رئيس الحكومة الليبية الموقتة علي زيدان
طرابلس/القاهرة - مفتاح المصباحي/أكرم علي
أكد أن القبض على أحمد قذاف الدم في مصر جاء بالتنسيق بين السلطات في البلدين، وبناءًا على ما قدمته ليبيا من مذكرات قضائية وقانونية في حقهم، وأشار إلى آفاق العلاقات الاقتصادية بين البلدين، متقدمًا بالشكر للحكومة المصرية لمساعدتها في توقيف المطلوبين للعدالة في ليبيا.
وأوضح زيدان في مؤتمرٍ صحافي، عقده في طرابلس، الثلاثاء، أن "ليبيا لن تتخلى عن مصر، وستشهد العلاقات بين البلدين آفاقًا أوسع من التعاون في شتى المجالات، لا سيما الاقتصادي"، وأضاف قائلاً "الدعوة وجّهت لبعض الشركات المصرية، من بينها شركة المقاولون العرب للعمل والاستثمار في ليبيا".
وأشار زيدان إلى أن "المقبوض عليهم سيحصلون على محاكمة عادلة أمام القضاء الليبي، وسيتم إيداعهم داخل سجون تتوافر فيها المعايير العالمية لصون حقوق الإنسان والمعاملة المُثلى"، مبينًا أن السلطات الليبية عيَّنت قاضيًا متواجدًا في السفارة الليبية لدى القاهرة لمتابعة هذا الملف، وتقديم ما يلزم من وثائق بشأن تسليم رموز النظام إلى ليبيا.
ويحقق مكتب "التعاون الدولي" في النيابة العامة المصرية، مع منسق العلاقات المصرية اللبيبة السابق أحمد قذاف الدم، عقب قيام قوات "الإنتربول" بالتنسيق مع مباحث تنفيذ الأحكام في القاهرة بالقبض عليه، الثلاثاء، داخل منزله في منطقة الزمالك، حيث يفحص المكتب القضايا المطلوب فيها قذاف الدم، وينهي إجراءات تسليمه للجانب الليبي، نظرًا لتوقيع اتفاق مع قيادات الثورة الليبية، يهدف لتسليم عدد من رموز نظام القذافي، الذين تمكنوا من الهروب والإقامة داخل مصر، عقب سقوطه.
وأكدت مصادر حكومية مصرية، في تصريح خاص إلى "العرب اليوم" أن "رئيس وزراء ليبيا اتفق مع نظيره المصري، أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة، على القبض على عناصر النظام السابق الليبي، والذين يتواجدون في القاهرة، مقابل تهدئة العلاقات بين البلدين، والمزيد من الاستثمارات".
وأضافت المصادر أن "قنديل وعد زيدان بتحقيق هذا الطلب، خلال فترة قصيرة من زيارته للقاهرة، لبدء صفحة جديدة مع الدولة الليبية الجديدة".
وألقت قوات الأمن أيضًا، بالاشتراك مع "الإنتربول"، القبض على القائم بأعمال السفارة الليبية لدى القاهرة علي ماريا، وذلك بناءًا على طلب الإنتربول الدولي لاتهامه في عدد من قضايا النظام الليبي السابق.
وكشفت التحريات أن المتهم يختبئ في فيلته في منطقة الشيخ زايد، وبعد تحديده، توجهت قوة بإشراف رئيس مباحث قطاع أكتوبر، مجدي عبد العال، بالإشتراك مع الأمن العام و"الإنتربول"، وتم محاصرتها، إلا أن المتهم قام بإحكام غلق أبواب ونوافذ الفيلا، ورفض الخروج، محاولاً الهرب.
وأكد مصدر أمني لـ"العرب اليوم"، أن أحمد قذاف الدم قد سلَّم نفسه إلى قوات الأمن، التي حاصرت منزله في الزمالك، صباح الثلاثاء، وذلك بناءًا على أمر ضبطه وإحضاره الصادر عن "الإنتربول"، لاتهامه في عدد من قضايا النظام السابق في ليبيا.
وقال المصدر الأمني "إن قذاف الدم ادعى أن مجموعات مسلحة تهاجم منزله، ولكنه تبين أن قوات الأمن تريد القبض عليه تلبية لطلب (الإنتربول) لاتهامه في قضايا عدة، وأن قذاف الدم وحرسه الخاص أطلقوا النار على الأمن المصري، واستمرت المناوشات بينهما بعض الوقت"، نافيًا محاولة إطلاق الرصاص على المسؤول الليبي السابق من قبل مجهولين، مشيرًا إلى أن "باب المنزل الذي يسكن فيه قذاف الدم مصنوع من الفولاذ وصعب اقتحامه".
