عدد من المغاربة المشاركون في القتال في سورية
الرباط ـ رضوان مبشور
كشفت تقارير إعلامية عن أن المئات من المغاربة يسافرون بشكل متزايد للقتال إلى جانب الجيش السوري الحر ضد القوات الحكومية، فيما أفادت مصادر أمنية لـ"العرب اليوم"، أن الطلب تزايد على تأشيرات دخول الأراضي التركية، ليس من أجل السياحة ولكن من أجل العبور إلى جارتها الجنوبية سورية، وهو ما يُشكل
تهديدًا أمنيًا على استقرار المغرب.
وقال مسؤول أمني، "إن الشباب المغاربة يرجعون إلى بلدهم بفكر الجماعات الإسلامية الجهادية، مما يتطلب من السلطات المغربية تشديد الإجراءات الخاصة بسفر المغاربة إلى كل من تركيا والأردن والعراق، التي تعتبر معابر لدخول الأراضي السورية، لكي لا تتفاقم الظاهرة، وتتخوف السلطات الأمنية المغربية من إعادة سيناريو "الجهاديين المغاربة" الذين شاركوا في القتال في جنوب أفغانستان والعراق والبوسنة والشيشان، حيث تزايدت بعدها عدد الجماعات الإسلامية المسلحة التي تمكنت السلطات الأمنية والمخابرات المغربية من تفكيكها، كما شهد المغرب أيضًا أحداث إرهابية عدة، وقف وراءها مغاربة عائدون من الدول المذكورة، في كل من مدينة الدار البيضاء في 16 أيار/ مايو 2003، بعد تفجيرات فندق فرح وبعض المصالح التابعة لإسبانيا في المدينة، وراح ضحيتها حوالي 40 شخصًا من بينهم أوروبيين، وعادت الأحداث ذاتها لتكرر نفسها في العام 2007 في مدينة الدار البيضاء، أفضت إلى مقتل عنصر أمني و5 أفراد من عناصر الجماعات الإسلامية الإرهابية ،بعدما تلقت تدريبًا في كل من سورية وأفغانستان، ثم أحداث أركانة في مدينة مراكش في نيسان/أبريل 2011 التي لقي فيها 12 شخصًا مصرعهم، غالبهم من جنسيات فرنسية وروسية وإسبانية".
وأضاف المسؤول ذاته، أن "المصالح الأمنية والمخابرات المغربية تمكنوا في السنوات العشر الأخيرة من تفكيك عشرات الجماعات الإسلامية، التي تلقى عناصرها تدريبات بكل من أفغانستان وسورية والشيشان، وأيضًا لدى عناصر تنظيم (القاعدة) في بلاد المغرب الإسلامي، حيث تنشط هذه الخلايا الإرهابية النائمة في كل من مدن الدار البيضاء وسلا وأسفي، كانت تستعد للقيام بأعمال إرهابية تستهدف بعض المصالح الأجنبية للمغرب، بالإضافة إلى قطاع السياحة، الذي تعتبره هذه الجماعات الإسلامية يجلب الذل والعار للمغاربة"، موضحًا أن "الداخلية المغربية راسلت في الأشهر الأخيرة السلطات في كل من باريس ومدريد وبروكسيل وأمستردام، وعواصم أوروبية أخرى، تنبههم من تزايد أعداد المهاجرين المغاربة المقيمين في أوروبا والمتوجهين للقتال في سورية، إلا أن هذه البلدان تغاضت على الأمر بداعي حرية التنقل، مما سيشكل خطرًا كبيرًا عليها وبخاصة أن الأمر يتعلق بمتطرفين دينيًا، كما تلقت السلطات الأمنية المغربية في الأشهر الأخيرة شكاوى عدة من أسر الشباب المجاهدين، تدعوهم فيها إلى التحرك بسرعة لحماية أبنائهم، وبخاصة الفتيات والقاصرين منهم، وثنيهم على الهجرة إلى سورية للقتال إلى جانب الجيش الحر ضد القوات الحكومية، كما نشر على موقع (يوتوب) فيديوهات عدة لأسر مغربية مصدومة من مغادرة أبنائهم إلى مصيرهم المجهول في سورية".
وأفادت مصادر مطلعة، لـ"العرب اليوم"، أن "السلطات الأمنية والمخابرات المغربية وجدت نفسها في حيرة كبيرة بشأن كيفية التعامل مع المجاهدين المغاربة العائدين من سورية، على اعتبار أنهم يشكلون خطرًا على الأمن العام بأفكارهم المتطرفة، كما أنهم يجيدون صناعة المتفجرات واستعمال الأسلحة كافة".
