لندن ـ سليم كرم حذر محللون سياسيون، من أن "الثورات الاحتجاجية التي يشهدها العالم منذ العام 2011 وحتى الآن، لاتزال مهددة بصورة مستمرة وأن أيًا منها لم تحقق هدفها وستظل أسيرة مرحلة الجدل السياسي والثقافي والأيديولوجي، وأن تلك الثورات لم تكن بمثابة حدث عارض مفاجئ وإنما جاءت لتستمر وتبقى، وأن التغيير الحقيقي الذي يرغب فيه الثوار لن يتحقق إلا على أيدي هؤلاء الذين لديهم الاستعداد والمؤهلات القادرة على استخدام قوة التدرج الهرمي ببراعة، وأن السبب في فشلها يكمن في رفضها لأن تحدد مطالبها".

وقالت صحيفة "غارديان" البريطانية، "على الرغم من مرور عامين على سقوط نظام حسنى مبارك وتولي جماعة (الإخوان المسلمين) الحكم من بعده، إلا أن الشوارع في مصر لاتزال ثائرة ولايزال القتلي يتساقطون، وفي شوارع أثينا يقوم حزب (الفجر الذهبي) وهو الحزب النازي الجديد بشن حملات معادية للمهاجرين في اليونان، وفي روسيا لاتزال الناشطة النسائية الروسية بوسي ريوت في السجن في الوقت الذي تواجه فيه الحركة الديمقراطية هناك اتهامات بارتكاب جرائم جنائية، وفي سورية تشهد الحرب الأهلية هناك مقتل 200 مواطن سوري يوميًا، ومن السهل القول بأن عام 2011 الذي شهد بدء تلك الثورات الاحتجاجية لم تكن سوى حدث عارض مفاجئ ومن المستبعد تكرارها، ولكن الكاتب بول ماسون صاحب كتاب (ثورات العالم الجديدة : لماذا ظلت متواصلة في العالم حتى الآن ؟)، يرى أن هذا الثورات لم تكن بمثابة حدث عارض مفاجئ، وإنما جاءت لتستمر وتبقى، وأنها تشبه في بعض جوانبها الموجة الثورية التي سبق وان اجتاحت أوروبا عام 1848 مع اختلاف الأسس الحضارية والسياسية والفكرية، وأن حجم التغير في الأفكار والسلوكيات والتوقعات والآمال على نحو يفوق حجم التغير في العالم المادي، وأنه وعلى الرغم من أن الحركات الديمقراطية حصلت على حيز ومساحة أكبر في العالم العربي، إلا أنها لاتزال مهددة بصورة مستمرة، وأن أيًا من تلك الاحتجاجات لم تحقق الهدف من ثورتها".

وأشار الكاتب في هذا السياق، إلى "قوة الدور الذي يلعبه العامل الاقتصادي، وبخاصة في العالم الغربي"، قائلاً أنه "حتى ولو حافظت منطقة اليورو على استقرارها ولو نجحت أميركا في تجنب الأزمة السياسية المثارة حول موازنتها، فإن الدول المتقدمة ستواجه سنوات من الركود والجمود أشبه بذلك الذي تعاني منها اليابان، وأن من بين الأسباب التي أدت إلى استمرار تواصل تلك الثورات في العالم، سبب يتعلق بعلم الاجتماع ويتحكم في قلب الاحتجاجات والثورات التي تسود العالم حاليًا، ويتمثل هذا السبب في أن شباب الخريجين بات بلا مستقبل"، لافتًا في ذلك إلى سلسلة الاحتجاجات الإسبانية خلال عامي 2011 و2012، وفي شيلي وفي مقاطعة كويبك في كندا حيث بات الغضب أكثر وضوحًا.

