رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي ووزير الطاقة جبران باسيل
بيروت ـ جورج شاهين
كشفت مصادر واسعة الإطلاع لـ"العرب اليوم"، عن ضغوط دبلوماسية بدأ يتعرض لها لبنان خلال الساعات القليلة الأخيرة، لوقف مسلسل تورطه في خرق العقوبات الدولية الاقتصادية والنفطية، تحديدًا المفروضة على سورية، من خلال سياسة وزير الطاقة جبران باسيل، صهر العماد ميشال عون حليف
الحكومة السورية، فيما حذر محللون من أنّ "هذا الموقف الخطير قد يجرّ عقوبات أميركية وأوروبية على لبنان، تبدأ بالتنبيه لتنتهي بفرض حصار اقتصاديّ عليه، مرورًا بمنع المساعدات الماليّة للدولة اللبنانية وتجميد حساباتها ومنع تحويل الأموال أو المساعدات إليها وإلى أفراد من الحكومة، فضلاً عن حظر حركة الطيران من لبنان وإليه".
وأضافت المصادر ذاتها، أن الخروق بدأت منذ سنوات عقب التفاهم الذي وقعه عون في 6 شباط/فبراير مع "حزب الله"، وهو الذي عرف بـ "تفاهم مار مخايل"، نسبة إلى صالون كنيسة مار مخايل الذي جرى توقيع التفاهم فيه، بين عون والأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، الواقعة على خط التماس القديم بين عين الرمانة والضاحية الجنوبية معقل "حزب الله".
وقالت المصادر إن "رئيس الحكومة الذي التقى الإثنين، عددًا من السفراء الأوروبيين، تلقى شكاوى دبلوماسية تسأل عن حقيقة ما تناولته وسائل الإعلام اللبنانية عن حركة نقل المحروقات المحظورة إلى سورية، وهو أمر شكل إنذارًا أوروبيًا بضرورة وقف كل أشكال الخروق للعقوبات الدولية، موضحة أن وفدًا أميركيًا سيصل قريبًا إلى بيروت، لمتابعة هذه القضية، أسوة بالزيارات السابقة التي رافقت الحديث عن تهريب أموال سورية وإيرانية، تشكل خرقًا للعقوبات الدولية المفروضة على إيران بسبب ملفها النووي، وعلى سورية بسبب حربها على السكان المدنيين فيها.
وأوضحت المصادر اللبنانية، أن "حركة نقل المازوت بالصهاريج السورية الكثيفة التي نقلت آلاف الأطنان من المازوت لصالح الجيش السوري، هي التي شكلت الشاهد على الخرق اللبناني المتمادي للعقوبات، وهي صهاريج تتمتع بتراخيص خاصة من وزير الطاقة، تسمح لها بدخول كازخانات المازوت في المناطق اللبنانية كافة، وتحديدًا من طرابلس شمالاً والدورة قرب العاصمة، والزهراني جنوبًا، وهي تسلك الطرقات الدولية تحت جنح الظلام منذ أيام باتجاه بوابات الحدود في المصنع شرقًا والعبودية شمالاً، وصولاً إلى عمق الأراضي السورية قبل أن تبدأ العملية منذ الصباح نهارًا وجهارًا.
وصباح الثلاثاء، رصدت صهاريج سورية قدرت بما يزيد على عشرة تنقل ما لا يقل عن 250 ألف لتر من المازوت إلى المصنع عبر طريق ضهر البيدر، فيما رصدت حركة خمس شاحنات - صهريج سورية وصلت إلى جسر المدفون على مدخل محافظة الشمال اللبناني وهي في طريقها إلى سورية عبر الحدود الشمالية، بعدما حملت بالوقود من منطقة الدورة على مدخل بيروت الشمالي، كما رصدت صهاريج مازوت سورية تنتظر تحت جسر الكرنتينا على الطريق البحرية لدخل بيروت الشمالي لتعبئة الوقود من مستودعات إحدى الشركات اللبنانية لتخزين الوقود، وقبل الظهر سرت دعوات عبر شبكات التواصل تدعو أبناء طرابلس إلى الاعتصام عند "مستديرة أبو علي"، لمنع الشاحنات من نقل المحروقات لـ "دبابات الجيش السوري" كما قالت هذه الدعوات.
وفي هذا الإطار، نفى وزير الدولة أحمد كرامي، المحسوب على فريق رئيس الحكومة، علم الحكومة بقرار باسيل، قائلاً "ليس هناك من قرار، وهذا الأمر لم يعرض في مجلس الوزراء"، وعن احتمال طرح الموضوع على جلسة مجلس الوزراء الأربعاء أوضح "سنرى ماذا يريد رئيس الحكومة الرئيس نجيب ميقاتي"، مؤكدًا إمكان أن يتأثر لبنان بتداعيات هذه الخطوة.