وكشفت شهادات استقاها "العرب اليوم" من عائلات بعض الشباب المتوجهين إلى سورية، عن أن أبناءهم تم التغرير بهم بأفكار جهادية متطرفة من طرف من أسموهم بـ"تجار الموت"، لغرض استعمالهم في حسابات سياسية ضيقة "لا ناقة لهم فيها ولا جمل"، مؤكدين أن أبناءهم تلقوا تحويلات مالية قبل سفرهم بقيمة 100 ألف درهم (ما يعادل 12 ألف دولار)، وغالبهم من أسر تعيش أوضاعًا اجتماعية واقتصادية ونفسية صعبة.
وأقر الباحث الأكاديمي في جامعة الرباط أكدال والمتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، محمد ضريف، في حديث لـ"العرب اليوم"، أن "هناك خطرًا حقيقيًا يهدد الشباب المغربي سواء في المغرب أو المغاربة المقيمين في أوروبا، وأن الشباب الذين ذهبوا إلى القتال في سورية لم ينطلقوا على الإطلاق من رغبة فردية لمساندة عناصر الجيش الحر ضد حكومة الأسد، ولكن هناك تنسيق بين هؤلاء الشباب ومن يمثل الجهاد السلفي المتطرف ويجند ويأطر ويدعم ماديًا أصحاب السوابق للجهاد في سورية وقبله أفغانستان والعراق والبوسنة والشيشان".
وحذر ضريف ممن سماهم بـ"الشيوخ السلفيين الذين يقومون بتزكية فعل الجهاد في سورية"، وذكر بالخصوص كل من الشيخين السلفيين مؤسس "دار القرآن" في مراكش محمد المغراوي، المستفيد أخيرًا من عفو ملكي لدخول الأراضي المغربية، بعدما أفتى بزواج بنت الـ 9 سنوات، والمعتقل السابق في سجن سلا الشيخ عمر الحدوشي، المستفيد هو الآخر من عفو ملكي في 2011، بعدما حكم سابقًا بـ 30 عامًا سجنًا نافذًا، لسبب فتاواه المتطرفة، وكذلك حذر السلطات المغربية من "التغاضي والتساهل مع الفتوى الشرعية التي يقوم بها بعض الشيوخ السلفيين، لخدمة مصلحة الوطن قبل كل اعتبار"، مضيفًا أن "هؤلاء الشباب الذين ينتمون لجماعات جهادية مختلفة، تدين بالولاء بالأساس للجماعة الأم تنظيم (القاعدة)، التي تعتبر أن كل بلد يشهد حربًا ضد النظام الحاكم المستبد في أي مكان، فهو جهاد في سبيل الله وجب التجنيد له".
وأكد المحلل السياسي المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، سعيد الكيحل، في تصريحات صحافية سابقة، أن "هذه التنظيمات الإرهابية لا تستطيع اختراق الدول إلا في مثل هذه الحالات، وأن الجهاديين المغاربة لا يذهبون طبعًا بعلم السلطات أو بترخيص منها لدخول سورية، بل يتسللون أو يوهمون الأجهزة الأمنية بالسفر إلى بلدان مجاورة لا تعرف اقتتالاً داخليًا"، مذكرًا في الوقت ذاته بالدروس البليغة التي أخذتها السلطات الأمنية والمخابرات المغربية من الأفغان المغاربة الذين قاتلوا إلى جانب تنظيم "القاعدة" في كل من الشيشان وأفغانستان، وعادوا إلى المغرب وواصلوا نشاطهم الإرهابي عن طريق خلق خلايا نائمة وتجنيد الجهاديين وتأطيرهم.
ورأى مدير المركز الأفريقي للدراسات بشأن الإرهاب، إلياس بوكراع، أنه "يحتمل حدوث مشاكل في سورية عند سقوط نظام بشار الأسد، بين الجماعات الإسلامية المتطرفة من جهة، التي ستسعى إلى إقامة نظام إسلامي، ومن جهة أخرى المعارضات العلمانية، أكثر مما حدث في البلدان العربية التي سقطت أنظمتها كتونس ومصر وليبيا".
ونقلت جريدة "منارة" المغربية، معطيات بخصوص عدد المغاربة المقاتلين في سورية، حيث أشارت أنهم يتجاوزون الـ 200 مقاتل، غالبهم يحملون جنسيات مزدوجة، وبخاصة هولندية وبلجيكية وفرنسية، حيث تتركز غالبية الجالية المغربية في أوروبا، مضيفة أن "الجهاديين المغاربة في سورية وجدوا لأنفسهم موطأ قدم في جبهة القتال ونظموا أنفسهم، ومن يقودهم هو المعتقل المغربي السابق في سجن غوانتانامو، إبراهيم بنشقرون، وأن غالبية هؤلاء الجهاديين سبق وأن قضوا عقوبات سالبة للحرية في المغرب في ملفات تتعلق أساسًا بالإرهاب".