تظاهرة مؤيدة للرئيس المصري محمد مرسي، وأخرى مناهضة له
لندن - سليم كرم
أكد محللون سياسيون وخبراء إستراتيجيون، أنه "على الرغم من سقوط عدد من أنظمة الحكم الديكتاتورية في المنطقة العربية، وما أعقب ذلك من تطلع نحو الحرية والعدالة، إلا أن الأشهر الاثني عشر الماضية شهدت في تلك البلدان حالة من الانقسام والشكوك، وأن الثورات العربية استطاعت أن تخرج جني أو عفريت عدم
الرضا من قمقمه، وليس هناك من يستطيع أن يُعيده إلى القمم مرة أخرى".
ونشرت صحيفة "اندبندنت" البريطانية، تحليلاً سياسيًا في هذا الشأن، جاء فيه "نعم، كانت هناك احتفالات في أوساط هؤلاء الذين استطاعوا الوصول إلى سدة الحكم والسلطة، وبالتحديد الإسلاميين، ولكن وعلى الجانب الآخر كانت هناك احتجاجات من جانب هؤلاء الذي تخوفوا من شكل جديد من أشكال الديكتاتورية، وهو شكل الحكم الديني الثيوقراطي، لقد شهدت تلك البلدان صناديق الاقتراع وطوابير الناخبين، وهي المرة الأولى التي يبدو فيها هذا المشهد في بعض البلدان منذ عشرات السنين، ومع ذلك لم يختفِ السلاح، وبدأت المواجهة بين المتنافسين الذين سبق وأن كانوا يدًا واحدة خلال فترات الانتفاضة والثورة على النظم السابقة، وأخذ كل طرف يدافع عن وجهات نظره بشأن القيم الحقيقية التي قامت من أجلها الثوارات العربية".
وأوضحت الصحيفة البريطانية، أن "هناك أيضًا الكثير من المشكلات التي صاحبت الثورات العربية، ظهرت على السطح، حيث وصلت المفاوضات بين الغرب وإيران بشأن البرنامج النووي الإيراني إلى طريق مسدود، في الوقت الذي أبدت فيه إسرائيل استعدادها لضرب المنشآت النووية الإيرانية، كما قامت حكومة نتنياهو في إسرائيل بقصف حركة (حماس) الفلسطينية في قطاع غزة، وعلى عكس ما حدث العام 2008 فإن قصف إسرائيل لغزة هذه المرة لم يكن له ما يبرره، وعلى الرغم من قيام الطرفين بالتوقيع على اتفاق بوقف إطلاق النار، إلا أن أيًا من الطرفين لم يبدِ اهتمامًا بالتوصل إلى اتفاق سلام بعيد المدى، وعلى الصعيد التركي نشبت معارك بين القوات التركية وحزب (العمال الكردستاني الانفصالي)، والتي أسفرت عن أعلى معدل من الخسائر البشرية منذ فترة طويلة، الأمر الذي أضفى على إقليم الشرق الأوسط السريع التقلب المزيد من القابلية للاشتعال، أما عن سورية فهي الفصل الذي لم ينتهِ بعدُ في فصول الثورات العربية، والحرب الأهلية فيها تأخذ أبعادًا أعمق من الشر، كما أنها تلقي بظلالها على غيرها من بلدان المنطقة، لقد كانت حدة الصراع في المنطقة تتزايد مع تتابع كل تمرد، وفي البداية كان هروب رجل تونس القوي زين الدين بن علي بعد أيام قلائل من أعمال الشغب، وفي مصر سقط نظام حسني مبارك بعد أسابيع قليلة من التظاهرات الاحتجاجية، والتي لم تخلُ من خسائر في الأرواح، والشيء نفسه تكرر في اليمن بسقوط علي صالح، أما ليبيا فقد شهدت صراعًا مسلحًا استمر تسعة أشهر أسهم فيه تدخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى حسم المعركة بسقوط نظام القذافي".
