تطابق يأتي بخلاف ما كان منتظراً من حزب كالاشتراكي، توقع مراقبون أن يميل إلى طروحات الأحزاب القومية والليبرالية التي ترى "أن الإسلام أحد مصادر التشريع" أو تلك التي ترى أنه"المصدر الرئيس للتشريع".
   وتفاوتت رؤى المكونات السياسية المشاركة في الحوار، بشأن جذور وبدايات"قضية صعدة" وسط مؤشرات عن نشوء تحالفات جديدة في خارطة التحالفات الحزبية اليمنية، يمكن أن تتعمق لاحقاٌ، إذ اقتربت رؤى"حزب الرشاد السلفي" وحزب الإصلاح الإسلامي (الإخوان المسلمون) وحزب المؤتمر الشعبي وحلفاؤه، بشأن توصيف "قضية صعدة"، واتهمت ضمنياً جماعة الحوثي (الشيعية) بالتمرد على الدولة وحمل السلاح في وجهها، خلال الأعوام الماضية، في حين اتسمت رؤى الاشتراكي والناصري بالحياد، بينما قدمت جماعة الحوثي (أنصار الله) رؤية مشتركة مع ممثلي"الحراك الجنوبي" في توصيفها لجذور "قضية صعدة".
   وتباينت رؤى المتحاورين بشأن جذور "القضية الجنوبية" وملف العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، وتحديد المدة الزمنية التي ينبغي معالجة الانتهاكات التي سادت خلالها، خاصة في الجنوب، ففي حين يرى الحزب الاشتراكي أن "جذور القضية الجنوبية" تبدأ من حرب صيف 1994 التي شنها، على حد رؤيته " نظام صالح ومنظومة الحكم الدينية القبلية المتحالفة معه على شريك الوحدة بالقوة ونجم عنها تدمير ونهب مقدرات الجنوب"، يعود حزب "الرشاد" السلفي بالقضية وجذورها إلى فترة استعمار بريطانيا لجنوب اليمن وقيامها بفصله عن الشمال، وصولاً إلى إعلان الانفصال من قبل علي سالم البيض وتسببه في حرب 1994، بينما حمّل حزب التجمع اليمني للإصلاح نظام صالح السابق المسؤولية عن الأخطاء والمظالم كافة التي لحقت بالجنوبيين.
وفي حين يتوقع مراقبون سياسيون أن تحفل الأسابيع القليلة القادمة بالمزيد من الوضوح بشأن المخرجات التي ستنتج عن هذا المؤتمر الذي يأتي ضمن متطلبات العملية الانتقالية في البلاد ويحظى برعاية أممية ودعم دولي. تواصل فرق ومجموعات مؤتمر الحوار أعمالها في صنعاء بمشاركة أكثر 550 عضواً، وسط انضباط في الحضور، وأجواء مدعومة بخبراء دوليين استقدمتهم اللجنة المنظمة.
   ويعد مؤتمر الحوار اليمني، أول اجتماع من نوعه في تاريخ البلاد، لجهة التحضيرات التي سبقت له وشمولية المشاركين فيه، باستثناء غياب فصيل في"الحراك الجنوبي" يتزعمه نائب الرئيس اليمني الأسبق علي سالم البيض المقيم في بيروت، كان قرر رفض المشاركة وتمسك بمطلب انفصال جنوب اليمن عن شماله.
  وبخصوص ما أعلنه، أخيراً القيادي الجنوبي المعارض أحمد الصريمة من انسحابه من مؤتمر الحوار الذي كان يشغل فيه منصب نائب الرئيس إلى جانب خمسة نواب آخرين، بسبب عدم تلبية شروطه من قبل الرئيس هادي، أكدت مصادر سياسية لـ"الحياة" أن هذا الانسحاب لن يؤثر على مشاركة ممثلي"الحراك الجنوبي" في الحوار. كما توقعت أن يقوم الرئيس هادي بتعيين نائب جنوبي له من"الحراك" في رئاسة المؤتمر الحوار بديلاً للصريمة الموجود حالياً في سلطنة عمان.
  ويواصل مستشار الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه إلى اليمن، جمال بنعمر، عقد لقاءات مكثفة مع مختلف القوى والأحزاب اليمنية المشاركة في الحوار لتقريب وجهات النظر بينها بشأن القضايا الخلافية.
  ودوّن المبعوث الأممي، على صفحته في "فايسبوك" الجمعة الماضية، لائحة باللقاءات التي أنجزها، مبدياً ارتياحه لما وصفه بـ"الانطلاقة الناجحة لمؤتمر الحوار وللتعاون الذي يبديه الأطراف جميعهم من أجل إنجاحه". لكنه استدرك بالقول "أستشعر كذلك ضخامة المهام الملقاة على عاتق المؤتمرين من أجل الوصول إلى مخرجات حقيقية تلبّي طموحات الشعب اليمني في التغيير".
   وعلمت "الحياة" من مصادر سياسية مطلعة في صنعاء عن مشاورات يجريها المبعوث الأممي جمال بنعمر مع المسؤولين اليمنيين وقيادات الأحزاب، بشأن مؤتمر مرتقب تحت رعايته يهدف لجمع المعارضين الجنوبيين في الخارج على طاولته لتوحيد مواقفهم بشأن مستقبل جنوب اليمن، و إقناعهم بالالتحاق بركب الحوار الدائر في صنعاء.
   ومن المفترض أن يتوصل المتحاورون اليمنيون إلى توافق شامل حول ملفات الحوار المطروحة بما فيها شكل الدولة القادم، والنظام السياسي والعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية والحكم الرشيد، وبما يضمن إنهاء النزعة الانفصالية في الجنوب وينهي التمرد الشيعي في الشمال، وصولاً إلى كتابة دستور يستفتى عليه شعبياً وتقام بموجبه انتخابات عامة في شباط/فبراير 2014 ختاماً للعامين الانتقاليين اللذين تولى خلالهما الرئيس هادي السلطة في أعقاب تنحي سلفه صالح عنها بموجب خارطة طريق قدمتها دول الخليج إبان الأزمة السياسية التي عصف باليمن وما نجم عنها من أحداث عنف وانقسام بالجيش بالتزامن مع الانتفاضة العارمة ضد نظام صالح في العام 2011.