ويأتي القبض على بعض رموز نظام القذافي الموجودين في مصر، بعد الزيارة التي قام بها علي زيدان إلى مصر، خلال الأيام الماضية، ومباحثاته مع السلطات المصرية، بغية تسليم المطلوبين، وأيضًا بعد تنسيق بين السلطات القضائية في البلدين.
فيما تساءل محللون ومراقبون للوضع الليبي عن "خفايا التطور الدراماتيكي لأحداث تسليم رموز نظام القذافي في مصر، في الوقت الذي تشهد فيه مصر أزمة مالية خانقة، لم يتم إسعافها بعد من قبل صندوق النقد الدولي، فهل كانت ليبيا هي المنقذ؟.
وأعاد القبض على قذاف الدم إلى الذاكرة ما قامت به الحكومة الليبية السابقة من دفع للأموال الطائلة، سواءًا كانت على شكل استثمارات أو غير ذلك إلى تونس وموريتانيا من أجل تسليم آخر رئيس للوزراء في عهد القذافي، البغدادي المحمودي، ورئيس المخابرات آنذاك عبد الله السنوسي، فإذا كان الأمر لا يعدو كونه صفقة بين الحكومتين الليبية والمصرية، فكم يبلغ ثمن قذاف الدم؟ وهو رجل المهام الخاصة والسرية لدى القذافي.
ويرى آخرون أن "الضغوطات الليبية على الحكومة المصرية، بدءًا من فرض التأشيرة على المصريين الراغبين في الدخول إلى ليبيا، والقبض على مجموعة من الأقباط داخل ليبيا بتهمة التنصير، وإغلاق الحدود أمام الشاحنات التجارية المصرية، قد أتت أُكلها، وحققت حكومة زيدان نصرًا سياسيًا يحسبُ لها، في وقت تواجه فيه انتقادات لاذعة من قبل الشارع الليبي.
هذا، وقد هنأ "المؤتمر الوطني العام" الشعب الليبي بالقبض على أحمد قذاف الدم، أحد رموز نظام القذافي المطلوبين، من جانب السلطات المصرية، تمهيدًا لتسليمه إلى ليبيا، التي كانت قد تقدمت بمذكرات للشرطة الدولية "الإنتربول" لمساعدتها في استلام متهمين من النظام السابق، الفارين خارج البلاد.
من جانبه، اتهم "المجلس الأعلى للثوار" الحكومة بالتهديد باستجلاب قوات أجنبية لفرض الأمن، وكذلك الفشل في تقديم حلّ ملموس للمشكلات التي تمر بها البلاد، والتعدي على صلاحيات ومهام "المؤتمر الوطني العام" التشريعية، واستباحة سيادة الدولة من خلال فتح المجال الجوي للمراقبة الرادارية في المدن الليبية كافة.
وطالب المجلس، في بيانٍ له، بحجب الثقة عن الحكومة، على أن يقوم "المؤتمر الوطني العام" باختيار شخصية مستقلة، لا تنتمي لأي حزب، ولها دور بارز في ثورة 17 شباط/فبراير، لتولي تشكيل الحكومة.
وأكد المجلس "دور الثوار الأساسي في حماية البلاد وتأمينها، رغم المحاولات الممنهجة لتهميشهم واستبعادهم من المشهد السياسي، وأن الثوار بصدد اتخاذ ما يلزم من إجراءات لحل كل هذه القضايا، وفق شرعية ثورة 17 شباط/فبراير، لحماية من قاموا بها وكان لهم السبق في الفضل والشرف".
واستقبل المواطنون الليبيون خبر القبض على قذاف الدم وآخرين بالبهجة، في اليوم الذي تحتفل فيه مدينة بنغازي لمناسبة الذكرى الثانية للتصدي لكتائب القذافي ودحرها على أبواب المدينة، بجهود ثوار سلاح الجو الليبي، حيث أقيم احتفالٌ شعبي كبير لهذه المناسبة، كان من المزمع أن يحضره الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، إلا أن حشود المحتفلين حالت دون وصوله إلى مكان الاحتفال ترحيبًا به.
وكان رئيس الحكومة الليبية الموقتة قد أشار في مؤتمره الصحافي إلى "المجهودات التي بذلها ساركوزي آنذاك، عندما كان في سدّة الحكم، وتجاوبه مع طلب الثوار الليبيين في المساعدة، من خلال توجيه ضربة جوية لكتائب القذافي، حتى قبل أن يصدر قرار مجلس الأمن بشأن حماية المدنيين في ليبيا".
يذكر أن أحمد قذاف الدم القذافي هو منسق العلاقات الليبية/المصرية السابق، وابن عم الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، وكان يُصنّف ضمن دائرة كبار المسؤولين الأمنيين في النظام الليبي، وأحد أهم رجال "الخيمة" (الحلقة الضيقة من المسؤولين، الذين كانوا يحظون بثقة القذافي).