وأشارت "اندبندنت" إلى أن "الصراع في سورية يبقى هو الأكثر دموية حتى الآن، بسبب الطابع الطائفي الذي غلف الصراع هناك، حيث تقف المقاومة السورية التي يهيمن عليها الجماعات السنية، في مواجهة مع النخبة العلوية الشيعية التي تحكم البلاد، وقاد ذلك إلى قيام كل من إيران وجماعة (حزب الله) في لبنان بدعم الأسرة العلوية الشيعية في سورية، بينما تلقى المعارضة السورية دعمًا من جانب دول الخليج السنية المتمثلة في كل من قطر والسعودية، وإلى حد ما بعض من السنة في كل من ليبيا ولبنان، أما تركيا ذات الغالبية السنية والتي تضم أيضًا أقلية علوية، فهي تستضيف ما يزيد على 100 ألف لاجئ سوري، كما توفر لهم الحماية عبر حدودها، وفي أعقاب سقوط صورايخ من سورية على قرى في تركيا، قامت حكومة أنقرة بتأمين أوضاعها، عن طريق إقامة أنظمة صورايخ (باتريوت) تابعة لـ"الناتو" على حدودها، وعلى الرغم من أن الدول الغربية تؤكد على أن الهدف من هذا الإجراء دفاعي بحت، إلا أن روسيا التي تدعم سورية تقول إن أميركا وحلفائها يستعدون للتدخل العسكري في سورية، والواقع أن الشكوك الروسية في النوايا الغربية ليست وهمية في معظمها، فالأموال الأميركية والفرنسية والبريطانية تتدفق نحو المعارضة السورية، وهناك خطط لتدريب مقاتلي المقاومة السورية، وتظل روسيا والصين على موقفهما بالتصدي لأي قرار من مجلس الأمن يهدف إلى فرض منطقة حظر جوي فوق سورية، على أساس أن مثل هذا القرار سبق وأن أعطى الضوء الأخضر للغرب في قصف ليبيا، ومع ذلك فقد بدت بعض المؤشرات التي تشير إلى أن روسيا بدأت تنأى بنفسها عن الأسد في الوقت الذي تواصل فيه تحذيراتها من الفوضى التي قد تعقب انهيار حكومة الأسد، كما أن الولايات المتحدة تبدي أيضًا قلقها ومخاوفها من تزايد نفوذ الجماعات (الجهادية) الإسلامية في صفوف المعارضة السورية، وبخاصة بعدما تعرضت قنصليتها في بنغازي إلى هجوم على يد جماعة من هولاء تنتمي إلى تنظيم (القاعدة)، وأسفر عن مقتل أربعة أميركيين، من بينهم السفير الأميركي في ليبيا".
وأضافت الصحيفة "من وجهة نظر معتدلة فإن ليبيا تمثل قصة نجاح ضمن الثورات العربية، لا سيما وأن الأحزاب الإسلامية فيها لم تحقق نجاحًا كبيرًا، على الرغم من حملات الدعم من جانب كل من قطر والسعودية، وفي الأسابيع التي أعقبت الهجوم على السفارات الغربية في الكثير من البلدان الإسلامية احتجاجًا على الفيلم المسيء للإسلام، خرجت الجماهير في بنغازي لطرد الجماعات الدينية المتشددة، ومع ذلك، يواصل الإسلام السياسي مساعيه نحو السلطة في الكثير من بلدان المنطقة، فهناك (حماس) في غزة بعد نجاحها في ضرب تل أبيب وبعض ضواحي القدس بصورايخها، كما حاول الرئيس المصري محمد مرسي وهو من جماعة (الإخوان) المسلمين استغلال شعبيته بعد التوسط بين إسرائيل و(حماس)، في القيام بانقلاب دستوري ولكنه فشل، ولكن ذلك لم يمنعه من إجراء استفتاء على دستور ذي صبغة إسلامية، أما في تونس فقد وصل حزب (النهضة) إلى السلطة، ولكنه فشل في تحسين الاقتصاد، وهو الآن يتبنى النغمة التي يرددها المتطرفون السلفيون، أما النشطاء العلمانيون، خصوم الإسلاميين، فقد عقدوا العزم على التصدي للإسلاميين، وهم يعكفون الآن على رسم خطوط المواجهة، لقد استطاعت الثورات العربية أن تخرج جني أو عفريت عدم الرضا من قمقمه، وليس هناك من يستطيع أن يعيده إلى القمم مرة أخرى