وتعليقًا على عمليات التهريب "المقوننة" من وزارة الطاقة، علق عضو كتلة نواب المستقبل النيابية النائب أحمد فتفت، على ما سمي "نقل المحروقات من لبنان إلى سورية"، فشدد على أن "هذا الموضوع يشكل فضيحة كبيرة بحق لبنان، مضيفًا "هذه الفضيحة تشكل خرقًا للقواعد التي حتمت التعاون مع الحكومة السورية، وهذا يثبت أن هذه الحكومة لم تكن في لحظة من اللحظات نائية بنفسها، بل هي بهذا المجهود تدعم الرئيس بشار الأسد وتحديدًا على الصعيد العسكري، لأنه يبدو أن هناك قسمًا من المحروقات المنقولة تستعمل في الشأن العسكري".
وأكد عضو كتلة نواب "المستقبل" ورئيس لجنة الأشغال العامة والطاقة النيابية، النائب محمد قبّاني، أنّ "المعلومات واضحة لجهة ما بثّته وسائل الإعلام التي صوّرت الصهاريج السورية وهي تنقل مادة المازوت من مصفاة الزهراني إلى سورية، فضلاً عن المقابلات مع السائقين"، متمنيًا على الحكومة أن "تهتمّ بهذا الأمر، وتتأكّد من صحّته كونها صاحبة القرار الرسمي، وكون مصفاة الزهراني وكلّ المصافي في لبنان هي مصافٍ رسمية، وبالتأكيد هكذا قرار لا يمكن إلا أن يصدر عن وزير الطاقة والمياه، وبالتالي على الحكومة محاسبته على ذلك، وأنّ وزارتي الطاقة والاتصالات اللتان في عهدة وزراء (التيار الوطني الحر) الذي يتزعمه العماد ميشال عون، أصبحتا مزرعتين خاصتين لوزيريهما، يتصرّفان فيهما وكأنّهما قد ورثاهما من أبويهما، وهذا الأمر لا يجوز".
ورأى الخبير في القانون الجنائي الدولي، الدكتور وهبي عيّاش، أنّ "ما تقوم به الحكومة إنّما هو مساعدة السلطات السورية وجيشها الذي يواصل أعمال القتل والعنف، وهذا التصرّف يقع حكمًا تحت طائلة العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على نظام الأسد والتي تحظّر مساعدته، وأنّ مدّ الحكومة السورية بالوقود يسمح له باستخدامه في آليّاته العسكرية سواء الدبّابات أو ناقلات الجند"، مشدّدًا على أنّ "هذا الموقف الخطير قد يجرّ عقوبات أميركية وأوروبية على لبنان، تبدأ بالتنبيه لتنتهي بفرض حصار اقتصاديّ على لبنان، مرورًا بمنع المساعدات الماليّة للدولة اللبنانية وتجميد حساباتها ومنع تحويل الأموال أو المساعدات إليها وإلى أفراد من الحكومة، فضلاً عن حظر حركة الطيران من لبنان وإليه".
وتثشير لائحة العقوبات الأميركية والأوروبية التي فرضت على سورية إلى المسلسل الآتي:
- في الأوّل من أيّار/مايو 2011، أعلن الاتّحاد الأوروبّي فرض عقوبات على الشركات والأفراد الذين يُحاولون الالتفاف على التدابير المتّخذة في حقّ الدولة السوريّة والعقوبات المفروضة عليها.
- في 18 آب/أغسطس 2011، حُظِّرَ على دمشق إستيراد المُشتقّات النفطيّة وجُمِّدَت أرصدة الدولة السوريّة.
- في 24 أيلول/سبتمبر 2011، تمَّ حظر أيّ مشاريع استثمارات جديدة في القطاع النفطي السوري.
- في الأوّل من كانون الأوّل/ديسمبر 2011، حُظِّرَ على سورية تصدير معدّات مُخصّصة لصناعة الغاز والنفط أو برامج معلوماتيّة تُتيح مُراقبة الاتّصالات الهاتفيّة أو تلك التي تتمّ عبر الإنترنت.
- بعد الحظر على الأسلحة والعقوبات ضدّ أشخاص لهم صلة بالحكومة السوري، اتّخذت أستراليا في 25 حزيران/يونيو 2012، إجراءات تُحظّر التعاملات التجارية في قطاعات النفط والاتّصالات والمعادن الثمينة.
وكانت جامعة الدول العربيّة قد أقرّت لائحة عقوبات ضدّ سورية، تفرض على البلدان العربيّة وقف التبادلات التجاريّة الحكوميّة مع الحكومة السوريّة، كذلك تنصّ العقوبات العربيّة على تجميد أرصدة الحكومة السورية الماليّة، ووقف التعاملات الماليّة معها، ووقف كُلّ التعاملات مع البنك التجاري السوري.