وقال الكاتب ماسون في تحليله، "لقد وعدت رأسمالية السوق الحرة أجيال ومواليد 1985 بمستقبل زاهر، إلا أنها في الغرب لا تستطيع أن تقدم مثل هذا الوعود مع زيادة معدلات البطالة، بل لا تستطيع أن تقدم مثل هذه الوعود إلى العاملين أنفسهم، ففي أثناء احتجاجات أثينا كانت المرأة تحتج لأنها تعمل على خدمة الزبائن في إحدى المقاهي على الرغم من أنها تحمل مؤهلات مهندسة مدنية"، مشيرًا إلى استخدام شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت في تنظيم الاحتجاجات،قائلاً إنها "أشعلت النيران الدعائية، وبعد مرور عامين ظهر نموذج أكثر وضوحًا ويتمثل في التفاعل بين وسائل الإعلام الاجتماعي مثل (تويتر) و(فيسبوك) ووسائل الإعلام العادية التي تعرضت هي الأخرى لتغيرات سريعة، وأن وسائل الإعلام الاجتماعي باتت أكثر تعقيدًا، وفي نظر العديد من النشطاء والسياسيين والإعلاميين أنفسهم باتت وسائل الإعلام العادية هي المصدر الثانوي للمعلومات عندهم، في الوقت الذي باتت فيه وسائل التواصل والإعلام الاجتماعي هي المصدر الأول للمعلومات، الأمر الذي يجسد صراع القوة الحالي بين عالم الأفكار وبين السياسات الرسمية".
وبالنسبة للوضع في مصر، أوضح الكاتب أنه "عندما انحصر الصراع السياسي في أعقاب الثورة في صورة معركة بين برلمان الإخوان وبين بقايا المجلس العسكري، بات ضعف السياسات الديمقراطية والعلمانية أكثر وضوحًا، وحتى بعد مرور عامين من أحداث الشغب والأزمات والفضائح والأعمال القمعية، فإن مصر لاتزال عاجزة عن تقديم حزب ليبرالي أو يساري كبير يستطيع أن يواجه الإسلاميين وإكمال أهداف الثورة، وكان ينبغي على (جبهة الإنقاذ الوطني) المعارضة أن تعيد ترتيب نفسها من خلال خلق كيان تكون قاعدته من الشباب، ويأت على رأسه زعامة تقليدية، وخلاصة القول فإن ما يحدث في مصر يقدم أوضح مثال على انتقام السلطة الدينية من أيديولوجيات القرن العشرين العلمانية والعولمة".
كما أشار ماسون أيضًا إلى أن "الحركات الاحتجاجية التي يشهدها العالم الغربي كان يعيبها أنها ذات طابع ذكوري، الزعامة فيها للرجل، وتهميش لدور المرأة فيها، إلا أن المشكلة الكبرى في تلك الحركة الاحتجاجية النسائية أنها حركة بلا مطالب محددة"، لافتًا إلى ذبول حركة الاحتجاج الإسبانية وفقدانها قوة الزخم التي كانت تتمتع بها وحالة الإحباط التي ألمت بزعاماتها البارزة، وكذلك إلى تلاشي حركة "احتلوا وول ستريت" الاحتجاجية بعد أن خاطبهم الفليسوف السلوفيني سلافوج زيزك في زيكوتي بارك في نيويورك قائلا "لا تقعوا في خطأ عشق الذات، وعليكم أن تتساءلوا عما إذا كان سيحدث تغيير بعد أن يعودوا إلى ممارسة حياتهم الطبيعية من جديد"، أما الصحافي توماس فرانك فقال إن "السبب في فشلها يكمن في رفضها لأن تحدد مطالبها".
وأكد الكاتب على أن أهم شئ بالنسبة للحركات الاحتجاجية بداية من التحرير وحتى ميدان بوابة الشمس في إسبانيا، بحاجة إلى صياغة مطالبها، أو العودة إلى استئناف حياتها اليومية كما كان في السابق، وأن الحركات الاحتجاجية تعيش الآن نقطة تحول"، محذرًا من أن "الثورة ستظل أسيرة مرحلة الجدل السياسي والثقافي والأيديولوجي، وأن التغيير الحقيقي الذي يرغب فيه الثوار لن يتحقق إلا على أيدي هؤلاء الذين لديهم الاستعداد والمؤهلات القادرة على استخدام قوة التدرج الهرمي ببراعة، بمعنى أن تكون على سبيل المثال زعيم المعارضة المصري محمد البرادعي أو الرئيس الأميركي باراك أوباما أو حتى الزعيم اليساري اليوناني ألكسيس تيبراس، ثم الانتظار لاتخاذ التصرف المناسب في الوقت المناسب".